أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 11th December,2001 العدد:10666الطبعةالاولـي الثلاثاء 26 ,رمضان 1422

مقـالات

الصوت والصَّدى
د. عبد الرحمن صالح العشماوي
أوَ تملكون الصوتَ ثم تفتّشون عن الصَّدى ؟؟
سؤال يشتعل بين حروفنا التي نسطّرها للحديث عن الإعلام في عالمنا العربي، الإعلام الذي لا يزال غالباً يعيش على فُتاتِ الإعلام الغربيّ، ويتسوّل من وكالات الأنباء الغربية المحكومة برأس المال اليهودي، الإعلام العربي الذي لا يزال بعضه يحتضن أقلاماً تغذّت بثقافة الغرب، وشربت من مستنقع الأفكار الغربي المنحرفة عن التصوّر الصحيح للكون والحياة والإنسان وأخذت تعرض علينا من المقالات والتحقيقات الصحفية ما يعرض الرأي الغربي بقلم عربي، ويحلّل الأحداث بصورة تشعرنا أنه في وادٍ وحقيقة ما يجري في وادٍ آخر.
إنه الصّدى الذي ينتقل إلينا عبر قدرات بشرية عربية في مجال الإذاعة والتلفزة والصحافة، الصّدى الذي نسمع فيه نبرات وعبارات صموئيل وميشال من خلال صوت محمود ومأمون، وماذا نريد من الصّدى المحمّل بالأباطيل والأكاذيب والعداوة لنا ولأمتنا ومبادئنا ..
شيء عجيبٌ حقّاً ، تنقل قناة «سي إن إن» صورة لامرأة تزعم القناة أنها أفغانية ترتدي الحجاب الأفغاني المعروف وتُسمعنا صوتها وهي تقول: «الحمد للّه، بعد خروج طالبان من كابل سأتخلّص من هذا الحجاب الذي فرضوا علينا ارتداءه» تنقل لنا السي إن إن هذا ولا نعجب لأننا نعلم أنها لن تنقل لنا إلا مثل هذا، ولكن العجب العُجاب ما رأيناه من قنوات عالمنا العربي وصحافته .. حيث رأيناها تنقل بكل «أمانة وإخلاص» هذا الخبر وتلك الصورة نقلاً حرفياً حذو القُذَّة بالقُذَّة دون أيّ تعليق يشعرنا أن «إعلامنا العربي» يملك رأياً مستقلاً أو صوتاً حُرّاً صريحاً.
ومثل هذه الصورة، صورة رجل أفغاني يسلم إلى الحلاق لحيته ليزيلها وهو يردّد «أنا الآن أحلق لحيتي التي أجبرتني حكومة طالبان على تربيتها، نعم نقلت الصورة في قناة سي إن إن بشكل واضح حتى إن المشاهد ليكاد يسمع حفيف آلة الحلاقة على خدّ ذلك الرجل الذي تحقّق حلمه الكبير بحلق لحيته، وكأن مشكلة الأفغان الوحيدة هي هذه اللّحى الجميلة التي تزيّن وجوههم.
لقد رأينا هاتين الصورتين في معظم القنوات والصحف والمجلات العربية منقولة بأمانة وحرفية تدل على دقّةٍ متناهية في هذا الإعلام العجيب.
الوكالات الغربية جميعها تؤدي رسالةً إعلامية ناجحة لبلادها وتعمل بصورة جليّة على تسطيح وعينا نحن في عالمنا العربي بما يجري من الأحداث، وما أسعد تلك الوكالات بهذا التفاني من إعلامنا العربي لنقل ما يريدون كما يريدون.
أين الصوت يا إعلامنا العربي ..؟ إنك تملك صوتاً جهورياً واضحاً فلماذا يموت في حنجرتك ولا نسمع منها إلا أصداء أصوات الآخرين؟؟
هذه الأزمات العالمية الضخمة جديرة بأن تحرّر وسائل إعلامنا العربي من سيطرة الإعلام الغربي «الصهيوني»، وجديرة بأن تدفعنا لإعادة النظر في أساليب الطّرح الإعلامي، ووسائل التلقي والحصول على المعلومات. إن لقطات محدودة معدودة لصورة الطفل محمد الدرّة هزّت العالم هزّاً وأحدثت أثراً لا يزال حيّاً وسيظلّ كذلك ما بقيت تلك الصورة تعرض على الناس.
لو لم تكن آلة التصوير تلك في يد رجلٍ حريص على نقل الحقيقة لماتت في مهدها.
