| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قرأت ما كتبه أخي محمد في عزيزتي الجزيرة في العدد 10603 عن وفاة والدتنا رحمها الله، أقول قرأت ذلك والألم يعصر الفؤاد لوعة وحسرة وألماً على فراق الأم الحنون والقلب الرؤم.. فقد فقدنا ينبوع الوفاء.. ونهر العطاء.. وبحر التضحية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وأكثر.. لم تكن أما فقط وحسبها ذلك بل كانت الأم والأب والأخ والصديق والمربي.. كل شيء في حياتنا بصغرنا.
إنها نموذج للمرأة المكافحة والصابرة والمحتسبة.. كل حياتها منذ شبابها وحتى شيخوختها وهي في معاناة مع المرض والكدح.
وعندما لاح بريق الأمل لها أخذ الله أمانة أبي ونحن صغار فتحملت المسؤولية بكل أمانة وفي نفس العام الذي مات فيه أبي وما أن لملمت أحزانها بوفاة أبي حتى تجدد الحزن معها بوفاة جدي لأمي وبعد ثمانية سنوات من هذه الأحزان تفجع بوفاة أمها.. آه يا أماه ما أعمق الحزن وأثقل الحمل امرأة مريضة.. قليلة ذات اليد، وحزن مركب وأطفال صغار، ومع ذلك هيأ الله لهذه المرأة عليلة الجسم لتتحمل هذه المسؤولية.. والتي لم تكن تخطط لتقوم بهذا بل الفطرة السليمة وتوجهها إلى ربها حيث لجأت إلى القرآن الكريم تلاوة وحفظاً ليلاً ونهاراً، حيث كان المصحف وسجادة الصلاة سمة من سماتها.. لم تكن تعرف الحروف الهجائية أ، ب، ج.. الخ لكن تعرف أن الحرف «س» مثل الحرف الذي في قوله تعالى:« والسماء والطارق» وكذلك حرف الباء مثل حرف باء البسملة وهكذا، عرفها أهل الحي منذ ذلك الحين وحتى وفاتها.. بأنها صاحبة طاعة وحاملة القرآن الكريم بارة بوالديها قائمة على تربية أولادها.
كف بصرها عام 1395ه فقالت كل شيء يهون عندي إلا القرآن احضروا لي مسجلاً وشرائط الشيخ عبدالله الخياط إمام الحرم «رحمه الله».. ومكثت سنة كاملة فاقدة للبصر راجعت فيه حفظها السابق خمسة أجزاء وحفظت عشرة أجزاء وبعد السنة عاد إليها بصرها بعملية جراحية جزى الله خيراً من كان سبباً في علاجها..
أتمت تعلم تلاوة القرآن من المصحف والشرائط. كان القرآن كل حياتها وهاجسها حتى ألفاظها نابعة من القرآن مثلاً إذا قلت لها «نسيت» تقول وأذكر ربك إذا نسيت. وإذا دعتنا إلى الصلاة تقول «وأمر أهلك بالصلاة..» وكانت تردد دائماً «والأمر يومئذ لله». في حياة أمي رحمها الله مواقف أسأل الله تعالى أن تكون في سجل حسناتها ومثقلات لموازينها.
هذه وقفة مهمة في حياة الوالدة مع القرآن الكريم الذي شغل كل حياتها وكانت في آخر أيامها كان القرآن الكريم هاجسها وكانت وهي في غير وعيها أحياناً تنادي عطون «عم» «عطون» «تبارك» نسأل الله تعالى أن يكون القرآن الكريم ربيع قلبها ونور صدرها وأن يرفع درجاتها ومنزلتها في الجنة.. وموقف آخر لوالدتي في حياتها إنها صابرة محتسبة عند الله مرضها العضوي والنفسي والذي لازمها لأكثر من ثلاثين سنة نسأل الله تعالى أن يكون ما أصابها في حياتها تمحيص وطهور ورفعة لها في الدار الآخرة.
الموقف الأخير لوالدتي: كفالة وتربية أبنائها وأصبحت الأم والأب ونسأل الله تعالى أن يشملها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «أنا وكافل اليتيم كهاتين».
هذه آهات قلب وعبرات عين سطرها قلمي الذي لم يستطع نثرها على الورق لا في الأيام الأولى ولا في الأسابيع الأولى من وفاتها وهي ليست حالة فردية ولكن نموذج لامرأة عظيمة أدت دوراً عظيماً تجاه أسرتها ورحلت عنا وبقي لها منا الدعاء ما دام فينا عرق ينبض واللهم أرحمها وأغفر لها وأرفع منزلتها وجازها عنا خير الجزاء.
قال تعالى «كل نفس ذائقة الموت...» الآية 35 سورة الأنبياء.
وقال تعالى «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام» آية 26 27 سورة الرحمن
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صالح عبدالله الدواس
مدير مكتب الجزيرة برياض الخبراء
|
|
|
|
|