| الاخيــرة
عندما افتتحت الخطوط (السعودية) رحلتها الأولى إلى (لندن) قائمة من (جدة) ولا تسعفني الذاكرة في أي عام كانت إلا أنها تقارب (الأربعين) عاما مضت.. دعت إلى رحلتها الافتتاحية هذه ما لا يقل عن (مئة) رجل.. من رجال الاعمال، والمسئولين، والمثقفين، والصحفيين.. وكنتُ دُعيت إلى هذه الرحلة بصفتي رئيساً لتحرير صحيفة (الدعوة) الأسبوعية.
* * *
لم يعلق بذهني شيء أثناء الرحلة التي استغرقت (6) ساعات.. إلا عندما اقتربنا من الجزر البريطانية.. وبدأت الشمس تنشر أشعتها على الأرض السندسية.. ثم تلامح (القرميد) الأحمر الذي يغطي بيوت البريطانيين ومساكنهم.. عند ذلك انقطعت أحاديث الرفاق في الطائرة.. واتجه الأكثرون لمعانقة نوافذ الطائرة.. استعجالا لرؤية لندن من الأفق العالي.. قبل التصويب إلى (التحت)! وهبطنا بسلام مع طلوع الشمس.
كانت اجراءات مطار هيثرو ميسرة جدا. وفي دقائق معدودة حملتنا الحافلات الى فنادقنا التي أنزلونا فيها. وسرعان ما تبين (التمييز) بين المدعوين.. فبعضهم أسكن في فنادق (5نجوم) وآخرون، ومنهم نحن الصحفيين .. ذهبوا بنا الى فندق من (3رُجُوم)..!
وعلى كل حال فالضيف في حكم المضيف كما يقال وأسكنوا كل اثنين في غرفة. أخلد الجميع إلى النوم إلا كاتب هذه السطور الذي حرّكه حب الاستطلاع إلى مجافاة مرقده.. فخرج إلى الشارع.. ومن سوء الحظ ان هذا الفندق على شوارع فرعية.. لا سيارات تَمُرْ ولا مناظر تسر..
* * *
سرت في الشارع المحاذي للفندق وحدي.. ولم أَرَ إنسيّاً يسير فيه.. حتى عرجت على شارع متفرع منه.. واذا برجل يسير فيه.. فأومأ بيده إلي بمعنى (تعال) ولا أدري ماذا يريد؟ ربما ليسلب هذا الغريب، ذا اللباس الغريب.. ما معه من نقود أو غير ذلك.. الله أعلم.
المهم أن رِجليَّ أصبحتا جَنَاحَيْ طائر. وعَادَتَا بي إلى فندقي سالما والحمد لله.. هذه أول حادثة مزعجة لي في هذه الرحلة..
* * *
الحادثة الثانية:
أنني وزميلي الصحفي.. من غرفتنا نزلنا الى صالة الطعام لتناول الغداء.. فقدم لنا النادل الطعام، ومن جملته طبق اللحم.. استغربت لون هذا اللحم وشكله.. واسْتَريْتُ منه.. وكنت وزميلي لا نعرف الرطانة.. وكان بجوارنا سعودي آخر بمفرده يجيدها... فقلت له إسأل هذا الندل أو (النذل) عن هذا اللحم أخشى أنه لحم خنزير؟ فسأله فقال (نعم لحم خنزير وقد أكله أباؤنا وأجدادنا.. وهم خير منكم أيها العرب..) !؟ انظروا إلى وقاحة هذا البريطاني.. ومع ضيوفه..؟!
زميلي هداه الله استشاط غضبا على كشفي حقيقة هذا اللحم وقال بالحرف الواحد (الله لا يجزاك خير.. كان خليتنا نأكل وحنا ما ندري ايش هو من لحم ولا إثم علينا في الجهل به؟) قلت إنني سألت لنفسي وأنت حر... وها أنت أكلت منه لقمتين أثناء السؤال وقبل الإجابة..!
الحادثة الثالثة:
فيما كنت عائدا من حديقة (هايد بارك) حاضراً الشتائم والمناكفات بين أهل الملل والنحل.. والتوجهات المختلفة في الفكر والسياسة والثقافة وغير ذلك.. إذا بفتاتين في منعطف الشارع الرئيسي توقفاني وتقول لي إحداهما (بزنس)؟.. وأنا لا أعرف البزنس بخير ولا بشر.. لم أرد عليهما.. لجهلي بما تعنيه الكلمة.. وللحذر الذي أصاحبه دائماً في بلاد لا أعرف طباع أهلها ولا لغتهم. وكم لقيت في هذا المسلك من سلامة.. والحمد لله.
للحديث صلة..
|
|
|
|
|