| المجتمـع
* تحقيق : محمد يحيى عطيف جازان
تحفل منطقة جازان بالكثير من المواقع التاريخية والأثرية التي تعكس التاريخ العريق للمنطقة، وهذه الآثار الجميلة التي تعتبر كنزاً ثميناً للمنطقة تستحق كل العناية والاهتمام من قبل الجهات المسؤولة عن ذلك في المنطقة وهي عديدة، وقد تناولت وسائل الإعلام في كذا مناسبة الحديث عن هذه الآثار إما أخباراً مقتضبة وإما في تلميحات عاجلة عن تسوير أو اكتشاف أو زيارة لوفد ما إلى أي اثر من تلك الآثار .. الجزيرة في هذا التحقيق تسعى إلى بسط جميع نواحي الموضوع أمام أبناء المنطقة عن جميع الآثار الموجودة فيها وما تم اكتشافه وما لم يكتشف وما تم تسويره وما لم يتم.. ثم الشق الأهم متى ستكون هذه الآثار مقصداً سياحياً.. متى سيتم استثمارها سياحياً؟.. في السعي نحو ذلك توجهت الجزيرة في البداية للأستاذ المشرف التربوي بإدارة تعليم جازان رئيس وحدة الآثار والمتاحف: علي بن جابر شامي للتعريف بآثار المنطقة وجهود وحدته في هذا المجال ثم استعرضنا آراء بعض المسؤولين حول ذلك.. وخرجنا بالمحصلة التالية:
* بداية نود إعطائنا فكرة عن الأهمية التي تمثلها الآثار الموجودة في المنطقة؟
تعتبر منطقة جازان بسهولها الواسعة، وروابيها المخضرة وتضاريسها المتنوعة، وأطرافها المتباعدة، تعتبر كنزاً ثميناً من الآثار، ومنجماً نفيساً للمواقع الاثرية الهامة.
ذلك لأنها موطن الإنسان منذ الأزل، ومن المعروف أن الإنسان أينما نزل لابد وأن يترك أثراً سواء أكان أثراً من الطبيعة كبناء المدن والقلاع والحصون، أو أثراً في الفكر كالكتابة والرسوم أو النقوش مما يعكس فكراً عقدياً أو ربما اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً أحياناً.، أو ربما يفقده في مقر اقامته أو استيطانه كالعملات أو الآلات أو الأدوات عموماً. وكل ذلك متوفر في منطقة جازان. وقد ساعد على توفر هذه الآثار سواء المنقول منها أو الثابت: مناسبة البيئة المحلية في المنطقة للتمدن منذ آلاف السنين، ولا عجب في ذلك إذ ان المنطقة تحتضن بين جنباتها أكثر من عشرين وادياً.
هذا في النطاق السهلي أما النطاق الجبلي فيحتضن أضعاف ذلك، لأن لكل واد في النطاق السهلي العديد من الروافد التي ترفده من أعالي الجبال إلى سفوحها. ومن أشهر الأودية التي زهت بمظاهر التمدن المبكر: وادي جازان وضمد وصبيا وبيش وخلب وتعشر وعتود وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره. ومن هذه الخلفية يدرك الباحث الأهمية الأثرية لمنطقة جازان.
* نتمنى اعطاءنا نبذة شاملة عن جميع الآثار الموجودة في المنطقة: ما تشرفون عليه وما لم يكتشف بعد ان صح التعبير أو ما هو في طريقه للاهتمام به؟ وما الذي قدمتموه حتى الآن لآثار المنطقة؟
الآثار في منطقة جازان منها ما تم اكتشافه ومنها ما لم يستكشف بشكل كامل حتى الآن وذلك على النحو التالي: الآثار المكتشفة نوعان : المنقولة والثابتة، فأما المنقولة فهي ما تركه الإنسان وتقاذفته الأزمان حتى وصل إلينا كالعملات والنقوش التي على الصخر وشواهد القبول والأدوات الحجرية وقطع الفخار والأدوات المعدنية والملابس الجلدية والأسلحة وغيرها مما خلفه الإنسان ويمكن نقله من مكان إلى آخر. أما النوع الثاني فهو كالقلاع والحصون والقصور والآبار وغيرها من الثوابت. ونسجل اهتمامنا في الإدارة العامة للتعليم بتوجيه مباشر من سعادة مدير عام التعليم بالمنطقة أ.د. علي بن يحيى العريشي كلا النوعين حيث نقوم بالزيارات الميدانية للمواقع الأثرية المسجلة رسمياً لدى وكالة الآثار والمتاحف لتفقد أوضاعها، كما نقوم بالزيارات الميدانية في المحافظات والمراكز لاستطلاع مواقع اثرية جديدة ويسرني أن أزف البشرى للمهتمين بالآثار والتراث انه تم اكتشاف مواقع جديدة في مركز «الحميرة» بقطاع العارضة وهي عبارة عن مدافن اثرية دائرية الشكل ونقوش بالخط المسند القديم في كل من جبل المريّا وخالف المريّا والمروة. وفي مركز الخشل والحرث توجد (المعنق) وهي مدينة تاريخية لها ذكر في كتب التاريخ، وكذلك آثار في موقع يقال له (حسكول)، وربما يعود إلى عهود إسلامية متأخرة.
* هل يمكن أن تحدثنا عن متحف جازان؟ ومحتوياته؟ وما ملاحظاتكم عليه؟
نتطلع نحن هنا في المنطقة بكل رغبة وتفاؤل إلى اليوم الذي تتمكن فيه الجهات المختصة من إقامة متحف للآثار والتراث البحري للمنطقة ويكون مقره مدينة جازان باعتبارها حاضرة المنطقة والمدينة الساحلية الأولى فيها ومعقل آثار وتراث البحر والصيد والغوص منذ مئات السنين. ولمقام امارة منطقة جازان جهود حثيثة في هذا المجال. والآن تعززت الرغبة وتجدد التفاؤل بتولي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز امارة المنطقة حيث جعل المنطقة بصدق طموحه وعميق اهتمامه جعلها تستشرف مرحلة جديدة من البناء والنماء والتطور. هذا وقد وضعنا من جانبنا تصوراً أولياً مقترحاً لما سيكون عليه هذا المتحف البحري وهو في متناول الجهة المختصة متى ما أرادت ذلك.
أما متحف الآثار والتراث الشعبي بمنطقة جازان فمقره صبيا ويرجع تأريخ انشائه إلى عام 1403ه حيث أنشىء في موقع أثري يعرف بآثار الادارسة في محافظة صبيا. وهو يضم العديد من الأجنحة المتخصصة في المقتنيات الأثرية والتراثية. ونظراً لحاجته الماسة للصيانة فقد تعاقدت وكالة الآثار والمتاحف مع ثلاث مؤسسات وطنية في مجال النظافة العامة وتشغيل وصيانة الأجهزة الكهربائية ومكافحة الحشرات وكلها تعمل الآن في صيانته. ورغم ذلك إلا أنه ما زال بحاجة لترميم شامل يعيد له تميزه وجاذبيته، كما يقوم على إدارته نخبة من الكوادر الوطنية والمتخصصة.
أما متحف الآثار والتراث بفرسان فهو لا يزال مشروعاً في طور الدراسة والتخطيط لكنه يحظى بمتابعة وجهود مخلصة على أعلى المستويات الرسمية وقد تم تخصيص الأرض الملائمة للمشروع وهو قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ بمشيئة الله تعالى.
* هل للآثار هنا من وجهة نظركم دور في دعم السياحة أو هل يمكن أن تصبح معالم سياحية مستقبلاً.. كيف ترون الكيفية والآلية التي يمكن أن تشكل ذلك؟
تعتبر الآثار والسياحة وجهين لعملة واحدة، حيث يلاحظ أن جانباً كبيراً من المعالم السياحية هي في حقيقة الأمر معالم أثرية. إلى جانب ما تزخر به المنطقة من كم كبير من المعالم والأماكن السياحية المتميزة في قمم الجبال وسفوحها وعلى رؤوس الأودية وبطونها من غابات الأشجار ومروج المراعي وعلى شواطئ البحر وفي الجزر البكر. وآلية العمل السياحي هي أساساً موجودة لدى الجهات المختصة ولا أريد التحدث نيابة عن ذوي الاحتصاص في المجال السياحي فهم أدرى بشؤونه وشجونه ولكن كما تعلم فقد كان للإدارة العامة للتعليم المشاركة الفاعلة في دعم السياحة وتنشيطها ومن ذلك رعاية سعادة المدير العام للتعليم بمنطقة جازان الاجتماع التنسيقي الموسع الذي نظمته امارة المنطقة واستضافته الإدارة العامة للتعليم بالمنطقة في شهر ذي القعدة من العام المنصرم. وحضر الاجتماع عدد من مسؤولي الهيئة العليا للسياحة وأعضاء اللجان المحلية التي تشكلت في المحافظات والمراكز وأغلب أعضائها من مديري المدارس ووكلائها والمعلمين. وقد سبق ذلك التنسيق المبكر بين مسؤولي الوزارة في وكالة الآثار والمتاحف والهيئة العليا للسياحة. وعليه فإن التنسيق قائم ومفعّل بين الآثار والسياحة وعلى كافة المستويات. لكنني لا أرى أن دور الآثار ينتهي بتوظيفها سياحياً، بل لابد أن يكون لها دورها العلمي في اثراء البحوث والدراسات الأثرية والتاريخية التي من شأنها اضافة صفحات مشرقة إلى تاريخ بلادنا العزيزة، ويستوجب ذلك تنظيم أعمال التنقيب الميداني، والبحث المنهجي في آثار المنطقة أسوة ببقية المناطق الأخرى وإني على ثقة من أن ذلك في دائرة اهتمام المسؤولين في وكالة الآثار والمتاحف. هذا إلى جانب ما تزخر به المنطقة من مقدرات سياحية ومقومات أثرية واعدة فإن لدى المنطقة مرتكزات جوهرية ونقطة تحول فريدة هي تطلعات صاحب السمو الملكي أمير المنطقة نحو تنمية المقومات السياحية وتطويرها وتوظيف امكاناتها توظيفاً يليق بطموح وتطلعات سموه الكريم.
* طرح البعض فكرة مشاركة رجال الأعمال في الاستثمار في مجال الآثار مع اشتراط المساهمة في ترميمها وصيانتها والحفاظ عليها.. كيف ترى ذلك؟
منطقة جازان منطقة مترامية الأطراف، متعددة التضاريس والمناخ ففيها قمم الجبال التي تنظر للسحاب من علو، وفيها الأودية المتدفقة، وفيها الشواطئ الذهبية، والأمواج المتناغمة، والجزر الغافية، وأنواع الحياة الفطرية التي يندر وجودها في الكثير من بقاع العالم الأخرى. لكن ذلك لا يتسنى لذوي النظرة العابرة المتعجلة، أما رجل الأعمال المتمعن بمهمة جادة، فسيجد أن المنطقة ذات مرتكزات استثمارية جيدة. واعجبني في هذا المعنى قول وكيل الوزارة للآثار والمتاحف د. سعد بن عبدالعزيز الراشد في تصريحه لإحدى الصحف المحلية مؤخراً: «أن الآثار والسياحة مجال استثمار خصب لرجال الأعمال». واستشهد بأن عدداً كبيراً من شعوب العالم يقوم اقتصادها على الآثار والسياحة.
ورداً على نفس السؤال حول امكانية الاستثمار الجيد في مجال السياحة أوضح الدكتور علي بن يحيى العريشي مدير عام التعليم بمنطقة جازان أن جازان بعمق تاريخها ووفرة آثارها الموغلة في التاريخ تعتبر فعلاً مجالاً خصباً للاستثمار في مجال السياحة وتطويرها في المنطقة. واثنى على تعليق د. الراشد حول أن «السياحة والآثار مجال خصب لرجال الأعمال. وأعرب عن أمله أن نرى في القريب العاجل تنظيماً من الجهات المختصة في هذا المجال يدعو التجار ورجال الأعمال إلى تبني هذا الجانب مؤكداً أن هذا الاستثمار سيكون بمشيئة الله ناجحاً بكل المقاييس خاصة في ضوء الرعاية والاهتمام الكبير من صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز.
|
|
|
|
|