| مقـالات
قضت الحياة المدنية على كثير من مظاهر الحياة الاجتماعية الإسلامية الحميدة ومن هذه المظاهر الاجتماعية السائدة في مجتمعاتنا الإسلامية والتي بدأت الحياة العصرية تحاصرها وتقضي على كثير من محاسنها ما يعرف بحق الجوار وبصلة المجاورة.
حيث كانت علاقات الجيران وصلاتهم وترابطهم تفوق أحياناً صلات القرابة، ذلك أن الجوار وتقارب المساكن أدى إلى الاشتراك في المصالح وتبادل المنافع مما زاد من هذه الصلة وقواها حتى أن بعض البيوت فتحوا باباً بينهم وبين جيرانهم لا يحتاجون معه الى استخدام الأبواب الخارجية حتى تحولت بعض البيوت إلى بيت واحد.
وكان الجيران يستعينون بجيرانهم على قضاء كثير من الحوائج وسد ما قد يحتاجون إليه من ضرورات الحياة، ولذا كان رب الأسرة لا يقلق من تغيبه عن أهله أو تأخره عنهم طالما رزق بجار يقوم مقامه ويسد عند غيابه حاجة أهله.
لكن المجتمع العصري أطفأ هذه الشعلة وقضى على هذه المظاهر أو كاد بحجة استغناء الناس وانشغالهم حتى انك لتجد بعض الجيران لا يعرف جاره وقد جاوره سنوات.
لا ينكر ان طول الجوار في السابق قد يمتد عشرات السنين له أثر في تقوية هذه الروابط وشد هذه الصلة.
لكن الأمر له جانب شرعي يدل على أن المجتمع ينطلق من نصوص شرعية في المحافظة على هذه الصلة والتمسك بهذه الروابط، اذ قد تضافرت النصوص في الحث على حقوق الجار، فقد قرنه الله تعالى بحقه وحق الوالدين والأرحام فقال تعالى: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً» وقال صلى الله عليه وسلم «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».أي من كثرة وصية جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الجار ظن انه سيكون له نصيب في الميراث كأقرب الناس اليه.
ولذا أمر صلى الله عليه وسلم بمشاركة الجار حتى في الطعام فقال عليه الصلاة والسلام «لا يبيت المؤمن شبعان وجاره جائع».لكن كثيراً من الناس في هذا الزمن احسانهم الى جيرانهم يكون بكف أذاهم عنهم.فبما أن كثيراً من الناس يعتقد ان الناس استغنوا عن جيرانهم فلا أقل أن يعلم هؤلاء أن كف الأذى يكون من الاحسان خصوصاً ان الجار يتأذى من جار السوء ويجد الحرج الشديد اذا ابتلي به، ولذا تعوذ صلى الله عليه وسلم من جار السوء فقال عليه السلام «اللهم اني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فان جار البادية يتحول».. لقد رفع صلى الله عليه وسلم الايمان عن جار السوء الذي يؤذي جيرانه، فقال عليه الصلاة والسلام «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه».
وقيل للرسول صلى الله عليه وسلم «ان فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار».
وبما أن جارك هو أول من يسمع صريخك ويرى النار في دارك فيهرع بالليل مبادراً في ظلمة الليلة وبرد الشتاء وحر الصيف وهو الذي تطلب معونته فتجده بجانبك وتترك زوجتك بجواره وأنت آمن لذا كانت خيانته تساوي خيانة غيره عشر مرات حيث قال صلى الله عليه وسلم لأصحابة «ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرمه الله ورسوله فهو حرام الى يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بأمرأة جاره قال: ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام قال عليه السلام: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره».
قال الإمام الغزالي في بيان حق الجار: ان يبدأه في السلام ويعوده في المرض ويعزيه في المصيبة ويهنئه في الفرح ويصفح عن زلاته ولا يتطلع إلى عوراته ولا يصب الماء أمام داره ولا يضيق طريقه إلى داره ويستر ما ينكشف له من عيوبه وأخطائه ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته ولا يسمع عليه كلاماً يغض بصره عن حريمه ولا يديم النظر في خصوصياته.
وقديماً قال الشاعر الجاهلي:
وأغض طرفي ان بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها |
إننا بحاجة إلى المحافظة على المظاهر الاجتماعية الحسنة والتمسك بها وعدم جعل الحياة المدنية والترف المادي وسيلة للقضاء عليها.
جامعة أم القرى
amrrsa@hotmailcom
|
|
|
|
|