أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 11th December,2001 العدد:10666الطبعةالاولـي الثلاثاء 26 ,رمضان 1422

الثقافية

قصة قصيرة
تداعيات زمن الانكسار
محمد صالح القرعاوي
لم تكن تلك الليلة التي انقطع فيها التيار الكهربائي مصدر إزعاج له حيث يعيش في شقته المتهالكة التي يعرف سراديبها..! فتش عن الولاعة في جيبه... تذكر أنها بجانب الموقدالصغير... على غير عادة لم أقرأ اعلان شركة الكهرباء عن هذا الانقطاع... ربما الحدث طارئ... ربما...؟.
بين فلول الظلام الذي أطبق عليه فجأة... وقف يتأمل النور عبر ثقوب باب الغرفة الموصل الى سطح العمارة التي يسكنها... تذكر تلك الغرفة المظلمة التي يحملها بين جوانحه والتي كم كان يتوق للدخول إليها والتفتيش في خباياها.. لام في نسيانها مشاغل الحياة التي كانت كفيلة بأن ينسى نفسه...! فكيف التفكير في تلك الغرفة المظلمة...!!.
جلس يستعرض مسيرة الحياة التي يرى اعوامها الاربعين كيف مرت..! الأبواب التي طرقها.. المعاناة التي يحملها أين ما ذهب..!! يرى الحياة قاتمة سوداء.. ما عدا ثوبه الأبيض الذي يلبسه أمام الناس..!.
أسند رأسه الى الحائط المقابل لباب الغرفة بعد ان قرر ان يلج تلك الغرفة المظلمة..!.
في حلكة الظلام تشاطره الهواجس في تمضية الوقت وهو يطالع حركة النور من ثقوب الباب.. صنع نفسه وقد مالت الدينا معه رجل عظيم..! الكل يطلب وده..! يقابل الناس حسب ما تحفل به ملفاتهم داخل الغرفة المظلمة..
وقف له الجميع فيطلب من هذا..! ويستهزئ بذاك.. يتوعد آخر.. مر أمامه شريط معاناته في الأيام الخالية.. وقف له ذلك المغرور الذي طرده من مكتبه وهو ذليل وعندما همّ بضربه.. قام بسرعة وهو خائف بعد ان سمع تساقط الأواني مع إدراكه انه وحيد في الغرفة..!!
نظر حوله لعله يرى شيئاً..؟ الحمد لله.. قالها ويده على قلبه..!! أنت..! وعيناه ترقبان المكان.. لقد لمح القطة وهي تحاول الخروج.. تذكر أنه نسي الباب مفتوحا هذا الصباح..، قادته رجلاه الى المطبخ ليبحث عن شمعة تنير الظلام.. امتدت يده الى أحد الأرفف وسحب شمعة يعلوها الغبار.. بحث عن الولاعة..!!.
عاد الى مكانه أمام الباب.. وقف حائرا أمام العوائق التي تمنعه من الدخول الى الغرفة المظلمة.. أوقد الشمعة..!
وعندما همّ بنسيان الغرفة المظلمة لاح له وجه أبيه الراحل.. فأخرج زفرة من صدره وقال رحمك الله يا أبي.. كيف ضل القرش طريقه إليك..!! أم أنك لم تسع مثل الآخرين..؟ استجمع بقايا قوته تذكر أنه يكنى «ذيب الليل».. سبحان مقسم الأرزاق.. عندما همّ بفتح باب الغرفة.. لاح له وجه أبيه وهو ينفخ لكي يطفئ الشمعة.. صرخ..! كف يا أبي..!!.
ألم يكفك ان كفنك تبرع به الأخيار..؟ اختفت صورة والده والشمعة مازالت مشتعلة.. تحسس الباب..!! بحث عن الرتاج القابع تحت غبار النسيان..!!.
دلف إلى الغرفة والشمعة في يده تلعب بها الرياح.. صدى الماضي يخيفه ليمنعه من الدخول.. فكر بالرجوع عن البحث في ملفات الحياة البائسة التي عاشها ولكن..!!.
نظرته على نفسه بددت جميع المخاوف.. يجب أن أبحث عن الخلل..! لقد جاوزت الأربعين.. وأنا مكانك سر..!!.
على ضوء الشمعة الخافت وقعت يده على ملف عتيق..، قلب الملف بين يديه لعله يجد عنوانا أو اسما.. طبقات الغبار تعلو هذا الملف..! نفخ بقوة فتطاير الغبار على وجهه.. كادت الشمعة ان تنطفئ.. لمح بعض الخطوط الدقيقة في الزاوية العلوية.. حاول قراءتها.. وجد صعوبة في فك تلك الطلاسم.. وأخيرا نجح.. نعم إنه أنت يا أبي.
كانت التربية التي قومتني عليها وغياب توجيهك والمعاملة التي ألقاها منك.. نعم هي المسار والمحدد الذي وصلت اليه الأن.. لقد أفضت الى حطام رجل.. لا ألومك.. انها الأقدار.. جارنا أبو فهد نفس مستوى التعليم لك يا أبي ومع ذلك.. اللهم لا حسد..!!.
سبحت به الذاكرة بعيداً في دهاليز الغرفة المظلمة.. تداخلت الوجوه.. يظهر أمام عينيه جارهم صاحب الفضل الأكبر في زرع الحقد في قلب أبيه والوشاية عليه دائماً.. والتي كان للعصا جولات على ظهره.. رأى وجه أمه.. حاول ان يستزيد من صبرها.. ولكن!! الخوف من أبيه جعلت الرحمة تخرج من قلبه لحالها.
رجع لتلك الظروف التي عاشها.. مختلفة حتى في المدرسة..؟ سمع أولئك الأطفال الأشقياء وهم ينادونه .. «الجلاد.. ذيب الليل.. النكبة.. البليد.. الكسلان..» لماذا..؟.
هل كنت حقا كما يصفونني.. أم..! نعم ان ابي لا يعرف للمدرسة طريقاً.. هو لا يضاحكهم ولا ينافقهم.. هل أولئك مدرسون؟.. لا.. بل رعاة.. «...» لم يكونوا على مستوى من الرقي والعطف والرحمة حينما كانت عقولنا وأجسامنا غضة.. لم يشاركوا الأطفال أحلامهم.. لم يتحسسوا مواطن الإبداع.. نعم كانوا جهلاء.. التربية على نغمات العصي.. يتحسس أذنه التي تغير شكلها.. ارتبط شد أذنه بحصة التاريخ حتى كره هذه المادة..!!
نعم أكره التاريخ إلى الآن..! وإلا ما معنى ان تظل الغرفة مغلقة حتى هذه اللحظة التي انقطع فيها التيار.. لماذا ام أعود وأصحح المسار قبل فوات الأوان..
صرخ فجأة..!! لقد ذابت الشمعة على يده.. ونسي الغرفة المظلمة.
dalo46@yahoo.com

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved