أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 12th December,2001 العدد:10667الطبعةالاولـي الاربعاء 27 ,رمضان 1422

مقـالات

منعطفات
تأملات ممرور.. في حملة المرور!
د. فهد سعود اليحيا
حملة المرور في العام الماضي كانت مفاجأة لي بجميع المقاييس. كذلك حملة هذا العام كانت مفاجأة بدورها.
في العام الماضي كانت هناك روح جديدة وتخطيط وأهداف واضحة بعثت الأمل في قلوبنا أن يعتدل حال المرور«وأعني بالمرور في هذه المقالة كل ماله علاقة باستعمال الطريق وإدارات المرور».
وحملة هذا العام كانت مفاجأة مخيبة للآمال على جميع الأصعدة من باب «شر العواقب يأس قبله أمل». حتى أني تساءلت بصدق عما إذا كانت السلطات المعنية جادة فعلاً في لجم الانفلات المروري أم أنها تذر الرماد في العيون؟
بين حملتين:
في العام الماضي كانت هناك إصلاحات مادية ملموسة للمداخل والمخارج واكبت الحملة لمنع الاختناقات المرورية، لتفويت الفرصة على محبي القفز على النظم، وأضيفت ألوان مختلفة لأجزاء من الأرصفة، وتم تحديد أوقات معينة لفتح وقفل المداخل إلى بعض الطرق السريعة. كما كان أفراد المرور في الحملة الماضية يشتعلون حماسة ويعرفون تماماً أن هدف الحملة هو التوعية بأهمية ربط الحزام لأن ذلك سيغدو قانوناً يجب الالتزام به. فكان رجال المرور يتحركون بين السيارات ويطلبون من السائقين وراكبي المقاعد الأمامية أن يربطوا الحزام.
محلك سر:
حملة هذا العام اقتصرت على مجموعة من الإعلانات الإذاعية والتلفزيونية الخاملة المملة غير الفاعلة. وكان رجال المرور في حالة يرثى لها من الضياع، ففي كل تقاطع رجلا مرور يتجاذبان الحديث. وإذا كان أحدهما واقفاً يتأمل في شؤون الحياة، وملكوت الله، فلأن زميله ذهب يتحدث مع رجلي مرور في السيارة الواقفة على الجانب الآخر من الطريق. وإذا كان من حظ رجلي المرور أنهما يقبعان في السيارة فيتسليان بقراءة الجرائد، أو تجاذب أطراف الحديث حتى ظننت أن الشعار غير المعلن لهدف هذه الحملة المرورية هو:
«عزيزي السائق، إن أخوتك رجال المرور موظفو حكومة. ومن حقهم مثل كل الموظفين أن يفعلوا مثلهم، فيقرؤوا الجرائد ويتناقشوا في جميع مواضيع الساعة، بدءاً من مباريات الفرق التي يشجعونها مروراً بحلقات طاش ما طاش وانتهاء بالحرب في أفغانستان.
خلي عندك دم عزيزي السائق فلا تستكثر على أفراد المرور ما تفعله أنت في المكتب، لا والله الغالب الطالب، قطاع الأرقاب، إن يجيك علمٍ ثاني»!
أما الخيمة الأمنية المقامة«حتى لا تروح الروح» فبرنامجها يحوي على أيام لمحاضرات دينية، وأخرى للشعر الشعبي، وغيرها للشعر الفصيح وكأنها خيمة رمضانية للتسلية، أو جزء من نشاطات اختيار الرياض عاصمةً للثقافة، أو أين تذهب هذا المساء ؟.
فانتازيا:
ولأن الخيال لا حدود له فقد تخيلت أن العسكريين الكبار، في العام الماضي، نادوا من يتلونهم في الرتب العسكرية:
اجمع!
سم طال عمرك!
شوفوا الحملة المرورية الأسبوع الجاي..
طال عمرك قطعت قلوبنا! اجمع وتعالوا، والحاضر يعلم الغايب، عشان أسبوع مرور زي كل سنة.
لا! هي المرة غير! هذي حملة. عند كل تقاطع يوقف منكم اثنين على الأقل، ويعلمون الناس ضرورة ربط حزام الأمان.
أف يا ذا العلم! وش صاير بهالدنيا؟!
نفذ وأنت ساكت!
وهذا العام حدث التالي:
اجمع!
سم طال عمرك!
شوفوا الحملة المرورية الأسبوع الجاي..
طال عمرك الحملة اللي فاتت كانت عشان حزام الأمان، هالمرة وش المطلوب؟
هذي المرة غير، عند كل تقاطع يوقف منكم اثنين على الأقل..
بس؟
نفذ وأنت ساكت!
