| مقـالات
قام الدين الحنيف على الاعتدال وكانت أمة الإسلام أمة الوسط ومن المنهج الرباني القويم المنزل على الرسول الأمين الرحمة المهداة للعالمين حارب الإسلام الغلو والتنطع وجمع مظاهر التطرف الذي قامت بأدواره والتدثر به تلك الفرق الضالة والمنحرفة قديما وحديثاً مثل الخوارج والجهمية والقدرية وغيرها وكان شعار أهل السنة والجماعة ومبدؤهم منذ أشرق نور النبوة الوضاء وانداح سناه في الخافقين هو أنه لا إفراط ولا تفريط في منهج عقيدتهم وتطبيقها في مناحي الحياة بخلاف أهل الديانات الغابرة من الذين فرطوا أو غالوا.. لأنه ما كان للغلو من موضع وظهور إلا كان لإبليس لعنه الله نصيب في غواية أصحابه من المغالين والمتنطعين الهالكين، وللإمام العلامة ابن القيم رحمه الله وصف دقيق ورؤية صائبة في اقتران ابليس بأهل الافراط والتفريط ومما قاله رحمه الله: «ومن كيد عدو الله إبليس أن يشم قلب العبد فإن رأى عنده قوة اقدام وعلو همة قلل عنده المأمور وأوهمه انه لا يكفي وأنه يحتاج معه الى مبالغة وإن رأى الغالب عنده الانكفاف والإحجام ثبطه عن المأمور وثقله عليه حتى يتركه أو بعضه» وفي هذا المعنى قال أحد الشعراء:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
ولكن وما أقسى كلمة لكن في مثل هذا المقام فان المتتبع الحاذق الواعي والراصد المنصف الحصيف لمسيرة الصحوة المباركة في بعض المجتمعات الاسلامية في سنواتنا الأخيرة يلحظ بكل وضوح أن هناك بعض الفهم الخاطىء لدى فئة قليلة جدا من الناس لمدلول وأهداف الصحوة الراشدة أو بمعنى آخر وأصح الالتزام المطلوب من أتباعها في طريقة حياتهم... هذه الفئة مع الأسف الشديد شطت على نفسها كثيراً واركبتها مركباً عسيراً بل ومغايراً لمبدأ العقيدة الوسطية الصافية السمحة وفطرة الحياة الكريمة المألوفه حيث اعتبرت وأخذت في اعتقادها ان الالتزام المطلوب هو تعذيب النفس وتضييق سبل الحياة والتنكيد على الآخرين ليحذو حذوهم، بحيث وصل الأمر بهم الى درجة تقييم وتقويم معتقدات وإيمان الآخرين من بني ملتهم وجنسهم، وفق ظواهرهم ومظاهرهم والتسرع في الاحكام بدون روية والنظر للمجتمع من حولهم بصفة عامة بمنظار التشاؤم المفرط وحالة الانغلاق والقنوط واليأس.. هذه الفئة تعول في تأويلاتها وما وصلت اليه لأسباب أكثرها من بنات أفكارها مؤطرة بالأوهام والشكوك المفرطة وعدم الثقة.. هؤلاء في يقيني ومن الواقع المعاش هم بلاشك وبال على الصحوة وحجر عثرة في طريق نموها وازدهارها واشراقها وسماحتها واعتدالها.. ولكن السؤال المهم الذي يفرض نفسه ويلح في طلب الجواب والعلاج هو هل حقا ان مثل هؤلاء يمثلون جانبا من الصحوة مع تسرعهم في التطبيق الخاطىء.. والله المستعان.
إضاءة:
في أبيات مختارة من قصيدته الخالدة إرادة الحياة يقول «أبو القاسم الشابي»:
إذا ما طمحت الى غاية
ركبت المنى ونسبت الحذر
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش ابد الدهر بين الحفر
أبارك في الناس أهل الطموح
ومن يستلذ ركوب الخطر
هو الكون حي يحب الحياة
ويحتقر الميت مهما كبر
فلا الأفق يحتضن ميت الطيور
ولا النحل يلثم ميت الزهر |
ص.ب: 27097 الرياض: 11417 فاكس 4786864.
|
|
|
|
|