| متابعة
* القاهرة محيي الدين سعيد:
لم تتوقف آثار أحداث 11 سبتمبر الماضي على مدينتي نيويورك وواشنطن الأمريكيتين وحدهما، لكنها امتدت لتؤثر في معظم مناطق الكرة الأرضية، وفي القلب منها منطقة الشرق الأوسط الملتهبة أساسا قبل وقوع هذه الاحداث.
وفي القلب من منطقة الشرق الاوسط أيضا توجد القضية الفلسطينية التي تأثرت بالتأكيد من تلك الأحداث بتوالي وقوعها منذ الانفجارات ثم السعي لتشكيل التحالف الدولي واعلان قوائم الارهاب، وأخيرا الحرب في أفغانستان ونتائجها المعروفة حتى الآن.
حسابات المكسب والخسارة بالنسبة للقضية الفلسطينية في الأحداث الأخيرة شغلت العديد من الباحثين والسياسيين وعن تأثير الحرب على القضية الفلسطينية يقول الدكتور عماد جاد الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام ورئيس تحرير دورية، «دراسات اسرائيلية» ان الموضوع له أكثر من جانب الأول ان وقوع العمليات الارهابية ضد أمريكا في حد ذاتها كان نوعا من التأثير السلبي في القضية الفلسطينية واعطى إسرائيل الفرصة في المساواة بين ما تعرضت له أمريكا والانتفاضة الفلسطينية أي الخلط بين المقاومة والارهاب ولذلك نجحت اسرائيل في إحداث توتر في العلاقات العربية الأمريكية.
ويستطرد جاد: لكن التأكيد والتفكير في مسألة انه لا يمكن التفاعل مع أحداث أمريكا ومع التحالف الدولي ضد الارهاب في ظل عدم ترك القضية الفلسطينية أدى الى نوع من الحرص الأمريكي على الحديث عن التحرك لتحقيق تسوية بعد الانتهاء من افغانستان وهذا ما أعلنه بوش وباول وأكثر من مسؤول أمريكي، لكن والحديث ما زال لجاد هذا يذكرنا بالظروف التي أحاطت بتشكيل التحالف الدولي في الحرب ضد العراق في بداية التسعينات.
ويرى جاد أن المسألة تتوقف في النهاية على القدرة العربية على استثمار هذا الامر، بمعنى ان الولايات المتحدة الامريكية اطلقت التصريحات الخاصة بالدولة الفلسطينية في وقت كانت تتعرض فيه لضغوط لاتمام الحملة في افغانستان وفي اللحظة التي ستنهي فيها مهامها سوف تعود الى نوع من التشدد وتتراجع عن بعض ما صرحت به، وهنا تأتي أهمية الضغط العربي للعمل على استمرار الموقف الأمريكي الحالي تجاه الدولة الفلسطينية.
لكن جاد يعود ليؤكد ان الواضح حتى الآن أنه لم يحدث استثمار عربي حقيقي للموقف في ظل قدرة اسرائيل على ان تفرغ هذه المواقف من أي محتوى حقيقي لها وقد نجحت بالفعل في تصعيد عمليات الارهاب ومواصلة عمليات القتل ضد الفلسطينيين بدون ان يكون هناك موقف أمريكي واضح تجاه ذلك.
ويستطرد ان الطرف الأمريكي يتعرض لضغوط من الأطراف العربية في اتجاه ومن اسرائيل في الاتجاه المعاكس ولأن أمريكا أميل لاسرائيل ومنحازة لها فبالتأكيد لن تتخذ موقف الأطراف العربية التي يتحتم عليها ان تسعى لتوظيف أوراقها جيدا فمن المملكن ان تكون أمامنا الآن ومنذ 11 سبتبمر فرصة للحصول على اكبر مكاسب ممكنة لكن القدرة العربية على تحقيق ذلك هي الفيصل في النهاية والمهم ان يعمل الجانب العربي على الحصول على خطوط واضحة وأسس للتسوية بناءً على التصريحات الأمريكية الاخيرة.
الباحث الفلسطيني الدكتور محمد خالد الأزعر يقول ان كل ازمة دولية تنطوي على فرص وعلى مخاطر في نفس الوقت، ولأن العالم العربي وقضيته في البؤرة ولأن القضية الفلسطينية أثيرت على هوامش الأحداث أحيانا وفي قلب المتن أحيانا أخرى فيما يتعلق بأحداث 11 سبتمبر وتداعياتها وذلك في خطاب بن لادن وبوش وباول والحكومات العربية ومختلف الأطراف فلا بد ان تكون القضية قد تأثرت بشكلها.
ويضيف ان حساب المكسب والخسارة في هذه الأحداث بالنسبة للقضية الفلسطينية يتوقف على عدد من العوامل والأطراف وتعاملهم مع الأحداث وهذه الاطراف هي الحكومات العربية، الادارة الأمريكية، القيادة الفلسطينية، الحكومة الاسرائيلية.
ويرى الازعر ان الطرح العربي كان لا بأس به وتمت معالجته بشكل جيد حيث نبذت الرسالة العربية الارهاب وأدانته وتعاطفت مع الموقف الأمريكي في مواجهته لتفجيرات 11 سبتمبر، لكنها في نفس الوقت تمنت على الادارة الامريكية نظرة اكثر عمقا وجذرية للقضية الفلسطينية.
ويستطرد الأزعر ان القضية الفلسطينية بطبيعتها قابلة للاستهلاك والاستخدام لأنها تخص العالم الاسلامي والعربي وأطرافاً دولية وقوى عظمى وبالتالي فإنه حتى عندما طرحت في خطاب بعض القوى التي وصمت بالارهاب فلا بد ان هذا كان يعني أنها موجودة لدى الجميع بنفس الأهمية، مشيرا إلى ان السياسات العربية ساهمت في عدم عزل القضية وعدم النظر إليها بشكل سلبي بعد طرح القضية في خطاب هذه القوى.
وينتقل الازعر الى موقف الطرف الاسرائيلي فيقول ان اسرائيل حاولت وربما بشكل كان اسرع من الاطراف العربية لتلقي بثوب الارهاب على الفعل النضالي الفلسطيني وتخلط عن عمد بين الارهاب والمقاومة الفلسطينية المشروعة، لكن الجانبين العربي والأمريكي أيضا استدركا ذلك ووجد الجانب الأمريكي ان في تبنيه الكامل لهذا الموقف الاسرائيلي خسارة له واضعافاً للتحالف الدولي الذي سعت الادارة الأمريكية لتشكيله عقب 11 سبتمبر.
ويؤكد الازعر ان شارون فشل في الربط بين بن لادن وعرفات وأيضا بين المقاومة والارهاب ومن هنا جاءت أخيرا رؤية وزير الخارجية الأمريكي كولن باول لتوفق بين هذه المعادلات.
ويخلص الازعر الى أنه من هذا المنظور ربما تكون القضية الفلسطينية قد كسبت شيئا، حتى في الهوس الذي تناولته به بعض القوى التي تم وصمها بالارهاب.
ويقول: إن القضية لن تخسر لو عالجنا الموقف بصورة جيدة لأن الولايات المتحدة الأمريكية بعد فورة الدم وثورة الغضب لا بد ان تنظر لسلوكها وسياساتها في الخارج وفي مقدمة ذلك الموقف في منطقة الشرق الأوسط.
ويستطرد انه من الصحيح ان الادارة الأمريكية الآن تأخذها «جلالة الموقف» وصورتها كقوة عظمى وحيدة لكنها بالتأكيد ستتدبر الأمر وستتأكد من ان وجودها بمفردها كقوة عظمى ربما لا يكون في صالحها هي أولا وقبل أي طرف آخر.
ويرى أنه لو أحسن العرب استخدام الاوراق التي في أيديهم والتعامل ببُعد نظر مع الموقف فمن الممكن ان تستفيد القضية، مجدداً التأكيد على ان كل ذلك يتوقف على كيفية التعاطي العربي والفلسطيني في مقدمته مع الموقف خاصة وان الجانب الاسرائيلي يحاول ان يجر الجميع الى منطقة من الرمال الناعمة ويحيط بالموقف لصالحه.
ويرى الازعر ان هناك جانبا من الخسائر لا يمكن اغفاله في الموقف واول ذلك يتعلق بالعلاقات العربية الاسلامية نفسها ويقول ان الاسلام الآسيوي مهدد الآن بنظرة سلبية والمطلوب من الجانب الاسلامي العربي ان يصحح الفكرة التي أخذها العالم عن المسلمين والاسلام بشكل عام مؤكدا ان القضية الفلسطينية في البداية والنهاية لا يمكن الازورار والتخلي عنها.
ويشدد على ان الفرصة موجودة لتحقيق مكاسب من الأزمة الدولية الراهنة التي بدأت منذ 11 سبتمبر وتحسين صورة العرب لدى الغرب وأيضا استغلال رغبة الغرب في تحسين صورته لدى الجانب العربي والاسلامي خاصة وهو يسعى لانشاء قناة فضائية من اجل تحقيق ذلك الهدف ومنافسة الفضائيات العربية.
وينهي الازعر حديثه بالتنبيه الى ان خطاب بن لادن عن القضية الفلسطينية وجد من يصدقه على الصعيد الشعبي العام والبسيط وليس هناك اي ضمانة لأن يخرج علينا «بن عاجن» بعد بن لادن!!
السفير محمد صبيح سفير فلسطين بالقاهرة يرى ان الأحداث قبل 11 سبتمبر لا يمكن ان تكون هي الأحداث نفسها بعد 11 سبتمبر مشيرا الى ان هناك قوى رئيسية ثلاثة اثر فيها الحدث وأحدث فيها تغييرات جوهرية، وهذه القوى هي أولا: امريكا والغرب وقد كان الحدث بالنسبة لهم مفاجأة وثانيا: الدول العربية والقضية الفلسطينية وثالثا: الصهيونية العالمية التي لم يكن الحدث بالنسبة لها مفاجأة حيث كانت جاهزة فور وقوع الاحداث بخططها الالصاق تهمة الارهاب بالاسلام والمسلمين وادراج المنظمات الاسلامية ضمن المنظمات الارهابية.
ويرى صبيح ان أحداث 11 سبتمبر كشفت مدى الضعف العربي لكن ذلك لم يكن يعني أبدا ان يقف العرب كمتفرجين خاصة وان أحداث 11 سبتمبر غيرت شكل العالم وان هذا التغير سوف يستمر لمدة خمسين عاما قادمة.
ويضيف ان اسرائيل سوف تعمل على الاستفادة بأكبر قدر ممكن من الحدث وذلك بالعمل على ترويج اكذوبة صراع الحضارات وهو من وجهة نظر الصهيونية صراع بين الاسلام من جانب والحضارة المسيحية واليهودية في الجانب الآخر.
ويتفق صبيح مع وجود فرصة أمام العرب لتحقيق مكاسب للقضية الفلسطينية على ان يشمل ذلك تقوية اللوبي العربي في امريكا مبديا دهشته ان اللوبي الصهيوني في امريكا يزداد نفوذا في حين ان اللوبي العربي يزداد في انكماشه بعد 11 سبتمبر.
ويضيف ان التحرك العربي يجب ان يشمل أيضا مطالب واضحة ومحددة في ضرورة ايجاد مرجعية دولية ودينية للإرهاب لا تعتمد على مصلحة طرف دون طرف آخر حتى لا يكون العرب والفلسطينيون وحدهم الضحايا بعد 11 سبتمبر وان يكون ذلك باستثمار مختلف مصادر القوة العربية والعمل على توحيد الصفوف والتصدي للهجمات التي تستهدف النيل من الدول العربية الكبرى مشيرا في ذلك الى محاولات الهجوم على المملكة العربية السعودية ومصر ويقول ان هذه المحاولات تستهدف ان يبقى العرب بدون قيادة.