وهكذا كان، حتى أن العديد من السائقين وركاب المقاعد الأمامية نسوا حكاية ربط أحزمة الأمان نظراً لانتهاء عمره الافتراضي، ومع ذلك فإن رجل المرور ينظر إليهم باسماً يحنو«كيلا أقول شيئاً آخر». بل ويرتكبوا ما شاءوا من المخالفات المرورية فلا يحرك ساكناً، اللهم إلا إذا كانت المخالفة من الكبائر المرورية مثل قطع الإشارة الحمراء.
مشاهد مرورية:
هذه المواقف جعلتني أتأمل مشاهد أخرى في الذاكرة، ووصلت إلى استنتاج مرعب وهو أن فرد المرور قد منع على مر السنين من استخدام عقله في مجال عمله. لذا فمخه يشتغل في جميع المواضيع آخر حلاوة ولكنه في شؤون المرور مجمد بانتظار أمر واضح وهدف صريح. تأملوا معي:
عندما يقام حاجز «أو كمين» لاصطياد من يقطعون الإشارة الحمراء فإن حواس كل أفراد الفريق تستنفر من أجل هذا الهدف. لا يهم من يقف بعد الإشارة ببضعة أمتار، ولا من وقف بالعرض قادماً من أقصى اليمين لأن حضرته يريد أن يعود إلى الوراء«يوتيرن»، ولا أي مخالفة أخرى، فالفريق قال للواء، واللواء قال للعميد، والعميد قال للنقيب، والنقيب يقول: «أمسكوا من يقطع الإشارة الحمراء».
وفي شارع دكاكين الاتصالات المعروف بطريق هشام ابن عبدالملك ينصب كل يوم، وبنجاح ساحق السيرك القومي لفنون السواقة بالعضلات، والوقوف العشوائي، وسيارة المرور تتجول وكأن هدفها تقديم تقرير عن ارتفاع وانخفاض أسعار الهاتف الجوال. ويحدث أن ينصب حاجز«أو كمين» في ذات الشارع لفحص الرخص والاستمارة والهويات فيقوم رجال المرور بالمطلوب خير قيام« وابن أبوه اللي يقدر يمر دون أن يقدم المستندات المطلوبة». أما سيرك السواقة المنصوب دوماً، والوقوف المزدوج ، وعلى الأرصفة، وفي المنحنيات، بل وفي عرض الطريق «والله العظيم يحدث هذا وأكثر» فهو كما يبدو ليس من اختصاص المرور، وإنما شأن وزارة الزراعة أو بلدية الشمال، والله أعلم.
على المستوى الشخصي، بيني وتقاطع طريق الملك عبدالعزيز والأمير عبدالله مشكلة لا تنتهي. فعلى كل جانب من طريق الملك عبدالعزيز مسار مخصص للمرور المحلي ينعطف وجوباً إلى اليمين عند التقاطع مع طريق الأمير عبدالله وبذلك فهو مستقل ومخصص لأولئك الذين يريدون أن ينعطفوا يميناً لا ينازعهم في ذلك إلا ظالم. لكن عند الإشارة قامت الجهة التي تولت تصميم الطريق وإنشاءه إعطاء إكرامية إضافية لمن يريد أن ينعطف يميناً.
ولأنها إكرامية وليست حقاً مكتسباً فإن السهم المرسوم يقطع من المعدن في عرض المسار الأيمن يتجه إلى الأمام ويتفرع منه آخر يتجه إلى اليمين. وما يقوله هذا السهم الأعجم بوضوح بأن ذلك المسار لمن يريد السير قدماً أو يريد الانعطاف يميناً مثلاً بمثل، دون أحقية مطلقة لأي منهما.
ولكن هناك من السائقين من يظن أن الانعطاف يميناً حق مطلق له ويعن أحياناً على بال أحد مسؤولي المرور أن يأمر بأن تنعطف كل السيارات في ذلك المسار إلى اليمين وجوباً انطلاقاً من سلطته. ولأن قدري أن أستخدم هذا المسار في طريقي إلى البيت فأنا معرض دائماً لمثل هذا الموقف الذي يدخل تحت مادة «ربنا يهد المفتري» «وحدث هذا معي وكتبت عنه في هذه الصفحة».
بيد أني عقدت العزم ألاَّ أتنازل عن حقي، لذا حدث قبل رمضان أن كنت واقفاً في ذلك المسار أنتظر الإشارة الخضراء فطلب مني رجل المرور بكل أدب وحزم أن انعطف يميناً إجباراً فسألته: هل هناك حالة طوارئ؟ فرد: لا، ولكن عليك أن تنعطف يميناً! فقلت: إذاً المعذرة. ليس هذا عصياناً مني ولا استخفافاً بأمرك، ولكن اعطني مخالفة مكتوبة، كي أشتكيكم في ديوان المظالم! فجع وقال: ديوان المظالم، ياساتر! لماذا؟ رددت: لأنك بذلك تخالف النظام لغير ما ضرورة طارئة، وتجبرني على تغيير مساري، وتمنعني حقي الذي يؤكده السهم الظاهر على الأرض أمامك! نظر أمامه وقال مبتسماً: معك حق! ولكن الضباط يأمروننا بذلك! ولم يزد على ذلك وتركني وانصرف.
إعلانات:
وهناك إعلانان تجاريان عن صناعية الدائري بالرياض. في الأول. يخابر رجل المرور العمليات أن سيارات كثيرة مسرعة وسيلحق بهم ليعرف «وش عندهم» «لالكي يوقفهم ويعطيهم مخالفة السرعة الزائدة» ويفعل ذلك حتى يصل إلى الصناعية فيحدث العمليات عما راه من جمالها. أما في الثاني، فإن العمليات تتصل بإحدى السيارات بحثاً عن موقعها فيرد الآخر بأنه في صناعية الدائري. وينسى فرد العمليات المهمة التي كان يريد السيارة لها، وينخرط الاثنان في حديث عن صناعية الدائري حتى ينتهي وقت الإعلان دون أن يقول فرد العمليات ماذا يريد من السيارات.
ومن المؤكد أن كاتب الإعلانيين لم يتردد لحظة عند كتابتهما، ولم يخش المساءلة، لأنه كتبهما على البديهة، وانطلاقاً من واقع الحال.
والحل:
ولكي نحصل على إجابة شافية علينا أن نسأل أنفسنا بصدق: هل نحن جادون في وضع حدٍ لسرطان انفلات حال السواقة، وتسيب المرور؟ إذا كانت الإجابة من القلب والعقل معاً بنعم فالحلول ليست مستحيلة:
1 توفير المبالغ المصروفة لتلك الإعلانات ورصدها لتأهيل أفراد المرور. ومع احترامي الشديد لهم وتقديري لدورهم فهم بحاجة لأن يظهروا إبداعهم في عملهم وأن يبدوا إحساساً عالياً بأبعاد المسؤولية. فالقوانين موجودة وما ينقصنا هو تطبيقها لأن «من أمن العقوبة أساء الأدب».
2 يقول المثل الشعبي «أضرب المربط يخاف المنفلت» ويقول علم النفس إن الانضباط في جانب يسهل عملية الانضباط في الجوانب الأخرى. ونحن مواطنين ومقيمين نتفنن في الوقوف العشوائي. ولا أسهل من وضع بطاقة مخالفة على السيارة المخالفة.
فإن لم يسدد صاحبها المخالفة خلال أسبوع تتضاعف المخالفة.
3 إجبار الأسواق والمستشفيات والمدارس وغيرها على الاضطلاع بمسؤوليتها في حفظ أنظمة المرور في المواقف الخاصة بها. هذا أجدى من الطلب منهم تبرعات للمساهمة في الحملة المرورية.
4 إعادة تعيين المداخل والمخارج لتلك المواقف ولمحطات البنزين. والتأكد من وضوح العلامات الأرضية.
5 من الأخطاء القاتلة والمزرية أولئك الذين يندفعون من الشوارع الجانبية إلى الشوارع الرئيسية وهم مغمضو العينين. وليس أسهل من القبض عليهم: فرد يتجول سائراً ويصطاد المخالفين، ويرسل باللاسلكي لزميله الذي يقف في طرف الشارع ليوقف السيارة المبلغ عنها.
6 تشديد ضوابط وإجراءات منح رخص السواقة. إذ ما زال البعض يستطيعون الحصول عليها ولسائقيهم دون مشقة أو اختبار.
7 السماح بإنشاء مدارس لتعليم السواقة تحت إشراف إدارات المرور ووفقاً لضوابط تضعها تلك الإدارات. واشتراط الحصول على شهادة من تلك المدرسة للتقدم للحصول على الرخصة. ومساءلة المدرسة إذا أعطت شهادة دون استحقاق.
8 إعادة نظام الفحص الدوري السنوي شريطة إلغاء المركزية وتعيين ورشات عديدة تنطبق عليها مواصفات محددة للقيام بعملية الفحص.
وهناك الكثير والكثير مما يمكن عمله ويجدي مردوداً نظامياً، ومالياً. ومن السهل إن صدقت العزائم وضع خطة على مدى عدة سنوات لتطوير المرور وتطبيق أنظمته.
فاكس: 4782781
fahad@suhuf.net.sa

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved