| الاقتصادية
تعيش أسواق النفط العالمية هذه الايام فترة مخاض خطيرة نتيجة للمخاوف العالمية من نشوب حرب أسعار شرسة بين المنتجين المصدرين للطاقة في الأسواق العالمية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها منظمة الاوبك لتدارك واقع الأسعار النفطية، إلا ان عدم تجاوب المنتجين من خارج المنظمة ربما يساهم في خلخلة الصفوف ليس فقط بين المنظمة والمنتجين من خارج المنظمة ولكن بين الدول الاعضاء في المنظمة ذاتهم. فمن المعلوم لدى الجميع ان غالبية الدول الاعضاء في المنظمة تعتمد اعتمادا كبيرا ومباشرا على العائدات النفطية كمصدر رئيس للدخل وبالتالي فإن انخفاض الاسعار النفطية الى مستويات غير متوقعة قد يدفع بالدول المصدرة للنفط من داخل المنظمة وخارجها الى زيادة الانتاج للمحافظة على معدل الايراد النفطي عند مستويات مقبولة. وهذا بطبيعة الحال سوف يؤدي الى انخفاض متزايد في الأسعار النفطية مما يعرض الاسواق النفطية الى حالة مشابهة لتلك التي حدثت في اواخر التسعينيات عندما وصل سعر برميل النفط الخام الى اقل من العشرة دولارات للبرميل. السؤال الذي يتبادر الى الذهن هنا هو لماذا انخفض معدل الاستجابة لدى الدول المصدرة للنفط من خارج المنظمة كروسيا والمكسيك والنرويج في الوقت الذي تعلم فيه جيدا ان عدم الاستجابة يقود إلى نهاية حتمية تتمثل في تردي العوائد النفطية الناتج عن تردي اسعار النفط العالمية؟ الاجابة على هذا التساؤل تقود بالضرورة الى استعراض ابرز العوامل المؤثرة في القرار النهائي المتعلق بسياسة الإنتاج والتصدير والتسعير للدول المصدرة للنفط بوجه عام فبالاضافة الى المقدرة والتكلفة الإنتاجية، هنالك العديد من العوامل التي تحكم القرار في اسواق النفط العالمية لعل اهمها يتمثل في الآتي:
1 معدل النمو العالمي للدول الصناعية والنامية الذي يمثل المؤشر الرئيس لمعدل الطلب العالمي على النفط. فمن المعلوم ان الاقتصاد العالمي يعيش في هذه الفترة حالة من الركود الشديد الذي قاد الكثير من اقتصاديات العالم الى حالة كساد ساهمت في اضعاف المقدرة الاستثمارية والإنتاجية وبالتالي في اضعاف الطلب على النفط. ومن هذا المنطلق فإن الطلب المنخفض على النفط سيحد بلاشك من مقدرة المنظمة وغيرها من الدول المصدرة للنفط على التأثير على الاسعار النفطية.
2 العوامل السيكولوجية التي عادة ما تساهم في تعظيم اثر القرارات النفطية في اسواق النفط العالمية خصوصاً في ظل القناعة العالمية بعدم قدرة الدول المصدرة للنفط من داخل وخارج المنظمة على المحافظة على موقف صامد أمام الضغوط الاقتصادية الخارجية. فعندما تبدأ اسعار النفط في الانخفاض يبدأ المتعاملون في الأسواق العالمية بناء قراراتهم المستقبلية وفق قناعة قوية بانخفاض مستقبلي للاسعار مما يقلل من الطلب على النفط عند نقطة زمن محددة رغبة في التمتع بميزة السعر المستقبلي المنخفض وهذا يؤدي الى انخفاض الطلب الكلي على النفط.
كما ان انخفاض السعر النفطي يقود في الغالب الدول المصدرة للنفط الى الاعتقاد بانخفاض معدل التزام الدول المصدرة بالحصص النفطية مما يعني تسابق الدول الى تجاوز الحصص رغبة في الاستفادة من السعر المرتفع قبل انخفاضه مما يساهم في زيادة المعروض من النفط في الاسواق العالمية وبالتالي انخفاض متزايد للاسعار النفطية ويمكن الاستدلال على أهمية المتغيرات السيكولوجية من خلال تتبع معدلات ارتفاع الاسعار النفطية ومقارنتها بمعدلات الانخفاض التي في العادة تكون اكثر حدة نتيجة للقناعة العالمية بعدم قدرة المنظمة والدول المصدرة بشكل عام على رفع درجة الالتزام بالقرارات النفطية.
3 المتغيرات السياسية العالمية التي عادة ما تلعب دورا رئيسيا في توجيه القرار النفطي للدول المصدرة للنفط. وفي هذا الخصوص يمكن الاشارة الى ان معظم الدول المصدرة للنفط باستثناء روسيا ليس لها نفوذ سياسي مؤثر على الساحة العالمية وبالتالي فإنها في الغالب تكون في موقف ضعيف عند رغبتها في اتخاذ قرار معارض لمصالح الدول ذات النفوذ السياسي القوي.
واذا كنا لا نحتاج الى التفصيل في هذه النقطة بالتحديد فإن من الواجب الإشارة الى ان خفض الاسعار النفطية سلاح فاعل في يد بعض القوى السياسية للضغط على وإضعاف موقف بعض الدول المصدرة للنفط التي ربما يكون لها موقف مستقل عن موقف القوى السياسية العالمية.
ونتيجة لكوننا في هذه الايام نواجه واقعا تلعب فيه العوامل المذكورة اعلاه لغير صالح الدول المصدرة للنفط، فانه في اعتقادي ان اسواق النفط العالمية والدول المصدرة للنفط مقبلة على حالة عصيبة ربما لا تستطيع امامها سوى محاولة تخفيف اثرها او تبطئة زمن حدوثها مع امل تحرك القوى المؤثرة على القرار السياسي في الدول الصناعية للمحافظة على مصالحها الخاصة المتمثلة في استثماراتها وأسهمها العالمية.
استاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|