| محليــات
قالت صاحبتي: «لي جيران يقتسمون معي مساحة الأرض التي يقوم عليها داري..، وكنت بذلك سعيدة، وحفيَّة..، إذ تنبسط دور بقية الجيران فارهة فوق المساحة كلِّها..، تشمخ في علوٍّ، وامتداد،.. وكنت دوماً أسعد لحركتهم، وأحسُّ بسكَنَتهم،.. وأتباهى بمشاركتهم..، وأحدِّث نفسي وأهلي بإنَّ في ذلك ما يخفف عنَّا عناء الشعور بما يحدث من قصور منَّا تجاه جيراننا، وما يحدث من قصور منهم.. تجاهنا، وما لبثوا أن غادروا..، وطالت غيبتهم.. وهجدت الحركات، واختفت السكنات..، وعلى مدى عشر سنوات فترة جيرتهم لم أرهم إلا مرة أو مرتين...، كان جارنا كلَّما عنَّ له أن يعاتبنا لأيِّ ازعاج يصدر من صغارنا..، لا يتورع أن يأتي إلى دارنا، نفرح به وهو يطرق الباب غير أنَّ فرحتنا سرعان ما تتلاشى، إذ نجد أنَّ غرضه من الطرق ليس الزيارة أو تفقُّد أحوالنا..، أو الاطمئنان علينا..، بل جاء «ليخانقنا» عن «كرة».. تطاولت إلى بيته، وسقطت داخل أسواره، قذف بها صغارنا عن غير عمد..أو هكذا يظنُّ، وجاءتنا منه الكثير من الإشارات الرافضة لجيرتنا، فهو تارةً يقذفنا بالحجارة.. ويذكر أنَّها عبث صغاره، وأخرى يُخبرنا عن استيائه من صوت خروف العيد الذي لا يمكث في دارنا أكثر من ساعة في انتظار القَصَّاب..،بينما هو لم يكن يعلم أن صمتنا عليه هو تأدُّب مع جيرته، واحتراماً لحقوقه..، إذ كثيراً ما عقدنا داخل البيت اجتماعاً طارئاً نبحث فيه عن سرِّ جفاء جارنا فلم نجد، إذ نحن لا نمارس المكوث خارج المنزل، وليس لدينا حديقة، ولا تطلُّ نوافذنا عليه، وليس لدينا أبناء مزعجون، وليست تلك الكرة التي تزورهم من حين لآخر قادمةً إليهم من بيتنا..، ومع ذلك فلقد افتقدنا جارنا عندما غادر..، وسألنا عنه عندما غاب.. وغاب..، ولم يعد...، وحاولنا معرفة عنوانه لنؤدي واجب السؤال..، ولم نعد ندري عنه شيئاً..
عشر سنوات جاورناه ولا نعلم عنه شيئاً..، وعوَّلنا ذلك على ضعف روابط الجيرة في هذا الزمن..، وكثرة مشاغل الحياة التي تُقصي الإنسان عن الآخر..، فذهبنا نعوِّض ذلك بالدعاء له..، ولأسرته.. ولخاصَّته.. وسألنا الله أن يغفر له ولنا قصورنا..، مرَّت شهور..، وعام.. فأكثر ومنزل جارنا هاجد، صامت، مظلم... علمنا أنَّه سوف يبيعه..، ولأنَّ لنا «الشُّفعة» في ذلك تأكدنا أنَّ حق الجار سوف يُحقِّق لنا رغبتنا، «فمنزلنا» صغير..، وأفراده كبروا، وكثروا، ولم يُجب.. وفجأة.. سمعنا حركة شديدة في منزل جارنا..، لم تدع لنا لحظة للراحة..، عملت معاول الترميم فيه..، و.... ارتفع التراب ليسدَّ أنوفنا..، والآلات لتصكَّ آذاننا..».
في الغد نتابع ما قالت صاحبتي..!
|
|
|
|
|