| مقـالات
في هذه العشر المباركة يكون المسلم أقرب ما يكون من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والقارئ الكريم يتطلع إلى ما كان عليه السلف من الاستقامة والقرب من رسول الله، فأحببت أن أعرض سيرة عدد من الصحابة رووا الألوف من الأحاديث، ولم يروِّ الألوف غيرهم،وهؤلاء هم: أبو هريرة عبدالرحمن بن صخر الدوسي، الذي سبقة إلى الإسلام الكثير من الصحابة فلم يسلم أبو هريرة إلا في السنة السابعة من الهجرة، فقد قدم المدينة ولزم رسول الله، فحفظ ما قال نبي هذه الأمة، يقول أبو هريرة: «قدمت ورسول الله بخيبر، وأنا يومئذٍ قد زدت على الثلاثين، فأقمت معه حتى مات، أدور معه في بيوت نسائه، وأخدمه، وأغزو معه وأحج، فكنت أعلم الناس بحديثه، وقد والله سبقني قوم بصحبته، فكانوا يعرفون لزومي له فيسألونني عن حديثه، منهم: عمر وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، ولا والله لا يخفى عليَّ كل حديث كان بالمدينة»، وهذا هو سر ما يروي أبو هريرة من الأحاديث الكثيرة التي بلغت ثلاثمائة وخمسة آلاف، وقد روى عنه عدد غير قليل من الصحابة منهم: ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، ومن التابعين عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، ومروان بن الحكم، ومحمد بن سيرين، وعيسى بن طلحة، وسعيد بن العاص، وذكر البخاري أن ثمانمائة من أهل العلم رووا الحديث عن أبي هريرة، وقال: كان أحفظ من روى الحديث في عصره، وقد لزم أبو هريرة الصُّفّة، ولازم الرسول بملء بطنه، وتمر أيام لا يجد ملء بطنه، وقد قال أبو هريرة شغلت التجارة المهاجرين عن رواية الحديث، وشغلت الأموال الأنصار عن رواية الحديث، وقد تفرغت لروايته، وامتد العمر بأبي هريرة فولاه عمر البحرين ثم عزله، وقد امتلك في آخر عمره قصراً في عقيق المدينة، وتوفي فيه في سنة تسع وخمسين من الهجرة.
ويأتي عبدالله بن عمر بعد أبي هريرة في روية الحديث، فقد بلغت الأحاديث التي رواها ستمائة وألفي حديث، وعبدالله بن عمر والده عمر بن عبدالخطاب، فقد ولد في مكة وهاجر إلي المدينة مع والده، وكان ورعاً عابداً، فقد عرضت عليه الخلافة بعد مقتل عثمان فلم يقبلها، وبقي مخلصاً لدينه، خرج إلى الغزو مرتين، فجاهد في سبيل الله، ولم تكتب له الشهادة التي ينشدها، بل عاد سالماً، وبقي يفتي الناس وينقل إليهم أحادث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى توفي في مكة في سنة ثلاث وسبعين، وكان رضي الله عنه قد شهد فتح مكة.
وثالث رواة الألوف من الأحاديث خادم رسول الله أنس بن مالك بن النضر من بني النجار من الخزرج، فقد روى ما يقرب من ثلاثمائة وألفي حديث، وقد لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، فقد جاءت به أمه إلى الرسول عندما قدم المدينة، وعرضت عليه أن يكون خادماً له، فقبل الرسول خدمته، وعمره آنذاك عشر سنين، وقد شهر بدراً وهو غلام، وشهد مع الرسول ثماني غزوات، وصلى القبلتين مع الرسول، وعاش عمراً مديداً بعد وفاة النبي، وكانت وفاته في البصرة في سنة ثلاث وتسعين لهجرة الرسول من مكة إلى المدينة.
وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر هي الرابعة في رواية الألوف من الأحاديث، فقد روت أكثر من مائتين وألفي حديث، ومولد عائشة في مكة في السنة الثامنة قبل الهجرة، وقد عقد عليها الرسول في مكة ودخل بها في المدينة، وقد اعترضت حياتها مواقف صعبة، منها حديث الإفك الذي نزل فيه القرآن، وموقعة الجمل، وقد عرفت عائشة بحفظ الحديث والشعر، ومناقبها كثيرة، وكانت وفاتها في المدينة في السابع عشر من رمضان في سنة سبع وخمسين، وهي ابنة ست وستين سنة، وقد صلى عليها أبو هريرة بعد الوتر ودفنت بالبقيع.
وخامس رواة الألوف جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري، فقد روى أكثر من خمسمائة وألف حديث، وتلك الأحاديث مودعة في كتب الحديث، ومنها صحيح البخاري وصحيح مسلم، وقد جاهد جابر في سبيل الله، فقد غزا تسع عشرة غزوة، وعلَّم كثيرا من الصحابة والتابعين في مسجد رسول الله في المدينة، وكانت وفاته في سنة ثمان وسبعين من الهجرة.
وقد روى عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب أكثر من ستمائة وألف حديث مع صغر سنه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كانت ولادته بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، ووفاته في الطائف في سنة ثمان وستين من الهجرة.
ومع شهرة عبدالله بن مسعود في رواية الحديث وعبدالله بن عمرو بن العاص فإن روايتهما للحديث لم تبلغ الألف، فقد روى عبدالله بن مسعود أكثر من ثمانمائة حديث، وروى عبدالله بن عمرو بن العاص سبعمائة حديث.
هؤلاء الصحابة الأجلاء هم أكثر من رُوِي عنهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
|
|
|
|
|