| الثقافية
اسم الكتاب: إنسانية ملك
اسم المؤلف: الدكتور عبد العزيز بن عبدالرحمن الثنيان.
الطبعة: الاولى عام 1421ه، والناشر مكتبة العبيكان، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله تعالى، وطيب قبره وثراه، واسبغ عليه حللا وارفة، وظلالا دائمة، من رحمته ومغفرته وعفوه، رجل من رجالات العالم المعدودين، وقائد من قواد الدول المحنكين، وفارس من فرسان الحرب والسلام المشهورين، حباه ربه قوة عظيمة، وشجاعة نادرة، وقلبا قويا وقادا لا وجلا ولا هيابا ولا مرتابا، شعاره التوحيد، وبيرقه الشهادة، وهمه الدين، وهمته التدين، ودثاره التقوى، ولحافه الايمان.
وما ظنك حفظك الله وابقاك وادام على عُرى الايمان محياك برجل قوي الشكيمة، نقي الطوية، ابت عليه نفسه وهمته الركون واليأس والاستسلام، فما كان منه إلا ان جدد العزم والعزيمة، واستطاع بفضلهما ان يستعيد ارضه وترابه ومسقط رأسه، ومنبت اصله، ومرعى صباه، ولم يكتفِ بهذا بل رعى هذه الارض وسقاها بيده، وحماها بنفسه، فغدت بلدا عريقا ينافس البلدان، ووطنا آمنا يعلو على الاوطان، بل قارة عظمى موحدة الاجزاء، يجمعها دين واحد، ولغة واحدة، ويحكمها ملك واحد، تميز بحنكة وسياسة وعقل ونفوذ أي، وصار محط انظار العالم واحترامهم وتقديرهم.
نفس عصام سوّدت عصاما
وعلّمته الكرّ والإقداما
وصيرته بطلا هماما
حتى علا وجاوز الاقواما |
وقد أعجب مفكرو المملكة العربية السعودية ومثقفوها وأدباؤها بشخصية الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، وكتبوا فيه المقالات، والفوا فيه المؤلفات وكان من هذه المؤلفات الكتاب الذي ذكرت لك عنوانه سلفا، وهو كتاب قيّم يبحث في شخصية الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، وينظر في جوانبها الانسانية لذا سمي: «إنسانية ملك» وإلا فالجوانب الحرية بالدرس والبحث في هذه الشخصية كثيرة، فبطولته جانب، وتدينه جانب، وسياسته جانب، وفراسته وعقله وحلمه وأدبه جوانب أخرى كلها حرية بالبحث والدراسة والطرح، يقول الدكتور الفاضل عبد العزيز الثنيان في مقدمته المباركة لهذا الكتاب : «وقد دونت بعض المواقف التي تكشف عن انسانيته، وتصور رقته، وتبرز وقاره، وتظهر حلمه، وتعرض ادبه، وتحكي ثقته بنفسه، وخوفه من الله، وتقدم ادلة على وفائه وبره، وقد جعل المؤلف الفاضل مؤلفه في ثلاثة ابواب، وهذه المواقف تتناول جوانب انسانية متنوعة في شخصية الملك الراحل رحمه الله تعالى.
فالباب الاول: يتناول جوانب العدل لديه، ومنهجه في الحكم.
والباب الثاني: يكشف عن حواره، ومشورته ، وسماعه لآراء الآخرين، ووزنه لعقولهم، وكيف تعامل واخذ واستفاد.
والباب الثالث: يوضح صورة عن بعض الجوانب التربوية لدى الملك الراحل والمصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف، الكتب التي اولت هذا الجانب من شخصية الملك عبد العزيز اهتماما، ثم ما رواه بعض ثقات الناس لمؤلف الكتاب حين تسجيله وجمعه لمادة كتابه وفي هذا يقول المؤلف: «فهي احداث واقعية رواها بعض الثقات، ووردت عرضا في هذا المصدر، وذاك الكتاب»، وفي الباب الاول من الكتاب الميمون حكى المؤلف قصة سماها برزان والقيد وهي تمثل جانبا انسانيا من جوانب شخصية الملك الراحل، ومصدر هذه القصة صاحب السمو الملكي الامير المبجل سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وابقاه وكان هذا إثر تشرف مؤلف الكتاب بنيل جائزة حائل للابداع العلمي عن كتابه «بطولة ملك» وذلك في نهاية شهر شوال من عام 1419ه، وأقيم الاحتفال على شرف صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبد العزيز حفظه الله تعالى وبعد سرد المؤلف للموقف عقب عليه بقوله: «انه موقف يكشف عن ذاكرته وذكائه، ويبين حلمه وعفوه، ويصور انسانيته وكرمه، فلم يحقد، ولم ينتقم من ذلك الرجل الذي أطلق لسانه».
وقد ورد تحت عنوان القصة التالية: «جهالة وسماحة» ما يدل على قوة فراسة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، ومعرفته بأخلاق الرجال، وذلك ان زعيما من زعماء قومه، جاء الى الملك عبد العزيز برفقة مجموعة من اصحابه، وكأنه يريد الأمن والامان، وبايع الملك على هذا، وعندما عاد الى قومه ، قال الملك عبد العزيز لأصحابه: «انظروا اليه، فان التفت فلن يفي بالوعد، ولن يحفظ العهد، وراقبوه وكان الامر كما قال الملك: فقد تجول ببصره، وصدق ظن الملك، فقد جاء يرقب الامر بنفسه، ويرى القوة القادمة.
وكيف يتم ُّبأسك في أناسٍ
تصيبهم فيؤلمك المصابُ
ترفق أيها المولى عليهم
فان الرفقَ بالجاني عتاب |
ومن صور عدله وعدالته جلوسه مع خصمه أمام قاضي الرياض آنذاك سعد بن عتيق رحمه الله تعالى، ووردت هذه القصة تحت عنوان أضيف ام خصم؟
وهنا يأتي قلم المؤلف محملا بالاعجاب والاحترام لهذه الاريحية، وسمة العدالة، ويقول: «فأي مكان في الدنيا يوجد فيه هذا المشهد؟ ملك وقاض ومواطن من عامة الشعب يجلسون للمحاكمة، وامام منزل القاضي تكون الخصومة، ويحكم القاضي فورا، ويرضى الخصم بالحكم»، وفي هذه القصة ايضا ما يدل على اجادة الملك عبد العزيز رحمه الله الكتابة، وذلك حين كتب لرجل متظلم شكا اليه امراً واليه ومما كتب له قوله: «من عبد العزيز الى امير الدوادمي، اعد لمطلق جمله، واعطه من جمالك جملا آخر، نكالا لك على ظلمك له، وحذار ان يتكرر منك هذا مع احد من المسلمين»، كما ان الملك الراحل كان حريصا على ان يقرأ له القارىء من كتب الحديث والادب والشعر، يقول حافظ وهبة الذي كان مرافقا للملك عبد العزيز في رحلته من الرياض الى مكة المكرمة ودامت هذه الرحلة ثلاثا وعشرين ليلة: «كانت تلك الايام من اسعد الايام في حياتي، كانت تذكرنا بالحياة الاولى التي كان يحياها اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كنا نقضي اوقاتنا إمّا في قراءة القرآن او دراسة البخاري او مسلم، او سيرة ابن هشام، وكان كل ذلك يتم ونحن نقطع الطريق على ظهور الابل»، ويعلق مؤلف الكتاب على هذه الثقافة الدينية والادبية والتي كان الملك الراحل غفر الله له يتمتع بها بقوله: «لقد أثرت هذه القراءات في شخصية الراحل وزادته قربا من الله، وحرصا على العدل، وربطته بعظماء الاسلام، واقتفاء آثارهم، والاقتداء بسيرهم» وكلمة العدل التي كان ينادي بها الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى عُلقت على جدار الحرم النبوي بالمدينة المنورة وفيها: «من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود الى شعب الجزيرة العربية على كل فرد من رعيتنا يُحس ان ظلما وقع عليه، ان يتقدم الينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى ان يبعث بها، بطريق البرق او البريد المجاني على نفقتنا» وللمؤلف كلمة جامعة في عفو الملك عبد العزيز وصفحه وردت تحت عنوان في صيوان المنتصر وفيها يقول: «الملك عبد العزيز رحمه الله بطل من أبطال الصفح، وإقالة العثرات، وله مواقف في هذا المجال متنوعة، فقد أغضى عن الزلات، وتناسى الهفوات، وكظم غيظه، ودفع بالتي هي احسن، وله مواقف تصور عظمته، وتكشف عن مكارم اخلاقه وسمو مشاعره»، وصورة الامن والامان تتجلى واضحة بيّنة في قصة تلك البدوية ذات الجمال والبهاء والفصاحة والبلاغة، وقد ساقت هذه المرأة إبلها، وخرجت من الرياض وحدها، وانطلقت الراحلة، كما وصفها يراع المؤلف، بين الخزامى والاقحوان، ثم توجهت الى الاحساء، ومعها بندقية الصيد، وبينما هي في طريقها مرَّ بها ركب الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، وطلب الملك من احد رجاله ان يسألها أين محارمها؟ أين بعلها؟ فقالت: «عسى الله ان يطيل في عمر عبد العزيز، ان الارض عمّ فيها الأمن والسلام بفضل الله ثم بعبد العزيز، ان عبد العزيز عنده في السماء برقية، وفي الارض مرية، المرية يقصون الاثر والبرقية تخبر امراء عبد العزيز فيلاحقون الجاني، ويؤدبون العاصي، وصار الناس كل حقه محفوظ وكل أمنه مرهوب»، وورد في الباب الثاني تحت عنوان: «ألجم لساني» ما يدل على مكانة الملك عبد العزيز وهيبته في قلوب رجالات العالم، يقول المؤلف حفظه الله تعالى: «يعلم اولئك الضيوف ان الملك لا يدخن... فيجاملون الملك ويحترمونه ولا يدخنون بحضرته، فتشرشل ذلك القائد الانجليزي المشهور كان السيجار لا يفارق فمه، وحين قابل الملك عبد العزيز امتنع طوال اجتماعه به عن التدخين، وفي ذلك اشارة الى منزلة الملك البطل، ومكانة الراحل عند العظماء والزعماء». وفي الكتاب اشارة هامة الى سبب انتخاء الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى بأخته نورة، حيث كان يقول: أنا أخو نورة، وذلك في قول مؤلف الكتاب: «انها عزيزة كريمة راقبت البطل منذ الطفولة، ورعت الاسد منذ الصغر، وكان يبثها همومه، وذلك منذ ان شبَّ عن الطوق» «كانت تدفعه للبطولة، وتحرضه على الاقدام، وتشجعه على المغامرة» و«يتحقق الامل لنورة، ويصدق ظن الشقيقة فيسترد البطل الملك وتتوحد البلاد، وترى نورة الخير والمجد، ويظل الصقر يزورها ويكرمها الى ان توفيت رحمها الله قبل وفاته بسنوات وجيزة».
حصان مثل ماء المزن فيه
كتوم السر صادقة المقال |
وفي باب الكتاب الثالث، وتحت عنوان : «بر الوالد» يمضي المؤلف الفاضل في ذكر بر الملك عبد العزيز بوالده رحمهما الله تعالى، ومن صور هذا البر ما جاء على لسان المؤلف الفاضل حين قال: «انه لم يكن يسمح لنفسه مطلقا ان يطأ ارض غرفة من غرف القصر اذا كان والده تحتها، يقول: رحمه الله كيف استطيع ان اسمح لنفسي بأن امشي فوق رأس أبي؟ وكان لا يجلس مطلقا في حضرة والده الا اذا دعاه الى ذلك علانية» ونقل المؤلف عن حافظ وهبة ما يؤيد كلامه، ويثبت بر الملك عبد العزيز بوالده غفر الله لهما واسكنهما فسيح جناته.
وتحت عنوان «عطر المتعلمين» ما يثبت احترام الملك الراحل لمعلميه الأول، يقول المؤلف: «حين زار الكويت عام 1354ه سمع ان معلما له كان يقرأ عليه القرآن في ايام الطفولة، ما زال موجودا، فأرسل اليه واستدعاه ولاطفه واكرمه، ومنحه مكافأة مالية مجزية» وفي هذا الباب صور من كرم الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، واقواله المأثورة في ذلك: «أعطوه ثلاثة آلاف، ولا يكن قلم عبد العزيز اكرم من عبد العزيز».
وقوله: «راودتني نفسي ان ارد الذهب وآخذ من كيس الفضة، ولكن قلت: هل تكون يدي اكرم مني»؟
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والاقدام قتال |
واختيار المؤلف لهذا الجانب الهام من شخصية الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى اختيار موفق، علّ المؤلف الفاضل حفظه الله تعالى ورعاه يتابع هذا الموضوع حتى تجتمع سلسلة هامة من الكتب او الكتيبات التي تبحث في جوانب شخصية الملك الراحل وسماته، فهذا يبحث في حلمه، وهذا يبحث في علمه، وذاك يبحث في فراسته، وهكذا حتى تجتمع مجموعة تضم تحت عنوان كبير، وهو على سبيل المثال: اخلاق المؤسس الاول للبلاد السعودية، او: سمات شخصية الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، بل هي دعوة عامة للباحثين والمفكرين لملء زوايا المكتبة السعودية بأمثال هذه الكتب والتي تنير الدرب واضحا للنشء الصاعد للتعرف على اخلاق قادته ومؤسسي دولته، وحبذا لو اضيف الى المناهج الدراسية شيء من امثال هذه الكتب الهادفة. والكتاب صيغ بلغة عربية صحيحة وسليمة، ودعم بالنقول عن شخصيات هامة عاصرت الملك عبد العزيز كشخصية العلامة خير الدين الزركلي، وشخصية حافظ وهبة، ثم القصص رويت عن شخصيات هامة موثوق بحديثها وروايتها، اشار المؤلف في حواشيه الى مناصبها المرموقة في دولتنا الرشيدة، ومن جميل الكتاب رواية الابناء عن الآباء، كتلك القصة الهامة التي رواها صاحب السمو الملكي الامير المبجل سلمان بن عبد العزيز حفظه الله تعالى ورعاه، ويحظى الكتاب بنصوص شعرية استدلالية احسن اختيارها والمجيء بها لدعم المقام والمقال، ثم بعض النصوص التاريخية والتي سيقت لتضفي على القصص قوة وجمالا، ومن نواحي الجمال في كتب الدكتور عبد العزيز الثنيان اجمع ناحية الشكل النحوي الدقيق والتي تمكن القارىء من القراءة بطريقة صحيحة، ثم هي تظهر المعنى واضحا، ثم ناحية ثالثة هامة وهي تعويد اللسان على السليقة العربية الفصيحة.
عنوان المراسلة ص.ب 54753 الرياض 11524
|
|
|
|
|