| مقـالات
ينظر الغرب إلى الشرق منذ عصور طويلة نظرة عداء ونظرة استحواذ اقتصادي على ما عنده من ثروات ونظرة هرطقات مسيحية ووثنيات غير جديرة بالبقاء والاتباع والشرق هنا غير محدود من الهند والصين شرقا حتى النيل غربا، فالفرس في الشرق أعداء للروم في الغرب والمسلمون منذ ظهورهم على تخوم النصرانية وهم أعداء في الشرق ينبغي إخضاعهم للغرب وتوابل الهند وحرير الصين سعى الغرب جاهدا خلال العصور للحصول عليها بالحرب أكثر من السلم حتى لو أدى ذلك إلى احتلال منابعها وتحويل طرق تجارتها. وتمضي العصور ويدفع الغرب بجحافله نحو الشرق فيما عرف بالحروب الصليبية طيلة قرنين سبقها مثلها ولحقها قريبا من ذلك كما يعرف أهل الاختصاص، ثم جاءت مرحلة الاستعمار الغربي والسيادة الأوروبية بالذات ومحاولة فرضها على الشرق على مدى أكثر من قرنين آخرين، ثم جاءت مرحلة راوحت فيها العلاقات الغربية بين الغرب والشرق بين الحرب والغزو الثقافي اللذين هما وجهان لعملة واحدة قصد بها الهيمنة والسيطرة والتبعية للشرق في قياده نحو الغرب . حتى المرحلة المعاصرة لم تخرج عن هذا المفهوم، ففي نصف القرن الأخير حرك وانشب وأدار الغرب حربا في كل عقد من عقوده ضد الشرق مثل العدوان الثلاثي في الخمسينات وحرب 67 في الستينات وحرب 73 في السبعينات والحرب الايرانية/ العراقية في السبعينات وحرب الخليج في التسعينات ويبدو أن ما نعيشه اليوم هو أول فصول الحرب في عقود القرن الجديد .
قد يقال إن هذا الإيجاز فيه اختزال للأحداث غير دقيق في محددات نظرة الغرب الى الشرق ولكن نظرة كلية للعلاقات بين الجانبين تؤكد ذلك فالغرب يرى الشرق غير جدير بامتلاك الثروات والاستقلالية الدينية بل والمدنية الحضارية وكان من مبررات الاستعمار تحضير الآخرين وتمدينهم إلى هذا الحد ثم إن العبرة بثوابت الشعوب والرواسخ في مناهجها وإعلامها واقتصادها هناك بجوانبها المختلفة التي رسخت وترسخ في كل مرحلة بما يناسب أدواتها ووسائلها وأساليبها في بيئات وشعوب ينبع منها القرار بشكل مؤسسي ولا يفرض عليها. أما المصالح والملونات الأساسية التي يجيدها الغرب فهي ما توحي للكثير بأن هذه المفاهيم قد تغيرت وانتهت ويأتي هذا من جراء المبالغة في التعتيم الذي يمارس لإخفاء النوايا والاستراتيجيات الحقيقية من ناحية ثم للتغير المؤقت ومجاراة الوقت وطبائع العلاقات الثنائية وغير ذلك مما يوحي عند النظرة الجزئية بأن الغرب أو إحدى قواه حمل وديع أو انه إنساني على الأقل راعى المساواة والعدالة في تعامله مع الشرق من ناحية أخرى، بينما هي في الحقيقة لا تعدو أن تكون مظاهر اقتضتها طبيعة المصالح وتمرير الأهداف البعيدة والسياسات الكامنة في نظرة الغرب للشرق الأزلية.
إن الغرب الذي عايش السيادة والثروة والمدنية والسيطرة والنفوذ وتربع عليها وجنى ثمارها على مدى الخمسة القرون الماضية لن يقبل أن ينافسه أحد فيها فضلا عن أن يوازيه أو يبزه فيها والأنكى أن يرى أن ذلك خاصية له وعليه وتميز وتفوق له على الآخرين الذين لا يسعهم معه سوى الاتباع والاحتواء وما فضل عنه من الثقافة والاقتصاد والنفوذ.
وإذا كان هذا نوعا من الصراع البشري وتدافع الشعوب على هذا الكون فإن الشرق على مدى تاريخه لم ينظر هذه النظرة أو يمارس النفوذ والوصاية على الغرب بل كان هاديا وداعما ومعينا له مدنيا وحضاريا على مر العصور حتى القرن الخامس عشر الميلادي عندما قلب له الغرب ظهر المجن، ولا يزال يعد الخطط والمكيدة نحوه مستقبلياً في مختلف المجالات.
|
|
|
|
|