| الاخيــرة
قبل ساعات من كتابة هذا المقال ومن اشتعال الجانب الآخر في الخاصرة زرتُ أحد المخيمات الصحية التي أقيمت على عجل في كويتا المدينة الباكستانية الحدودية مع أفغانستان لإنقاذ من يمكن إنقاذه من ضحايا الضربات العسكرية الأمريكية على الأفغان العزل، وكان الواقع أشد وأفظع مما تحاول نقله كاميرات السي.ان.ان أو مراسلو البي.بي.سي. لابلاغ العالم ببشاعة الحرب وتفاصيلها.
كان نزيل السرير رقم 12 قبل انتقاله إلى هنا نائما مع أسرته في بيته الطيني في قرية كازيكاريز قبل 6 أيام.
كانت الطائرات الأمريكية المقاتلة تطير على ارتفاع عال فلم تُسمع. ماهمات قال: ان زوجته رقية التي ترقد على السرير رقم 13 لا تعلم بعد ان جميع أبنائها الخمسة قد قتلوا تحت القصف الأمريكي، وأطفالها على أي حال مثل كل الأبرياء الأفغان الذين قتلتهم أمريكا باسم حربها في الدفاع عن الحضارة الغربية فهم جميعا ضحايا لا يعترف بهم السيد بوش أوبلير ابداً، ويبقى السؤال معلقاً.
* هل تستطيع واشنطن ايقاف ضرب القرى وقتل الأبرياء؟
* هل تستطيع ان تقنع قواتها ومقاتليها بحماية السجناء والأسرى وإذا كانت لا تستطيع فكيف تطلب من الآخرين ان يكبحوا جماح غضبهم من حربها؟
* هل يستطيع شارون أن يقوم بالحجر على جيش «العدو» الإسرائيلي وكف أيدي من يحكم عن مزيد من الولوغ في دم الشعب الفلسطيني؟ هل يستطيع أن يمنعهم من التوغل في هدم مئات البيوت والمخيمات على رؤوس أصحاب الأرض الأصليين؟ هل يستطيع أن يفكك المستوطنات التي يتوسع من خلالها في السرقة والسطو على أرض فلسطين ويعيد أولئك «المستوطنين» من حيث أتوا؟ هل يستطيع أن يوقف أجهزة أمنه السرية عن القتل المنظم؟
إن مثل هذه الأسئلة التي طرحها الصحفي والمحلل السياسي البريطاني روبرت فيسك في جريدة الاندبندنت يوم أمس هي أسئلة محرمة كما قال بالخط العريض وفي محاولة منه لشرعنة هذه الأسئلة ختم مقالته بتلك القصة الإنسانية المأساوية التي حدثت لكل بيت أفغاني على يد القوات الأمريكية وقبلها كتب: ما نقتطف منه:
حينما رأيت كولن باول على شاشة السي.ان.ان. مساء الثالث من ديسمبر يحلل ما حدث في القدس وحيفا عادت بي الذاكرة إلى خطاب باول بجامعة لويسبرج يوم 20 نوفمبر عندما دشن أو هكذا كان علينا ان نصدق «مبادرته للشرق الأوسط» وفي هذا الخطاب قال: على الفلسطينيين أن يقوموا باعتقال ومعاقبة من يقومون بأعمال «الإرهاب».
* عليهم أن يعلموا أنهم مهما قالوا بشرعية قتالهم لا يمكن إلا أن يربطوا بالإرهاب.
* عليهم أن يفهموا أن العنف له نتائج مُرَّة على إسرائيل.
وفي هذا يكمل روبرت فيسك فقط عندما قال كولن باول لمستمعيه بالجامعة: انه يتعين على إسرائيل انهاء احتلالها لغزة والضفة عرف عندها وفهم مستمعوه ان إسرائيل هي التي تحتل فلسطين وليس العكس كما كان بادياً من لهجته طوال مدة الخطاب.
والواقع أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو آخر الحروب الاستعمارية فالجزائريون اعتقدوا أنهم كانوا يحاربون آخر معركة من هذا النوع الكولونيالي.
كانت فرنسا قد استعمرت الجزائر لمدة طويلة جداً بنت المستوطنات والمزارع في أجمل بقاع شمال افريقيا ولكن عندما طالب أصحاب الأرض بالاستقلال اتهموا بأنهم «إرهابيون» كما تفعل أمريكا وإسرائيل اليوم مع الفلسطينيين.
وحسب هذا القانون الاستعماري تأتي ردات الفعل الغربية اليوم. فبالنسبة للادارة الأمريكية وبريطانيا فإن المطلوب من السلطة الفلسطينية ان تقوم بدور شرطي الغرب في المنطقة، وإذا كانت قيادات أخرى من الأنظمة العربية قد استطاعت ان تكبح جماح شعوبها لصالح تمرير المصالح الغربية وحروبها للدفاع عن هذه المصالح دون أن يجرؤ أيا كان على أن ينبس ببنت شفة، فلماذا تريدأن تشذ هذه السلطة عن القاعدة الذهبية؟، ان عليهم جميعاً ان يوفوا بالتزامهم «الأخلاقي» تجاه الغرب وأمريكا بغض النظر عن آلام أو آمال شعوبهم. هذا ما كتبه روبرت فيسك ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|
|
|
|
|