كم حدث في أفغانستان في الحرب الأخيرة من مواقف وأحداث مؤلمة، وكم حدث من مواجهات قبل تسليم كابل وخروج طالبان منها، ولكنَّ صورة الأفغانية المتذمرة من الحجاب والأفغاني المتذمر من اللحية هي التي برزت تلك الأيام، لماذا؟ وماذا وراء ذلك؟؟.
أين المراسلون المسلمون مما جرى، ولماذا لا نراهم غالباً إلا في ردهات الفنادق يتسوّلون الأخبار والصور من وكالات الأنباء الغربية ...
يتسوّلون ؟ كلا .. ولكنهم يشرونها بآلاف الدولارات !!
نريد صوتنا الواضح الصافي أيها الإعلام العربي الكريم. نريد الإحساس الحقيقي بالأحداث التي تشتعل بها الكرة الأرضية هذه الأيام .. نريد صدقاً إعلامياً ينتشر به الوعي الحقيقي في صفوف الناس.
أيها الصوت الإعلامي الذي ما زال مخنوقاً في الأعماق، إلى متى تبقى حبيس الغفلة التي تعكس لنا أصوات الآخرين؟!
هنالك مقالات وتصريحات وتحقيقات تنصفنا وتنصف قضايانا في العالم الغربي بما في ذلك أمريكا ... ولكنها لا تصل إلينا بمثل ذلك الزّخم القوي الذي تصل به إلينا الأخبار الأخرى .
تنشر وكالة أنباء أمريكية أو فرنسية أو بريطانية أو غيرها خبراً عن عارضة أزياء في صورة نادرة مع كلبتها الجميلة، فترى تلك الصورة في عشرات الصحف العربية والقنوات الفضائية معروضة بصورة جليّة وكأنها هي القضية، وربما عُرضت لنا في الصفحة الأخيرة من الجريدة في إطار كبير مصحوبة بتعليق طريف، بينما صورة المرأة الفلسطينية التي تمسك بيد ابنها الصغير، والجندي الاسرائيلي يمسك باليد الأخرى وهي تصرخ وتستنجد حتى لا يفلت صغيرها من يدها فيذهب عنها إلى الأبد، هذه الصورة تعرض داخل صفحات الجريدة كما يعرض أي خبر لا يثير الاهتمام.
لماذا هذا التسطيح أيها الإعلام العربي «الرّاقص»؟.
ومتى يختفي الصّدى القبيح ويظهر لنا الصوت الجميل؟.
أين ذهب صوت مانديلا؟
تحت عنوان «أنصفنا مانديلا وضيّعتْنا البيروقراطية» كتب الأخ الكريم د. عبد اللّه بن موسى الطاير مشيراً إلى أن مانديلا الرئيس السابق لجنوب أفريقيا وقف في جامعة ميرلاند الأمريكية قائلاً: «على الغرب الذي يعتنق الديمقراطية ألا ينصب نفسه سيداً على البلدان العربية، فالبلدان العربية وأخص السعودية يحترمون مواطنيهم، وإذا أخذت السعودية مثالاً فإن التعليم هناك مجاناً من الابتدائي وحتى الجامعة. بل وإنهم يدفعون لطالب الجامعة مكافآت تعينه على الدراسة ولديهم خدمات صحية مجانية وقروض عقارية بدون فوائد وهو أمر لا تجده في أي بلد عربي»، هذا ما نقله د. عبد اللّه الطاير وهو جزء من كلام كثير قاله مانديلا مدافعاً به عن دول الخليج في مواجهة حملة الإعلام الغربي عليها ...
سؤال قلمي هنا هو: أين وسائل الإعلام العربية، والخليجية خصوصاً، والسعودية بالذات، من هذا الكلام الذي يقال عنا من مانديلا ومن غيره من المنصفين ... هل ننتظر أن تنقله السي إن إن حتى ننقله عنها محمّلا بوجهة نظر غربية صهيونية تمسخ الحديث مسخاً؟ وتصوّره لنا بصورة أخرى؟.
الساحة الآن مهيّأة أكثر من الماضي للطرح الإسلامي الجاد الصّريح البعيد عن المجاملات التي تضر ولا تنفع، وتؤخر ولا تقدّم ، إننا ندعو كل الوسائل الإعلامية الإسلامية إلى المراجعة الصادقة لحالتها الإعلامية المحزنة، والى العودة السريعة من الغربة الإعلامية التي تعيشها.
وأخيراً أقول ما قلته أوّلاً:
أوَ تملكون الصوت ثم تفتّشون عن الصّدى؟

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved