| مقـالات
التربية «تربة» في خصبها الاثمار وفي سبخها المرار، يزرعها المنزل، ويسقيها التعليم، ويكافح آفاتها الإعلام، ويزيد من غلتها الرفق والاعتدال، فالتربية التي لا تأخذ في الحسبان حقيقة «طينية» الانسان تشوه «طينة» الانسان، ذلك لأن مركبة المجتمع الوحيدة نحو «الاجتماع» المناسب هي طرائق التربية المناسبة عليه فثمة العديد من الظواهر الاجتماعية الصامتة المسكوت عنها رغم ما لصمتها من صخب وجلجلة سلوكية على ارض الواقع. ومن ضمن هذه الظواهر ما يلاحظ من انقطاع في «حبال» الاتصال بين الاخوة الى درجة قطع «الخدمة الاتصالية» نهائيا، ويحدث هذا في الوقت الذي تجد فيه ان هذه الحبال موصولة وموثقة مع الآخرين.. ومن هم هؤلاء «الآخرين».؟! هذا هو السؤال المليوني العضال.
فما ان يجتمع اخوان في مجلس واحد إلا وترى منهما «وعليهما» علامات وعلائم التجمل والتحمل والتململ قولا وفعلا، لاسيما من جانب الاخ الاكبر سنا، الذي من المفترض ان يفقه ويعي ان حقيقة وجود أخيه الأصغر في معيته خصوصا في حال صغر سنه يعني ضمن ما يعني تنمية شخصيته والحفاظ عليه من مقارفة ما يسوء في حال كان في صحبة أقران السوء. ومع ذلك فما ان يجمعهما القدر المشؤوم في مجلس واحد، الا «ويتكهرب» الجو، وتكتئب الاجواء، وتتعكر الامزجة.
فثمة اختلاف جوهري في شخصيات الاثنين الى حد التنافر والتصنع الفاضح المقيت، الذي قد يدفع بأحدهما الى تحاشي مناسبات اللقاء العائلية خشية الالتقاء «الاخوانية» يحدث كل هذا رغم حقيقة معرفة كل منهما واطلاعه على «حقيقة» الآخر، من حيث انهما كما يقال ابنا بطن واحدة، هذا ويظل الامر على هذا المنوال حتى يأتي احدهما الفرج بمغادرة احدهما، وهنا تنفرج الأسارير، وتبدأ نواجذ السرور بالظهور، مزحا «برزح» وبدون اي تحفظ او حدود. انها في الأساس عملية «اتصال» مقطوعة الاسلاك في جوهر «المكنة» المركزية، واعني بها المنزل، حيث لاشك في ان المسؤولية تقع على عاتق الاب، فالأبناء الكبار، وهكذا توريثا فوراثة فإرثا يدفع في النهاية ثمنه المجتمع فالعملية عملية خلل تربوي ما كان له ان يحدث لولا تخلف طرائق وسبل التربية في البيت أولا وأخيرا، مما أثر في مقومات وعناصر «الشخصية» المنسجمة مع ذاتها، الضرورية من ثم للانسجام مع شخصيات الآخرين. فالتنشئه الاجتماعية ليست الا همزة وصل بين الثقافة وشخصيات افرادها، والانسان «ابن عوائده ومألوفه» كما قال ابن خلدون في مقدمته فعلى عاتق التربية المنزلية على وجه التحديد تقع مسؤولية بناء شخصية الفرد الاجتماعي، بل ان المسؤولية التربوية الاولى للمنزل هي في الحقيقة بناء شخصيات افراده، وتزويدها بما من شأنه إن يجعلها متكيفة ومنسجمة مع ذاتها أولا، وثانيا مع شخصيات أفراد العائلة، ومن ثم مع بقية افراد المجتمع العام.
ختاما، بما ان هذه الظاهرة تبدو نتاجا لما وقع من خلل في الدائرة الأهم من دوائر التنشئة الاجتماعية واعني بذلك المنزل اذن فقل لي عن طبيعة انسجامك مع إخوتك أخواتك في حضور الآخرين، اقول لك «كل شيء» عن تربيتك..!
|
|
|
|
|