| متابعة
* القاهرة مكتب الجزيرة علي البلهاسي:
وضعت الحملة الأمريكية على الارهاب والحرب على افغانستان حكومة إيران في مأزق كبير ولعدة اسباب اولها الصراعات الداخلية بين الاصلاحيين والمحافظين حول الموقف من الحرب وثانيها حساسية العلاقة الايرانية الامريكية وثالثها ارتباط افغانستان بالمصالح القومية الايرانية.. هذه الأسباب ساعدت في خلق أزمة في القرار الايراني نحو الحرب على افغانستان وحاولت إيران تحت قيادة رئيسها الاصلاحي خاتمي اتخاذ موقف متوازن يتيح لها الخروج بأكبر قدر من المكاسب وتجنب حدوث خسائر سواء على المستوى السياسي الخارجي أو تفجر صراع بين التيارات المختلفة في الداخل.. كيف كان الموقف الايراني من هذه الحرب؟!.. وما هي انعكاسات هذا الموقف على المستويين الداخلي والخارجي لايران؟!.. وما هي حسابات المكسب والخسارة في الموقف الايراني من حرب أفغانستان؟!
التقرير التالي يجيب على كل هذه التساؤلات..
العلاقات الإيرانية الافغانية
تمثل أفغانستان أهمية كبرى بالنسبة لايران التي ترتبط معها بعلاقة خاصة ومصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية وما تفرضه علاقة الجوار والموقع الحيوي لأفغانستان بالنسبة لايران، وانطلاقاً من هذا فإيران تهتم بالأحداث والتحولات الداخلية الافغانية والتي تؤثر بدورها على المسائل الأمنية الايرانية.
كما تمثل أفغانستان أهمية سياسية بالنسبة لايران فقد كانت منفذاً لها للتواصل مع الخارج وكسر الحصار الأمريكي خلال العشرين سنة الماضية وتعتبر معبراً لها للتواصل مع الدول المجاورة في وسط اسيا والصين والهند كما تشكل أفغانستان سوقاً مهماً للبضائع والمنتجات الايرانية.
كما تشترك إيران مع أفغانستان بحدود طويلة يتركز بالقرب منها الشيعة الأفغان ويمثل هذا امتداداً للشيعة في ايران كما يحملها مسؤولية الدفاع عنهم اذا تعرضوا لمشكلات مع الحكومة السنية في كابول.
وعلى صعيد العلاقات السياسية خلال الأعوام الماضية فقد أثرت فيها التقسيمات الاجتماعية الموجودة في أفغانستان والصراعات والحروب المستمرة بين القبائل والفصائل الأفغانية، إذ شابت العلاقات الايرانية الأفغانية الكثير من الحساسيات منذ قيام الجمهورية الاسلامية في إيران، وتطور الأمر الى عداء مع قيام حركة طالبان بالاستيلاء على الحكم بتعصبهم الديني وتكفيرهم لأصحاب المذهب الشيعي وارتكابهم مجازر بحق قبائل الهزارة على الحدود الغربية لأفغانستان، واعتداءات بحق أعضاء القنصلية الايرانية في مدينة مزار الشريف وأدى هذا إلى اشتعال العداء بين إيران وافغانستان إلى درجة كادت ان تصل إلى نشوب حرب بين الجانبين، ونتيجة لهذا العداء مع حركة طالبان حرصت ايران على تدعيم قوات التحالف الشمالي وامدادهم بالمساعدات المالية والعسكرية وتدعيمهم سياسياً، في الوقت الذي شنت فيه إيران حرباً على المستوى الدولي لحشد المجتمع الدولي ضد طالبان وتدعيم كل الأطراف المعارضة لها. واعتبرت إيران أن حركة طالبان هي العدو اللدود لها في المنطقة.
مواقف متناقضة
في ظل هذه الظروف والعلاقات المتخبطة بين إيران وافغانستان جاء اعلان امريكا للحرب على أفغانستان ليضع إيران في مأزق حقيقي من موقفها من هذه الحرب خاصة مع تزايد الضغوط الامريكية على المجتمع الدولي لاعلان مواقفه من هذه الحرب على اساس انه من ليس معها فهو ضدها وتأتي هذه الضغوط في ظل توتر العلاقات وحساسيتها بين أمريكا وايران.
فبالرغم من عدائها لحركة طالبان إلا أن أفغانستان تمثل لها أهمية سياسية واقتصادية كبيرة وأي أحداث أو تحولات داخلها من شأنها أن تؤثر على وضعها الأمني والاستراتيجي، كما ان الطرف الآخر من المعركة وهو أمريكا لا تربطه علاقات جيدة مع ايران.
وهناك توتر كبير يشوب هذه العلاقات فقد ارتكبت امريكا جرائم في حق الثورة والشعب في ايران، كما ان موقفها المعادي من الثورة الايرانية وخلال الحرب الايرانية مع العراق واسقاطها لطائرة مدنية ايرانية إلى جانب فرضها لحصار دام لسنوات طويلة على إيران باعتبارها دولة راعية للارهاب ساهم في توتر العلاقات بين الدولتين وأوجد رأياً عاماً غاضباً تجاه أمريكا وسياساتها في الشارع الايراني ولدى الكثير من التيارات الايرانية المختلفة.ولذلك وجدت إيران نفسها في حيرة فهي من ناحية ترغب في الخلاص من حركة طالبان ولكنها تخشى على مصالحها في أفغانستان ومن ناحية اخرى فانها لا توافق على الحملة العسكرية على أفغانستان وترفض هذا النوع من السياسات الامريكية ولكنها تعلم أنها لن تستطيع الوقوف في وجه أمريكا، خاصة وان مستقبل علاقتها مع العديد من دول العالم وخاصة الدول الغربية يرتبط تماماً بالرضاء الامريكي كما انها ترى في هذه الأزمة فرصة تاريخية لتحقيق بعض المكاسب والخروج من عزلتها الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها وتبدأ في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الدول الأخرى.
ولاشك ان هذه التحديات والمواقفه المتناقضة التي يواجهها الخيار الايراني في موقف من الحرب على أفغانستان قد أثر في التوازن السياسي الداخلي في إيران خاصة بين تيار الاصلاحيين وتيار المحافظين خاصة مع ميل الحكومة لاتخاذ موقف مؤيد للحرب الامريكية على أفغانستان لتحقيق بعض المكاسب وهو ما فجر معركة داخلية من جانب تيار المحافظين ضد تيار الاصلاحيين الذي يقوده الرئيس خاتمي الذي حظي بتأييد في الشارع الإيراني ومن بعض القوى المؤثرة فيه.
وكان الاتجاه الاصلاحي يرى في تأييد أمريكا فرصة لتحقيق بعض المصالح الوطنية وتجنيب ايران عداءات الدول الغربية ووضعها على رأس الدول الراعية للإرهاب والمرشحة للتعرض لضربة امريكية في إطار حملة الحرب على الارهاب أو على الأقل ضرب حلفاء لايران مثل منظمات المقاومة العربية في لبنان وفلسطين وهو ما لمحت إليه امريكا وطالبت به إسرائيل أكثر من مرة.
اللعب على الجانبين
في النهاية لم تجد إيران مفراً من تأييد أمريكا في الحرب على أفغانستان وإن كان هذا التأييد قد شابه الكثير من الحذر والتقلب من حين إلى آخر في أشكال عدة وكانت إيران قد أدانت وبشدة الهجمات الارهابية التي تعرضت لها امريكا في الحادي عشر من سبتمبر وظهر هذا واضحاً في تصريحات الرئيس خاتمي وعدد من المسؤولين الايرانيين ومع بدء الحملة على أفغانستان أعلنت طهران انها متأكدة من مسؤولية بن لادن وتنظيم القاعدة عن الهجمات التي تعرضت لها أمريكا وأنهم يقبلون مبدأ الحق في معاقبة المسؤولين عن الجريمة، ولكنها رفضت أن يتم ذلك من خلال شن حرب على أفغانستان.
وأعلنت أنها لن تشارك في هذه الحملة الأمريكية وهو ما أوضح أن إيران قد اتخذت موقفاً ثالثاً يجنبها الوقوع في مشكلات ومخاوف وهو ألا تكون مع الارهاب ولا مع أمريكا وحتى تتجنب تفجر الصراع الداخلي.
ولكن هذا الموقف لم يدم طويلاً مع تسارع دول الجوار الاقليمي لأفغانستان ومعظم الدول العربية والغربية لتقديم تسهيلات وتعاون مع امريكا في حملتها ضد أفغانستان ولذلك فقد تغيرالموقف الايراني من هذه الحملة واتجه نحو التقارب مع أمريكا وقامت إيران كما تدعي بعض التقارير بتقديم معلومات استخباراتية بالغة الدقة والأهمية عن طالبان وتنظيم القاعدة، كما وافقت ايران على استخدام الاراضي الايرانية لنقل مساعدات الى الافغان مباشرة وتم عقد اتفاق بين ايران والولايات المتحدة فيما يتعلق بالهبوط الاضطراري للطائرات الامريكية في المطارات الايرانية في حال تعرضها لحادث او ضلت طريقها ومساعدة العسكريين الامريكيين اذا دخلوا الأراضي الايرانية خطأ، وتقديم المساعدات الطبية للمصابين منهم وأبدت إيران استعدادها للتعاون وفتح حوار مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي ولكنها رفضت الانضمام لهذا التحالف.
مكاسب إيرانية
لكن لعل أهم وأكبر المكاسب التي حققتها إيران من الحرب على أفغانستان بصفة عامة هو سقوط حركة طالبان والتي كانت تشكل تهديداً كبيراً لإيران، وكما حققت ايران العديد من المكاسب من جراء التقارب مع امريكا خلال الحرب فقد اعطت هذه الازمة الفرصة لايران في التقارب مع الغرب وتحسين صورتها وبالتالي تحسين علاقتها الخارجية والخروج من عزلتها التي فرضت عليها منذ عقدين كاملين.
وبالفعل بدأ وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي بمراجعة خطط من المفوضية الأوروبية بشأن اتفاق تبادل تجاري وتعاون مع إيران واستقبلت إيران وفداً يضم مسؤولين بارزين من دول الاتحاد الأوروبي على رأسهم وزير الخارجية البريطاني الذي زار إيران مرتين خلال الأزمة وبدا في الأفق انفراج في العلاقة الإيرانية الأوروبية.
ومن ناحية اخرى قررت امريكا منع طرح الشكاوى المرفوعة ضد إيران لدى القضاء الأمريكي من قبل الدبلوماسيين الامريكيين الذين احتجزتهم حركة «طلبة خط الامام» عقب استيلائها على السفارة والقنصليات الامريكية في إيران عام 1979م وجمدت وزارة العدل الامريكية شكاوى أخرى رفعها أسر عدد من قادة المعارضة ممن اغتيلوا في المنفى على أيدي عملاء الاستخبارات الإيرانية. ولعبت سويسرا دوراً وسيطاً في العلاقات الامريكية الإيرانية من خلال العديد من الرسائل التي بودلت بين البلدين عبر سويسرا.
على أن تحرير أفغانستان من حكم طالبان وعودة الهدوء اليها سيعطي إيران بعض المكاسب ايضا فلديها مايزيد على مليوني لاجىء يمكنهم العودة إلى افغانستان بعد هدوء الأوضاع وكذلك فإن إيران يمكن ان تحظى بنصيب كبير في عمليات اعادة بناء وإعمار أفغانستان.
لكن كل هذه المكاسب لن تمر هكذا دون ثمن من إيران كما أن معظمها مازال مجرد وعود قد تنفذ أو لا تنفذ ومازال مستقبل أفغانستان الذي تراهن عليه إيران غامضاً والحكومة القادمة قد تكون موالية لأمريكا مما يدعم وجودها في وسط آسيا وقرب الحدود الايرانية وهو ما تخشاه ايران منذ بداية الأحداث خاصة وان العلاقات بينهما لم تصل بعد إلى حد الاتفاق فمازالت أمريكا تعتبر إيران من الدول الراعية للارهاب ومازالت تضع منظمات المقاومة العربية مثل حزب الله والدول الصديقة لإيران مثل سوريا على رأس أهداف حملتها على الإرهاب ومازالت إيران تخشى وجود نفوذ عسكري امريكي في المنطقة المجاورة وهو ما يضر بالأمن القومي الإيراني.
ورغم أن إيران حرصت على أن تكون رابحة في هذه الحرب ولعبت على كل الأطراف وانتهجت سياسة المصالح إلا ان المستقبل مازال يحمل العديد من علامات الاستفهام حول مكسبها أو خسارتها.
|
|
|
|
|