| عزيزتـي الجزيرة
يغلب على الظن أن علم الفلك هو أقدم العلوم كلها، وليس بمستغرب أن تكون السماء وما فيها من الأسرار محط رجال الفكر البشري في القرون الأولى، وأن تكون حركات الشمس والقمر والكواكب شغل العالم الشاغل في أول تفتحه. فالسماء في الليل كانت دائماً حافزاً لفضول الإنسان ومصدر إلهامه ومحط آماله وآلامه. ولهذا، ومنذ بدء الخليقة، اهتم الإنسان برصد السماء ومراقبة النجوم، وقلما تخلو حضارة من الحضارات من فلكيين مبرزين ومن مساهمة ولو ضئيلة في التطور العظيم الذي مرَّ به هذا العلم.
والتقدم الذي طرأ على هذا العلم هائل وضخم، يفوق من حيث النوعية والكمية كل تقدم لعلم آخر، بل يمكن القول إن التقدم في علم الفلك هو زبدة التطور الحضاري الانساني وأنه كان دائماً وسيبقى أهم أهداف الفكر الانساني في حل طلاسم هذا الكون والتعمق في أبعاده وقوانيه.
ولقد كان العرب رواداً حقيقيين في علم الفلك كغيره من العلوم. ووضع المتقدمون كتباً عديدة في هذا العلم، وألّفوا فيه تصانيف مفيدة ما بين مطول ومختصر ومنقول ومبتكر وكتبوا الأزياج عن حركات الشمس والقمر والكواكب. ووضعوا جداول فيها شرح لحركات كل كوكب في أي وقت من الأوقات، وكتبوا عن التقاويم ومواقيت الصلاة واتجاهات القبلة. ففي الوقت الذي كان فيه العرب يهتمون بعلم الفلك بعد أن جردوه عن التنجيم والخرافات، كان التفكير في هذا العلم في أوروبا يعد جريمة يعاقب عليها صاحبها بالموت. ثم مرت السنون وفي غفلة من الزمن انتقل هذا العلم عندهم بعد أن كانوا طلبة علم عندنا، وحتى أن بعض المخطوطات التي كتبها المسلمون بأيديهم في هذا العلم لم يجر عليها أي تحقيق حتى الآن، ولم نعلم عنها شيئاً، فضلاً عن أن كتب الفلك في العصر الحديث عصر التقدم والرقي و غزو الفضاء أصبحت من الكتب النادرة في الدول العربية.
والمؤسف حقاً هو أنك قلما تلتقي شخصاً مهتماً بهذا العلم، حتى أن معظم خريجي الجامعات من مهندسين وأطباء وغيرهم يجهلون أبسط المبادئ الأساسية لهذا العلم. لذلك فحري بنا ونحن نعيش عصر الانترنت والتقدم والغزو الفضائي المذهل أن نعرّف أجيالنا بمبادئ هذا العلم، علم التفكير العميق والمنطق السليم والخيال الواسع، وأن يدخل علم الفلك الذي يرتبط بجميع فروع العلوم والمعرفة مادة في مناهجنا المدرسية وذلك لما فيه من ارتباط وثيق بالعبادات الإسلامية لا سيما وأن إحدى الدول العربية كما قرأت مؤخراً بدأت بدرج هذه المادة في مناهجها المدرسية.
وحبذا لو تكون هناك جمعيات كونية أو فلكية في كافة أنحاء المدن تعنى بالأنشطة الفلكية النظرية منها والعملية وتكون مرجعاً موثوقاً يعوّل عليه علمياً ودينياً.
أحمد رامي محمودي
|
|
|
|
|