| مقـالات
إن عدم التوافق العائلي ينتج عنه عائلة متداعية الأركان، وقد يتسبب في مزيد من حالات الطلاق أو الانفصال أو الهجر أو النزاع الدائم بين الزوجين أو انشغال الآباء كثيراً في أعمالهم أو لهوهم وعدم قيامهم بواجب الرعاية الكافية لابنائهم، أو انغماس بعض الآباء في السلوك اللاسوي مما يدفع بالأبناء لفقدان الثقة في آبائهم ومن ثم في أنفسهم، هذا إذ لم يكن تقليدهم والسير على دربهم واكتسابهم لأساليب في التنشئة والمعاملة خاطئة.
وقد يكون عدم التوافق العائلي ماساً بحياة العائلة لانفصام في العلاقة بين الزوج والزوجة، ومن ثم فإن الحياة الزوجية لم تستقم بحال في مثل تلك الحالات يشملها التهديد من حين لآخر بالانفصال أو الهجر الفيزيقي أو المعنوي.
وقد يكون عدم التوافق متمثلاً في انهاء العلاقة الزوجية تماماً مثل الطلاق وما يتبعه من مشكلات مادية ونفسية ليس للزوجين فقط بل لابنائهما كذلك وقد يمتد حتى لأقارب وأهل كل من الزوجين وما يؤدي إليه من صراع وانفصام في الروابط القرابية..
وقد يرجع عدم التوافق في بعض الحالات نتيجة الغياب المتكرر أو طويل الأجل مما يميت أواصر المحبة وعلاقات التفاعل والتواد.
وما من شك أن العائلة التي يسودها المنازعات المستمرة بين الوالدين ينعكس أثرها على باقي أفرادها حتى ولو كان هؤلاء الأفراد يظلهم سقف واحد في بيت واحد في إطار عيش واحد.
واللافت للنظر أن 95% من الحالات المودعة في دور الملاحظة والتوجيه الاجتماعي هم نتاج التفكك العائلي في أي شكل من أشكاله، فهل أحد ينكر أن العائلة المتفككة يصدر عنها أحداث جانحون أكثر من صدورهم عن أي نمط حياتي آخر؟
لقد أثبتت الدراسات العلمية التي أجريت على الأطفال المودعين بدور الملاحظة والتوجيه الاجتماعي أن عدم التوافق العائلي هو أهم العوامل بل يأتي على رأس كافة العوامل المسببة للسلوك الجانح والذي تبدو مظاهره في السلوك الشاذ الذي تجرمه النظم كما يبدو لدى البعض في خروجهم على العرف والآداب العامة أو أوضاع المجتمع كما يؤدي إلى سوء تكيف الأبناء على النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه. إذن فإن عدم التوافق العائلي يعتبر مشكلة اجتماعية تؤثر على أفراد العائلة، وقد تدفع بهم إلى الخروج على الأوضاع الاجتماعية السائدة والأعراف المتفق عليها وأيضاً خروج على نظم المجتمع. لذا نوصي جهات البحث العلمي لاجراء مزيد من الدراسات حول العلاقات الاجتماعية والأنماط الثقافية في المجتمع العائلي والصراع الاجتماعي القائم بين أفراده حتى يمكننا فهم السلوك الناتج عنهم، ودراسة العلاقة بين دوافع السلوك ونمط استجابة الفرد للمواقف المختلفة في محيط التنظيم العائلي والروابط العائلية وفي البيئة الاجتماعية باعتبار أن العائلة هي اللبنة الأولى في البناء الاجتماعي، فإذا حدث التوافق في جنباتها لحق به التوافق في المجتمع نظراً لأن العائلة هي بمثابة مجتمع صغير يحدث به ما يحدث تماماً في المجتمع الكبير، فإذا كان يخيم على هذا المجتمع الصغير عوامل اللاتوافق حدث انحراف في البيئة الخاصة «العائلية»، واختلال في البيئة العامة «الطبيعية». فعدم التوافق العائلي يؤدي إلى اختلال في المستوى السلوكي، ويؤدي الى خطر بالنسبة لمستقبل نمو الفرد الاجتماعي. وما دمنا بصدد مشكلة عدم التوافق العائلي، وما دام التكوين النفسي للفرد هو نتاج للبيئة الاجتماعية حسب رأي علم النفس الاجتماعي فإن الأمراض النفسية التي تصيب الفرد، هي ذات صلة بشخصيته في نواحيها الوجدانية والثقافية والمادية، إذن لا يمكن أن ننظر للفرد بعيداً عن بيئتهوالعكس صحيح حيث لا ينظر للبيئة في معزل عن الفرد فكل منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به.
وإن كنا نريد معالجة مشكلات الانحراف لدى الأحداث علينا أن نعالج مشكلات العائلة «الأسرة» وتحسين أنواع معاملة الآباء والأمهات مع بعضهم البعض، وبينهم وبين أبنائهم وذلك عن طريق اضطلاع وحدات الارشاد الاجتماعي والنفسي والتي قامت وكالة الشؤون الاجتماعية بافتتاحها أخيراً بعدة مهام نذكر منها:
تنظيم برامج للتوعية العائلية تستهدف بيان أساليب التربية الصحيحة «الحزم المقترن بالحنان» ودور العائلة الايجابي في تنشئة الأبناء، وتوضيح واجبات الآباء والأمهات، في عملية إعداد النشء والعمل على اشعارهم منذ البداية أنهم موضع الاهتمام والعناية والرعاية، ليصيروا مواطنين صالحين. وحث الآباء والأمهات على الابتعاد عن استعمال العبارات غير اللائقة وغير المهذبة، أو استخدام الضرب وسيلة للتفاهم والعمل على توفير المناخ السليم والظروف الملائمة لشرح وتوضيح العادات المستحبة والسلوك المرغوب فيه، وتشجيع الأبناء على تجنب السلوك الذي لا يقبله ولا يرتضيه المجتمع، واشعار الأبناء بأن لهم دورا ومركزا في العائلة، ومتابعتهم فيما يتعلق بعملهم اليومي أو المدرسي أو وقت فراغهم، ومراقبة أصدقائهم ومعارفهم، والحرص على عدم ظهور أية خلافات أو مشكلات أمام الأبناء حتى لا يدفعوا بأبنائهم إلى مهاوي الحرج ومغبة القلق، والحث على دعم العائلة وتماسكها حتى تتمتع بقدر كبير من الاتحاد والانسجام والتماسك العائلي.
وفي نهاية المقال نناشد بتعميم وحدات الارشاد الاجتماعي بكافة المناطق على أن تضم في هيكلها الوظيفي المختصين في النواحي الاجتماعية والنفسية والطبية والشؤون الدينية، والحرص على التنسيق بينها وبين محاكم الأحوال الشخصية لدراسة أي مشكلة تطرأ في محيط العائلة أو بين الزوجين، وبذل أقصى الجهد الممكن لتذليل أية صعوبات أو مشكلات.. ومن هذا المنطلق عساه يكون مقبولاً أن نوصي القاضي أن يسترشد في قضايا الطلاق بالبحوث الاجتماعية التي يعدها الاختصاصيون في هذه الوحدات وفي هذا صيانة للأسرة وحفاظ على كيانها. كما نوصي بالاهتمام بالعنصر النسائي في العمل بهذه الوحدات من خريجات الجامعة في فروع التربية وعلم النفس أو علم الاجتماع أو الخدمة الاجتماعية حتى يمكن الاستفادة من خبرتهن.
|
|
|
|
|