| مقـالات
صدر كتاب الباحثة والاقتصادية «مي يماني» هويات مغيرة عن دار رياض الريس، في بريطانيا وقد ترجم عن اللغة الانجليزية، والتي تطرقت فيه على بعض الأمور الاقتصادية في المملكة ونظرة الجيل الجديد لها.
وقد طرحت الباحثة في هذا الكتاب نظرة بعض من الجيل الجديد إلى قيم العمل كما يراها في مجتمعه، فهو يرى أن قيم العمل رخوة ومطاطة بالنسبة للكثيرين الذين لا يمتلكون ذلك الانضباط الكامل للعمل والالتزام بشروطه ومتطلباته، ويعيب بعض من قابلتهم الباحثة «من عينات البحث» على المجتمع هنا بإتاحته مكانة كبيرة لكلمات من نوع «بكرة، وإن شاء اللّه، ومعليش، وحرام عليك أبو عيال»!!!!
ولا بد أن هذا البعض الذين قدمتهم الكاتبة جعلوا المجتمعات الغربية نموذجا يقارنون به الواقع المحلي، حيث في المجتمعات الغربية يتساقط جميع العاجزين عن الانضمام إلى القوة العاملة وينسحقون ويتلاشون على الأطراف في ظل آلة العمل الصناعية الكبرى الهادرة والنهمة، والتي لا تفسح مجالا وافرا للبعد الإنساني في تلك المجتمعات.
لا أحد يستطيع أن ينكر بأنهم قد أنشئوا حضارة مادية عظيمة، استفادت البشرية جمعاء من منتوجها التقني والفكري والفني، ولكن أيضا لا نستطيع أن ننسى قصيدة الشاعر الامريكي الشهير «ت.س.أليوت» بعنوان «الأرض اليباب» و«الرجال الجوف»، والتي يصور من خلالها مدى قسوة تلك المجتمعات التي تفرغ البشر من أبعادهم الإنسانية، وتقذف بهم فارغين مجوفين إلى ساحات المصانع، وأسواق العمل.
وحينما ننقل هذه المفارقة إلى واقعنا المحلي نجد بأن قيم العمل والانضباط فيه لم تتبلور بشكلها النهائي بعد، فالأفراد الذين انتقلوا من قيم الصحراء الحرة، وقيم الزراعة الرتيبة الوادعة لم يعتادوا الوقع الصاخب والسريع الذي ينظم قوانين المدن، ويطوق الحياة فيها، فبالتالي نحتاج إلى الكثير من الوقت لكي تنتج قيما جديدة للعمل تخالف تلك التي كانت في السابق تخدم أشكالا اقتصادية بسيطة وشبه بدائية.
ولكن في غمار حماسنا نحو التحديث والتغيير وصنع هياكل وظيفية رصينة وصارمة، يجب أن لا ننسى في نفس الوقت البعد الإنساني الذي يجب أن يتخلل سوق العمل، ذلك البعد الذي يعطي ثقافتنا طابعها، وفي نفس الوقت لا يبعدها عن الركب العالمي.
وما أعنيه بالتحديد بالبعد الإنساني هو الاهتمام بالموظف أو العامل على مستوى العلاوات، والمكافآت، والتقدير والترقية التي تصحب الإبداع الخلاق والمتميز، والاهتمام بساعات العمل ومنح مكافآت للساعات الإضافية، بحيث يتم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
كذلك لا بد من تقدير المرأة كفرد مهم منخرط في القوى العاملة على مستوى إجازات الحمل والوضع والأمومة، والتقاعد وخلاف ذلك مما يتعلق بطبيعة تكوينها كأنثى وأم.
وما سبق هو لمحة خاطفة وسريعة عن الشروط الواجب توفرها في سوق عمل صحي ومنتج وخال من عوامل الضغط والإحباط والخيبة التي تملأ الرجال الجوف في قصيدة أليوت.
omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|