الكاتب المعروف محمد سيد أحمد يقول إن المكسب الذي يمكن ان يخرج به العرب جميعا من أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها الحاصلة في العالم حتى الآن هو ان يستخدموا كل اوراق الضغط لحل القضية الفلسطينية، أما فيما عدا ذلك فسوف يعد خسارة للجميع.
ويقول إن الفشل في مواجهة القضية الفلسطينية الآن بما ينبغي سوف يؤدي الى خسائر كبيرة للقضية وللعرب الذين سيواجهون بتفجير هذه القضية والغاء المفاوض الفلسطيني وانفلات شامل بصور متعددة وتعاظم شامل للاتجاهات العنصرية والفاشية.
ويرى محمد سيد احمد ان مكاسب العرب يمكن ان تتحقق وما زالت الفرصة قائمة لذلك إذا ما ضغطوا في اتجاه اصلاح دولي شامل يبدأ بالقضايا الأكثر سخونة وصعوبة مثل القضية الفلسطينية.
ويؤكد ان تحقيق فكرة اصلاح النظام الدولي بشكل شامل سوف يعود بالمكاسب على الجميع وليس على القضية الفلسطينية فحسب، اما بقاء الوضع على ما هو عليه فسوف يزيد من الخسائر حتى لو كانت هناك تصريحات امريكية ايجابية تجاه القضية الفلسطينية.
الكاتب الفلسطيني عبد القادر ياسين يقول: إن الادارة الامريكية وحلفاءها الغربيين كانوا في حاجة الى تهدئة الوضع في فلسطين من اجل فتح الباب لالحاق الدول العربية بالتحالف الدولي وفي هذا المناخ كان يمكن للقيادة الفلسطينية ان تنحو منحى مساوما فتوافق على تهدئة مقابل حل فوري وليس حلا مؤجلا استمرأ الاستعماريون الا ينفذوه على مر التاريخ الحديث والمعاصر لكن القيادة الفلسطينية اختارت طريقا آخر هو الهرولة في اتجاه الادارة الامريكية دون حتى ان تساوم على مقابل لهذه الهرولة وبذا اضاعت فرصة مقايضة موقف بموقف الآن، فيما تمكنت القيادة الصهيونية من فرض صيغتها في هذا الامر بينما كانت قد فزعت في الأيام الاولى اللاحقة ل11 سبتمبر.
ويرى ياسين ان القيادة الاسرائيلية نجحت في ذلك ليس بسبب مهارتها ولكن بسبب اخفاق القيادة الفلسطينية في استغلال الموقف وسعيها لتقديم التنازلات دون مقابل.
ويؤكد ياسين على ان الحدث في حد ذاته كان يمكن استثماره خاصة وان أحداً من الفلسطينيين لم يشارك في التفجيرات التي وقعت في نيويورك وواشنطن لكن القيادة الفلسطينية حسب رأيه لم تكن في مستوى الحدث او التعامل معه وسلمته لقمة سائغة للقيادة الصهيونية.
ويرى ياسين ان ما قاله وزير الخارجية الامريكي باول بشأن القضية الفلسطينية هو مجرد كلام في كلام خاصة وأنه علق كل شيء على التفاوض أي أسلم الأمر من جديد لاسرائيل بما يعني أنها محاولة جديدة لتخدير الوطن العربي.
ويشدد على ان القيادة الاسرائيلية أفلحت فيما أخفقت فيه القيادة الفلسطينية وقد قدم الفلسطينيون خسائر جمة في الانتفاضة في الأيام اللاحقة ل11 سبتمبر وكان مرد هذه الخسارة الى الخطأ السياسي الذي وقعت فيه القيادة الفلسطينية.
|
|
|
|
|