| تحقيقات
*
* الجوف إبراهيم الحميد:
تعتبر منطقة الجوف من أغنى مناطق المملكة بالتراث الأثري، حيث توجد فيها أقدم قلاع المملكة التاريخية (قلعة مارد) والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 2000 عام كما يوجد فيها أقدم المستوطنات البشرية في الشويحطية قرب سكاكا والتي يعود تاريخ استيطانها إلى أكثر من مليون عام وتنتشر المواقع الأثرية في مختلف المواقع في مدن المنطقة، حيث تنتشر الكتابات الثمودية والنبطية واليونانية والعربية على الصخور والجبال فيما تتناثر القلاع والحصون والمكتشفات الأثرية في مختلف المواقع مما يجعل من منطقة الجوف واحدة من أغنى مناطق المملكة بالتراث الأثري، وقد انتشرت في السنوات الأخيرة حمى نبش الآثار والبحث عنها بمختلف الوسائل البدائية والحديثة حيث يعمد الباحثون عن كنوز الآثار إلى استخدام معدات البحث عن المعادن الحديثة والبدائية معرضين آثار المنطقة لخطر التدمير والإزالة بسبب عمليات التدمير والنهب العشوائية التي تطول تلك الآثار في ظل غياب كامل لأي دور أمني أو اشرافي من كافة الجهات المختصة وخاصة وزارة المعارف وهي الجهة التي أنيطت بها مهمة حماية آثارنا من الاندثار
كشف حالات التعدين
عواد فالح الجابر أحد شباب منطقة الجوف المتحمسين للآثار ولحمايتها ولذلك فهو يقوم بزيارة مختلف المواقع الأثرية التي لم تشملها الحماية حتى الآن.. وهو يبدي اسفه الشديد على تعدي لصوص الآثار على آثار منطقة الجوف دونما رقيب.
يقول عواد الجابر انه طالما اكتشف عشرات الحالات للتعدي على المواقع الأثرية مشيرا الى انه تحدث عدة مرات مع رئيس قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود الدكتور خليل المعيقل للمطالبة بحماية المواقع الأثرية من النهب والتخريب، ويضيف عواد انه اكتشف مؤخرا تخريب موقع أثري من أهم المواقع الاثرية الإسلامية في منطقة الجوف والذي يحوي احد النقوش العربية غير المنقطة، ويضيف ان الغريب أن الحفريات التي تمت في المكان تشير الى احترافية عالية في نبش الموقع مما يشير الى تمرس لصوص الآثار في هذا العمل.. ويقول ان لصوص الآثار يتحركون في شتى الاتجاهات دونما رقيب، ويضيف الجابر أن مهنة البحث عن الآثار أصبحت تستقطب قطاعا عريضا من المجتمع نظرا لكثرة المواقع الاثرية في المنطقة وعدم حماية معظم المواقع الأثرية بما فيها تلك المواقع الشهيرة التي يطولها العبث كالذي طال مسجد عمر بن الخطاب التاريخي بتشويه مئذنته التاريخية بالكتابات، وكذلك تشويه قلعة زعبل وبئر سيسرا في سكاكا على الرغم من الأهمية التاريخية الكبيرة لهذه المواقع..
ويؤكد عواد الجابر أن هناك عبثا يطول أهم الاحياء التاريخية في منطقة الجوف وهو حي الدرع في دومة الجندل الذي يتميز بعقوده التاريخية المميزة والذي حاول لصوص الآثار سرقة حجارته وتدمير بعض أجزائه، مشيرا الى ضرورة تضافر جهود مختلف الجهات المسؤولة لحماية الآثار، وناشد الجابر سمو أمير منطقة الجوف صاحب السمو الملكي الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الامير فهد بن بدر بن عبدالعزيز لتوجيه الجهات المختصة لحماية ثروة المنطقة الأثرية والتاريخية، مناشدا سموهما بإنشاء لجنة مهمتها الحفاظ على آثار المنطقة من السرقة والعبث والتخريب.
