| الاقتصادية
في اطار المناقشات الدائرة حول آلية مواجهة الاقتصاد الأمريكي للمشاكل التي يعاني منها يرى بعض المحللين والكتاب الاقتصاديين عدم ملاءمة أدوات العلاج المستخدمة حاليا لهذه المشاكل ويدللون على ذلك بأن بعض الأسلحة الاقتصادية المتاحة قد استخدمت الى اقصى مدى ممكن بدون ان يكون لها اثر فعال في التخفيف من المشاكل بل ان الامور تزداد سوءا وقد اعطى التوسع في استخدام هذه الاسلحة بشكل مبالغ فيه بدون حصول الاثر المطلوب انطباعا سيئا عن نوعية ترسانة الاسلحة الامريكية ومدى فعاليتها وامكانية استخدامها بكفاءة عند الحاجة في جميع الحالات.
واذا كان الامر كذلك فإن الاشكال لا ينحصر في كون الاقتصاد الامريكي يمر بأزمة، بل أيضا في كونه يفتقر الى الاسلحة الكافية والفعالة القادرة على مواجهة هذه الازمة والتغلب عليها ويصبح الوضع اكثر حرجا عندما يقتنع الآخرون بهذا التصور ويتخذون قراراتهم الاقتصادية بناءً على ذلك.
واذا كان الاقتصاديون يحصرون نقاشاتهم وتحليلاتهم عند الحديث عن السياسات الاقتصادية على الآثار المادية الملموسة الناتجة عن تبنيها واتباعها في التعامل مع المشاكل الاقتصادية فإن ذلك لا يعني أنها ستكون فعالة بدون ان يكون للجانب السلوكي سواء بالنسبة للمستهلكين او للمنتجين اي دور، بل بالعكس فلربما عد هذا الجانب العامل الأساس في نجاح السياسات او فشلها في بلوغ اهدافها فأحد مقاصد السياسات هو إحداث تغييرات سلوكية تجعل الافراد والمؤسسات على استعداد للتفاعل معها وبدون ذلك فإنها لن تؤتي ثمارها فما فائدة خفض سعر الفائدة طالما ان ذلك لن يؤدي الى زيادة الاستثمارات وما فائدة خفض الضرائب اذا كان لا يؤدي الى زيادة الانفاق الاستهلاكي.
وعلى سبيل المثال انخفض عدد الوظائف بمقدار 331 ألف وظيفة خلال شهر نوفمبر وهذا الرقم أعلى من توقعات الاقتصاديين الذين توقعوا انخفاض اعداد الوظائف خلال نفس الشهر بمقدار 189 ألف وظيفة. وقفز معدل البطالة من 4.5% في شهر اكتوبر الماضي الى 7.5% وفي نفس الاطار عزت بعض التقارير الاقتصادية الامريكية الارتفاع النسبي في حجم المبيعات خلال موسم الاعياد الشهر الماضي لا الى زيادة اعداد المشترين الذين انخفض عددهم بل الى زيادة ما انفقه كل مشترٍ في المتوسط نتيجة للتخفيضات الكبيرة وزيادة عدد ساعات العمل في المحلات والتي قرر بعضها فتح ابوابه لعدة أيام متواصلة على مدار الاربع والعشرين ساعة وخلصت هذه التقارير إلى انه على الرغم من وجود ارتفاع محدود في حجم المبيعات الا ان ذلك لا يعني بالضرورة زيادة حجم الارباح التي تعد الحافز الاساس للتوسع في الاستثمارات ودخول استثمارات جديدة.
يتكبد الاقتصاد الامريكي هذه الخسائر التي يعد كثير منها الاكبر منذ عشرات السنين على الرغم من اتخاذ العديد من الاجراءات الرامية لانعاش الاقتصاد الامريكي والتي كان يتوقع ان تترك آثاراً ايجابية عليه.
وبناءً على ذلك فإذا كان الاقتصاد ينطلق من الواقع ويعالج مشاكله فهل نتوقع تغيرا في السياسات والأساليب الاقتصادية المقترحة لعلاج المشكلات الحادثة تبعا للتغير في نوعية المشكلات واسبابها وهل نتوقع ان يبتكر الاقتصاديون مجموعة من السياسات والاساليب غير التقليدية لعلاج المشاكل غير التقليدية.
قسم الاقتصاد والعلوم الادارية جامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|