| مقـالات
يقول الشاعر محمد الفيتوري في قصيدته (يوميات حاج إلى بيت الله) :
(قوافل.. يا سيدي... قلوبنا إليك تحج كل عام
هياكل مثقلة بالوجد والهيام..
تسجد عند عتبات البيت والمقام...
تقرئك السلام..
يا سيدي عليك أفضل السلام..)
والقصيدة طويلة محفوفة بتلك النورانية الشفافة، ودعاء مثقل بالوجد والتبتل بين يدي الله في رحلة الإنسان الكونية العظيمة، رحلته إلى الحج.
وقد تمتلك تلك الرحلة أبعاداً كونية أعمق حينما تشير إلى رحلة الإنسان في حياته وما سوى ذلك من أبعاد فنية من الممكن أن تقدمها القصيدة.
وليس هذا ما أود أن أشير إليه، ولكن تجربة الفيتوري الشعرية نفسها، فالشاعر من أبرز الأسماء الشعرية في العصر الحديث والتي رفضت نمط الخليل التقليدي في العروض، واستبدلته بقصيدة التفعيلة الحداثية، والتي عبر من خلالها عن تجربة شعرية من أكثر التجارب الشعرية تميزاً في العصر الحديث.
وقد اعتقلت الكتابة الحداثية لفترة طويلة من الزمن (بشرك) تفسير (ايدلوجي) متزمت، فسر أي تجاوز أو خروج عن النمط التقليدي للعروض (الخليلية) إنما هو خروج عن مسلمات عقائدية تطال عمق الأمة، وقد رجم الكثير من شعراء الشعر الحديث سواء على المستوى المحلي أو العربي، بالمروق والزندقة، والعديد من النعوت المرعبة، لا لشيء سوى أنهم استقلوا قوارب أخرى في بحر الشعر غير القوارب الخليلية المعهودة.
وبعد انقشاع الغمة وهدوء الغبار نوعا ما اكتشف الجميع أنه من الخطأ والمجحف أن تحاكم الطروحات الفنية والجمالية، من خلال إطار عقائدي!! فعلى حين أن العقيدة هي مقدسة وخالدة، فإن الفن هو لحظوي وطارىء وخاضع لتقلبات الحياة وتداول الأيام، وليس من المنطقي أن نحاكم الفاني من خلال الخالد.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فالذين حاكموا الحداثة وكتابها واتهموهم بالزندقة والخروج، كانوا على الغالب ينطلقون من أحكام انفعالية وغير عميقة، فليس هناك من علاقة بين عروض الخليل وإسلامية الشعر بدليل أن عيون الشعر العربي هي قصائد جاهلية من بشر لم يعرفوا الإسلام قط، كما أن هناك الكثير من القصائد التي كُتبت في وقت لاحق، كان التزامها الوحيد هي أوزان الخليل بينما احتشدت بالتهتك والغزل الخلاعي المكشوف، والغزل في الغلمان..!!!
والقصيدة الحداثية التي في رأس الموضوع، هي قصيدة مفعمة بالمشاعر الإيمانية كتبها الشاعر وهو في طريقه إلى مكة، ولكن كتبها بطريقة حداثية...!!!
لذا فالحداثة مجرد وعاء، يحتوي المضمون لكن إطلاقاً لا يصبح جزءاً من تكوينه ولا ينتمي إليه.
والمذياع حينما دخل إلينا أسماه الكثير من البسطاء والسذج (بالشيطان) والآن هناك إذاعة القرآن الكريم، والتلفاز ومن ثم الفضائيات وصولاً إلى الإنترنت...
هي مجرد أوعية تنضح بما فيها، وليس من العدل أن نلغي تجربة ونقيم في وجهها السدود والعراقيل، ونتهمها بقوائم طويلة من النعوت والصفات العجيبة، والتي لا تبرز شيئاً سوى خوفنا الشديد وتقزمنا أمام كل ما هو جديد وطارىء، وعدم تمكننا من التصدي للمحدث بأدوات ذات ذكاء ودربة ومران، تجير شروره وتسخرها لصالحنا.
ان الجديد والطارىء هو بالضبط كخادم مصباح علاء الدين السحري إن لم تجيره لك، انقلب ضدك.
omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|