الاستعانة بالكهنة والمشعوذين
الاستاذ حسين الخليفة مدير متحف دومة الجندل سابقا ورئيس لجنة التنشيط السياحي بالغرفة التجارية أوضح أنه من الملاحظ بين الحين والآخر بعض أعمال النبش في بعض المواقع الأثرية الخارجة عن نطاق العمران والتي تنم عن جهل هذه الفئة بأهمية الحفاظ على المواقع الأثرية اضافة إلى استغلال بعض الكهنة والمشعوذين في خارج المملكة على الرغم من جهلهم بالرسوم الصخرية والوسوم والنقوش وأنها تدل على كنوز مدفونة مضيفا عدم معرفته أن معظم المناطق الأثرية هجرها الانسان لسبب أو لآخر ويكون عندها قد حمل معه جميع أشيائه الثمينة ومن ثم يتعرض المكان للدمار حتى تدفنه الرمال مع دوران الزمن.
الأستاذ غثيان الروضان مدير احوال دومة الجندل أشار الى ان التعدي على الآثار يعد مشكلة تنم عن جهل عميق لدى بعض الأفراد بالقيمة الحقيقية للآثار بالاضافة إلى التفسير الخاطئ للكتابات والنقوش، مشيرا إلى أن الكنوز التي يبحث عنها البعض في هذه الآثار هي مجرد أمنيات لا حقيقة لها.
فيما أشار الاستاذ محمد سلمان الزارع إلى ان مشكلة التعدي على الآثار نابعة من عدم وجود قانون لردع المخربين والعابثين بالاضافة إلى أنها بدون سياج يحميها مما يعرضها للعبث والتخريب، بل السرقة في كل حين على أيدي ضعاف النفوس ممن يهتمون بالعائد المادي من ورائها فقط.
الاستاذ دلق صلفيق المطير أشار إلى أن مشكلة التعدي على الآثار تنبع من وجود العديد من ضعاف النفوس وحب التملك ممن لا تهمهم مصلحة منطقتهم ووطنهم لأنهم يقومون بأعمال تتنافى والروح الوطنية التي تحافظ على الآثار لدراستها والاعتناء بها.
الاستاذ ربيع عبيد السبيلة قال ان مشكلة التعدي على الآثار اصبحت ظاهرة مشيرا الى ان على المسؤولين في هذه الحالة اتخاذ أشد العقوبات وخاصة على من يحاول إزالة ولو جزءاً يسيراً من هذه الآثار.
المحافظة على الآثار
وعن كيفية المحافظة على الآثار يشير الاستاذ حسين الخليفة إلى ان حكومتنا الرشيدة ممثلة في وكالة وزارة المعارف للآثار والمتاحف تقوم بجهود واضحة في سبيل الحماية والمحافظة على المواقع الأثرية في المملكة عموما من خلال ما قامت به من تسجيل وتوثيق وأعمال مسح وأعمال تنقيب ودراسة وتسوير وترميم وتعيين للحراس مشيرا إلى أن الدور الرئيس للمحافظة على الآثار يجب أن ينبع من المواطن فوعيه وادراكه بأهمية هذه المواقع هو السبيل للمحافظة عليها مشيرا الى ان أي عبث بالآثار هو تدمير لفترة أو حقبة تاريخية من تاريخ هذا الوطن الغالي.
ويشير الأستاذ حمود غثيان الروضان إلى أنه يمكن المحافظة على آثارنا من خلال الوعي الكامل للافراد بأهمية وأن العبث فيها هو عبث بتاريخ أمة بكاملها وكذلك بعمليات الصيانة والترميم للمواقع التي تحتاج لذلك.
الاستاذ محمد سلمان الزارع اوضح ان اسلم طريق للمحافظة عليها والعناية بها هو انشاء وزارة للسياحة تكون الآثار إحدى هيئاتها، مشيرا الى أن ذلك يجعلها مصدرا اقتصاديا يميز هذه الآثار بالاضافة الى الدور الإعلامي الذي ستقوم به مما يمكن من المحافظة على آثارنا.
أما الاستاذ دلق صلفيق المطير فأشار إلى أنه يمكن الحفاظ على الآثار من خلال ترميمها وعدم المساس بأي جزء منها وإلى أهمية مراعاة الظروف الطبيعية التي حفظت هذه الآثار حتى وصلت إلينا ومنها ابعاد بعض مصادر الرطوبة عن تلك الآثار حتى تحافظ على شكلها التي وجدت عليه.
الاستاذ ربيع السبيلة أوضح انه ممكن المحافظة على الآثار بتجنيبها كل ما يؤثر عليها واقامة مشاريع دائمة للترميم اضافة الى منع العبث بمحتوياتها وتنظيم الزيارات لها.
استثمارها سياحياً
وعن كيفية استثمار آثار دومة الجندل ومنطقة الجوف يشير الاستاذ حسين الخليفة إلى ان استثمار المواقع الأثرية يخضع لضوابط محددة ضمن نظام الآثار مشيرا الى ان وكالة وزارة المعارف للآثار والمتاحف هي الجهة المسؤولة عن هذه الكيفية اما الاستثمار الحقيقي فهو المحافظة عليها.
الاستاذ غثيان الروضان يشير الى ان الاستثمار الأجدي لآثار المنطقة هو حمايتها من العابثين وترميمها بشكل يليق بقيمتها التاريخية مشيرا الى ان ضرورة تعريف المواطنين والمقيمين في مدن المملكة بأهمية الآثار الموجودة وتنظيم الزيارات السياحية لها من داخل وخارج المملكة.
الاستاذ محمد الزارع اشار الى المحافظة على الآثار تتأتى من خلال تحسين المناطق المحيطة بها ووضع السياجات اللازمة لها وتنظيم أوقات الزيارات السياحية للمواقع الأثرية وبأجور رمزية مما يجعل لتلك المواقع أهمية أكبر.
الاستاذ صليفق أشار إلى ان استثمار تلك الآثار يكون بإقامة الأسواق الشعبية وعرض المنتجات المحلية في المواقع القريبة منها.
اهم آثار المنطقة
مما يذكر ان منطقة الجوف تعد من أغنى مناطق المملكة بالتراث الأثري والانساني وذلك لقدم الاستيطان البشري للمنطقة وتدل على ذلك الآثار الموجودة التي تؤكد وجود حياة منظمة في هذه المنطقة منذ ما قبل التاريخ المدون للمنطقة قبل العهد الآشوري والمتمثلة في بعض المواقع التي تعود للعصر البالوليثي القديم والعصر النيوليثي، كما يوجد في موقع آثار الرجاجيل مجموعات من الأعمدة الحجرية التي تعود الى العصر التشالكوليثي في الألف الرابع قبل الميلاد وهنا اطلالة مختصرة على اهم آثار المنطقة.
مسجد عمر بن الخطاب: وهو احد أهم المواقع الأثرية في منطقة الجوف والذي ينسب بناؤه الى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويتميز بمئذنته الفريدة من نوعها في الجزيرة العربية والتي يقول بعض المؤرخين انها أول مئذنة في الاسلام، وقد وصفها أحد الرحالة الذين زاروا المنطقة في القرن التاسع عشر أنها تشبه المسلة ولها ارتفاع 15 مترا، وقد أعيد ترميم بناء المسجد مؤخرا إلا أن المئذنة بقيت محافظة على شكلها منذ أن بنيت قديما.
بلدة الطوير القديمة: يوجد بقايا سور قديم وخزفيات تعود إلى القرن الاول قبل الميلاد، كما توجد فيها قلعة الطوير التي يوجد عليها عدد من النقوش الثمودية والنبطية والرسوم.
قلعة زعبل: وتقع هذه القلعة على رأس جبل في الطرف الشمالي الغربي لمدينة سكاكا وهو عبارة عن سور مبني من الحجر والطين وله أربعة أبراج في زواياه ويتم الوصول الى القلعة بواسطة طريق وحيد ومتعرج، وقد وقفت القلعة حامية للمدينة ردحا من الزمن بسبب قوة تحصيناتها وصعوبة الوصول إليها، ويتداول الأهالي قصصا اسطورية عن هذه القلعة ووقوفها صامدة في وجه الغزاة الذين أرادوا هدمها لأهميتها الإستراتيجية.
موقع الشويحطية شمال سكاكا: يؤكد المؤرخون على أنه أقدم مكان استوطن فيه الانسان في الجزيرة العربية وهو رأي الدكتور عبدالرحمن الأنصاري عالم الآثار السعودي المعروف، وقد عثر على بعض القطع التي تعود إلى حقبة العصر الحجري القديم التي ترجع الى فترة ما قبل مليون عام وهي معروضة اليوم في متحف دومة الجندل ومتحف دار الجوف للعلوم.
بئر سيسرا ومغيرا والمدارة: كما توجد بعض الآثار الأخرى مثل بئر سيسرا المنحوتة في الصخر وموقع مغيرا الذي يوجد به بعض برك المياه المحاطة بالجدران الحجرية وموقع المدارة قرب الرجاجيل والتي عثر فيها على بعض النقود التي تعود الى العصور الإسلامية.
الأشجار والأسماك المتحجرة: يذكر الدكتور زغلول راغب النجار الاستاذ في جامعة البترول والمعادن بالظهران سابقا والعالم العربي الشهير في حديث له إلى كاتب هذه السطور ان افضل موقع يمكن مشاهدة بقايا العصر الجيولوجي الديفوني الذي يعود إلى 400 مليون سنة من عمر الأرض في الجزيرة العربية هو في منطقة الجوف حيث بقايا الغابات الهائلة المتحجرة شمال سكاكا وحيث بقايا الاسماك المطبوعة على بعض الاحجار، ويوجد في المنطقة آلاف الأشجار المتحجرة والأسماك المطبوعة على بعض الاحجار.
أعمدة الرجاجيل بالجوف تنتظ فك لغزها القديم: إن اقدم المواقع الأثرية في المنطقة يعتقد بأنها أعمدة الرجاجيل التي تقع الى الجنوب الغربي من مدينة سكاكا ويوجد بها خمسون مجموعة من الأعمدة الحجرية المنتصبة والمسماة الرجاجيل في دائرة كبيرة غير منتظمة يبلغ نصف قطرها أربعمائة متر تقريبا، ويقول بعض المؤرخين انها ربما تعود لمعبد أو قصر قديم، إلا انه لم يتم القيام بحفريات تكشف اسرار الموقع الذي يعود للألف الرابع قبل الميلاد، يحتوي الموقع على حوالي خمسين مجموعة من الأعمدة الحجرية المنتصبة والكثير من الأعمدة محطم وملقى على الأرض، وتتوزع المجموعات في تلك الدائرة الكبيرة التي تشرف على سهل رملي واسع وتضم كل مجموعة من عمودين الى عشرة أعمدة ارتفاع الواحد منها ثلاثة أمتار تقريبا ويذكر الدكتور عبدالرحمن الانصاري عالم الآثار المعروف ان الافتراضات الأثرية تعتقد بأن الموقع يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، والموقع بحاجة الى اجراء تنقيبات مختلفة للوقوف على أسراره وغوامضه، اذ ان تلك الأعمدة تشبه الى حد كبير تلك الأحجار الموجودة في بريطانيا والتي تعود الى الألف الثالث قبل الميلاد، ويشير الأنصاري إلى أن هذا الشكل الحجري قد يكون مرتبطا بطقوس عقائدية في أغلب الظن، أو هو بمثابة أحد الأشكال الاستدلالية بعلم النجوم والفلك وهناك من يقول إن هذه الاعمدة ما هي إلا شواهد على قبور علية القوم من الشعوب القديمة التي سكنت منطقة الجوف، وتشير وثيقة موجودة بمتحف دومة الجندل الى انه يبدو ان الوضع الاقتصادي للمناطق الداخلية في الجزيرة العربية، وهي المناطق الواقعة إلى الجنوب من صحراء النفود استمر على حاله حتى الألف الثاني قبل الميلاد تقريبا ويتمثل في مزاولة رعي الماشية من الماعز والأبقار والأغنام بالاضافة الى الاعتماد على ممارسة الصيد وجمع القوت كما كان سائدا آنذاك. وتضيف الوثيقة أنه في حوالي عام 4000 قبل الميلاد دخل شمال الجزيرة العربية نفوذ حضارة العصر الحجري الحديث (الفخار) التي كانت تستخدم الفخار وتمارس الزراعة البسيطة والصيد والرعي، وقامت هذه الحضارة في شمال الجزيرة العربية لتشكل جزءاً من حضارة أعم امتدت خلال الألف الرابع قبل الميلاد إلى سيناء وشرق الأردن وجنوب سورية وغرب العراق واطلق عليها حضارة العصر الحجري/ المعدني لاكتشافها أسلوب صهر النحاس، وتتميز هذه الحضارة بقرى الدوائر الحجرية التي ربما كانت تستعمل للسكن الموسمي، وتشير الوثيقة الى موقع الرجاجيل بقولها ثمة مجمع مثير من الحجارة والركامات قرب سكاكا يعرف باسم أعمدة الرجاجيل وكان مركزا هاما له نظائر في سيناء، ويرى بعض الباحثين بناء على ملاحظتهم للموقع ان دائرية المجموعات الحجرية تضفي بعدا جداريا للمكان، وقد يوحي ذلك بأنها ربما كانت جزءا من سور طويل ملتف بالقرية وذلك بناء على فرضية ما تعنيه الحجارة المتكسرة والمكتومة في دائرة منتصف الموقع مما يشير إلى انها ربما كانت مذبحا تقدم فيه القرابين أو غير ذلك.
إن أعمدة الرجاجيل موقع مهم من المواقع الأثرية في شمال المملكة وهو ينتظر جهود الباحثين والعلماء من اجل فك تلك الرموز والألغاز التي تحيط بوجودها ولا سيما ان كتابات ورسوم متعددة توجد على بعض تلك الأعمدة ويمكن من خلالها الاستدلال على تاريخها.
قلعة مارد ودومة الجندل
قلعة مارد ومدينة دومة الجندل: يرجع تاريخ مدينة دومة الجندل وقلعة مارد إلى أكثر من ألفي عام عندما ورد ذكرها في مدونات من العصر الاشوري خصوصا أن هناك نصوصا مكتوبة ومفصلة تتحدث عن الجوف وتعود الى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد وتحدثت تلك النصوص عن مدينة دومة الجندل بوصفها عاصمة لعدد من الملكات العربيات مثل تلخونو وتبؤة وتارابوا وزبيبة وسمسي، حتى ان تغلث فلاشر الثالث 744 727ق. م وسرجون الثاني 705 721 ق.م في ذكرهما للجزية التي أرسلها لهما ملوك الدول المجاورة يضعان الملكة سمسي على مستوى واحد مع فرعون مصر وإن آمار السبئي وهذا المركز الرفيع الذي تبوأته دومة الجندل يمكن ان يفسره القول بأن بعض الآلهة مثل (دلبات وأشتار اتارسامين) كانت لها تبعية وامتياز عظيمان في شمال الجزيرة العربية في ذلك الوقت ومن المعروف أنه كان لدلبات معبد هام في دومة الجندل، ولكن النصوص لم تحدد الزمن الذي بنيت فيه قلعة مارد أو من قام ببنائها، ويذكر الرحالة الواس موسيل أن الملكة سمسي ملكة دومة الجندل قد أثارت نقمة الحاكم الآشوري (تغلات فلاشر 732 قبل الميلاد) بعد مساعدتها لملك دمشق ضد الأشوريين فما كان منه إلا ان جهز حملة عسكرية لاخضاع المملكة العربية، وقد ذكر النص الأشوري أن الملكة سمسي قد اصيبت بخسائر فادحة جدا اذ قال ألف ومائة وثلاثون ألف جمل وعشرون ألفا من الماشية، وقد دعم خبر الانتصار هذا بأن صورا على اللوح الذي ورد فيه الخبر منظر فارسين اشوريين يحملان رمحين ويتعقبان اعرابيا راكبا جملاً، وتحت أعقاب الفارسين وامامهما جثث الاعراب الذين خروا صرعى على الأرض، وقد ذكر أن الاشوريين وجهوا اهتمامهم إلى دومة الجندل مرة أخرى حينما هاجم الملك سنحاريب دومة الجندل سنة 689 قبل الميلاد، كما هاجم البابليون المدينة كالهجوم الذي شنه الملك البابلي (نبوخذ نصر) على قبيلة قيدار والهجوم الذي شنه الملك البابلي نابونيد 556/539 قبل الميلاد على دومة الجندل في السنة الثالثة من حكمه، ويذكر الأمير عبدالرحمن السديري في كتابه وادي النفاخ ان المملكة العربية الشهيرة زنوبيا التي حكمت تدمر بين 267 و272 قد غزت دومة الجندل لكن قلعة المدينة كانت حصينة بحيث لم تتمكن من اقتحامها فعادت من حيث أتت وقالت قولتها الشهيرة: تمر مارد وعز الأبلق، وقصر مارد عبارة عن قلعة مسورة تنتصب على مرتفع يطل على مدينة دومة الجندل القديمة وأعيد بناء بعض أجزائها الا ان القسم الأكبر منها ظل على حالته منذ انشائها في قديم الزمان، وشكل البناء الاصلي مستطيل الا ان بعض الاضافات بما فيها ابراج مخروطية احدث في ازمنة متأخرة والجزء السفلي من هذا البناء بني من الحجارة اما الجزء العلوي فهو من الطين. وقد كشف الحفريات القليلة التي جرت على الجزء الاسفل من القلعة عام 1976م عن بعض الخزفيات النبطية والرومانية التي ترجع الى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد لكن تحديد الزمن الذي تعود إليه هذه القلعة لم يبت الى الآن إلا أن الحفريات التي ربما يقوم بها عالما الآثار الدكتور عبدالرحمن الانصاري والدكتور خليل المعيقل للمدينة القديمة ربما توضح التاريخ الحقيقي لبناء هذه القلعة العظيمة.
وأشار الدكتور جواد علي في كتابه المفصل إلى وجود كتابات ثمودية يظهر عليها أثر عبادة الصنم (صلم) وقال إن مدينة تيماء كانت من أهم الأماكن التي كانت تقدس هذا الوثن حوالي سنة 600 قبل الميلاد ويرمز أهل تيماء إلى صلم برأس ثور، ووجد هذا الرمز على النقوش الثمودية كما وجدت أسماء بعض الآلهة التي كانت ثمود تعبدها وهناك صلات ثقافية ودينية بين تيماء وثمود وورد اسم صلم في النقش الروماني الذي عثر عليه في دومة الجندل.
ويقول عبدالله التميم في كتابه صور تاريخية عن حضارة الجوف ان عصر بناء القلعة هو عصر حياة امة تتصف بقوة جبارة وقد يكون لثمود قوم صالح عليه السلام دور في بناء بعض منه.
والحصن عبارة عن ابنية وقلاع وحصون وشيّدت ابراج المراقبة على امتداد الحصن من قطع حجرية صلبة تستطيع الاحتفاظ بلونها الأحمر الفاتح لأزمنة طويلة من دون ان ينالها اي تغيير، والمنطقة كانت محصنة بسور من الحجر لصد هجمات الغزاة والدخول اليها يتم عن طريق مدخليها الرئيسيين احدهما قرب الحصن في الجنوب والآخر من جانب البرج في الشمال، ولهما بابان قويان ومصاريعهما واقفالهما حديد وشدت حولهما سلاسل حديد.
الرحالة الأوروبيون
وقد زار المنطقة العديد من الرحالة الاوروبين الذين اثروا المكتبة العالمية بتاريخ المنطقة والجزيرة العربية منهم اولريخ سيتزن 1810م، والرحالة جورج اوغست والن 1845م الذي وصف طباع اهل الجوف بأنهم مضاييف كرماء ومهذبون مع الغريب وأنه لم يلتق حتى بين اكرم عرب الصحراء قبيلة تفوق اهل الجوف في افضالهم ولم يستقبله احد افضل من استقبالهم له، وأهل الجوف كما يقول يشتهرون بمواهبهم الشعرية وانه كان يستمتع ليليا بالاستماع الى الشعر والغناء بمصاحبة آلة البلاد الموسيقية الساحرة. والرحالة وليم بالجريف 1862م الذي وصف اشجار المشمش والبرقوق والتين والعنب في منطقة الجوف التي تتفوق في الطعم في كمية الانتاج على مثيلاتها في دمشق او على هضاب سوريا وفلسطين. والرحالة كارلو جوارماني 1846م والرحالة دوتي 1878م والرحالة الليدي انبلنت 1869م والرحالة ايوتنغ 1883م والرحالة تشارلز هيوبر 1883م اضافة الى عدد كبير من الرحالة الآخرين الذين تعاقبوا على الوصول إلى المنطقة مع بداية القرن العشرين.
|
|
|
|
|