| محليــات
نشأنا وهم يقولون في المثل الدارج: «خُلقت العصا من الجنة» ، وليس كلُّ قول مأثور، أو مثل دارِجٍ هو حقيقة، إذ تأتي هذه الانطلاقات القوليَّة عادة عن التجربة. ونذهب من هذا المنطلق إلى أنَّ «العصا» هي «المربِّي» الأول الذي كان يستخدمه «المربون» من الآباء والأمهات والمعلمين في ضبط انفلاتات السلوك الفردي في الإنسان عند تنشئته وتربيَّته.. ولأن «المضروب» يؤدي من السلوك ما يُثْبِت «ظاهرياً» لهم النتيجة الإيجابية للضرب، إِذْ هو يمتثل لكل ما يُطلب منه أثناء الضرب، فإنَّ العصا أصبحت «سحر» التربية في ذلك الزمن الذي كان فيه كل شيء «بالفطرة» و«بالاعتقاد» فمن يُنَشَّاُ على طاعة الأبوين وإلا فالنار مثواه، وعلى طاعة المعلم الذي يتم في تبجيله قياماً ما يجعله في مصاف «الرسل»، وأنَّ تلميذه عبد له «من علمني حرفاً صِرْتُ له عبداً» مع الإيمان المطلق بعبودية المرء لربه تعالى.. فإنَّ العصا كان لها صَوْلَتُها وَجَوْلَتُها في أساليب التربية القديمة.
أما وقد تبدلت المفاهيم، وتغَيَّرت الثقافة المجتمعِيَّةُ بِتَغَيُّرِ قِيَمِها في مناحٍ عديدة منها مفهوم التربية والتعليم فإنَّ العصا لم تعد هي الأستاذ المربي، أو الأب المعلم، أو السحر المبدِّل في سلوك الإنسان من السالب إلى الموجب، بل إن مفعولها بطل، وإنَّها إن استُخْدِمَت أدَّت إلى نتائج عكسية غير تلك التي كانت تؤديها.
ومع ذلك فمن لم يستخدم يده عصا، استل من الشجر ما كان له منها...
وظلَّ ويظلُّ نفرٌ غير قليل، يستخدمها عندما يغلب في أمر التأثير بالأساليب الأنفع والأجدى عند تربيته وتعليمه.
وهي وإن استسيغ التعامل بها في بعض المواقف العابرة لا الدائمة، إلاَّ أنها غير مستساغة تعاملاً بشكل عابر أو دائم في المدارس، بوتقات التربية والتعليم والتَّشْذِيب والتنشئة والتأثير الذي سيظل في الإنسان مدى حياته...
ولذلك مُنِع الضرْبُ في المدارس واستُبْدِل بالطرق والأساليب المناسبة للعصر، ولطبيعة تكوين الإنسان، وتركيبته المعتمدة على مؤثرات البيئة عامها وخاصها.
وَوُضِعَت الضوابط للعقوبات في المدرسة، وتنوعت هذه الضوابط بِتَنَوُّع العقوبات، وتدَرَّجَت بِتدَرُّجِها، وليس فيها الضرب.
ومع ذلك يختصر بعض المربين من الرجال والنساء طريقَ الضوابط الأخرى، لأنها تحتاج إلى فهم ووعي وقدرة على الاستخدام، فيختصرون كل هذا المدى باستخدام الضرب إمَّا باليد، وإمَّا «بالمسطرة» وإمَّا بعصا يحضرونها للغرض ذاته...
ولقد تَحَوَّل أمْرُ استخدام الضرب في المدارس إلى قضية جَدَليَّةٍ بين عناصر العمل داخل المدارس فمن يؤيدها، ومن لا يؤيِّدها، ومن يسكت عنها، ومن لا يسكت عنها، كما تحولت بين أولياء الأمور والدارسين أنفسهم إلى قضيّة رفض صامت خوفاً من عقوبات أخرى يمارسها مدرسو المدارس ومدرساتها، أو إداريوها مع الدارسين أو الدارسات فيمنعهم الخوف على نتائج أبنائهم أو نتائجهم إلى «تَحَمُّل» الضرب، أو التغاضي عنه، أو حتى السكوت عليه. بينما لا يمنع آخرين مثل هذا الخوف فَيَتَذَمَّرُون ويشكون ويتحَمّلُون النتائج.
وتظل هذه القضية قائمة...
فهلا تقوم مسؤولات الرئاسة بمتابعتها بدقة وأمانة وحرص؟
وكذلك يفعل مسؤولو وزارة المعارف في المدارس؟
أو ليس أساليب التربية الحديثة تَتَطَلَّب وعياً جَمْعِياً يُؤيِّد الانتباه بدقة إلى كيفية تنشئة جيل من عناصر بشرية لديها القدرة والشخصية لمواجهة صعوبة الحياة على ما فيها من مظاهر اليسر؟ وغربتها على ما فيها من ظواهر الاطمئنان؟ فهي تحتاج إلى نفوس سليمة، تحتنكها خبرة بل خبرات من شأنها أن تصقلها وتجعلها قادرة على مواجهة هذه الحياة بقوة لا بضعف تخلفه «رفعة» العصا، ووخز ألمها!!.
|
|
|
|
|