|
| متابعة
* القاهرة مكتب الجزيرة علي البلهاسي:
روسيا خرجت رابحة من الحرب على افغانستان.. هكذا يؤكد الخبراء والدبلوماسيون في اكثر من عاصمة اوروبية.. لكن ما هي مظاهر هذا الربح؟.. وكيف تحقق.. وهل صحيح ان التوتر الذي خيم على العلاقات الروسية الامريكية تحول الى شهر عسل دائم، خاصة بعد ان توطدت علاقات الصداقة الشخصية بين بوش وبوتين.
هذا التقرير يجيب على كل هذه التساؤلات..؟
ولعل البداية من احداث 11 سبتمبر التي تركت بصمات واضحة على العلاقات السياسية بين دول العالم واحدثت تحولات خطيرة في خريطة العالم السياسية وكانت التحولات التي حدثت في العلاقات الامريكية الروسية اسرعها واكثرها جذبا لانتباه المراقبين.. فحتى 10 سبتمبر ظلت الغيوم تحوم وتخيم على العلاقات بين البلدين وخاصة بسبب برنامج الدرع الصاروخي الامريكي واصرار الادارة الامريكية على المضي فيه واعلانها عن عزمها الغاء معاهدة الصواريخ المضادة سواء بموافقة روسيا او عدم موافقتها.. وحتى هذا التاريخ كان وزير الدفاع الامريكي يهاجم بشدة روسيا لتزويدها الدول المارقة بتكنولوجيا عسكرية حساسة ومعارضتها مشروع الدرع الصاروخي.
لكن بعد احداث سبتمبر تراجع هذا النمط من العلاقات وحل محله نمط اخر يوحي بالتعاون وبأن تصبح روسيا جزءا فاعلا ومشاركا في التحالف العالمي ضد الارهاب، وبدا في الافق تحول روسي كبير ومفاجىء نحو امريكا والغرب في محاولة لتحقيق اكبر قدر من المكاسب واستغلال الاحداث الاخيرة لصالحها لاسيما بعد ان ادركت ان امريكا في حاجة الى تعاونها بالفعل.
التحول الروسي
واجهت احداث سبتمبر وتطوراتها المتلاحقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باحد خيارين:
الاول: طريق العزلة وربما المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب.
الثاني: التوافق مع التحالف والمشاركة فيه.
وبعد تردد لم يدم طويلا حزم الرئيس الروسي امره واختار الطريق الثاني فبادر بوتين فور سماعه بالهجوم الارهابي في 11 سبتمبر بالاتصال هاتفيا ببوش وقدم له التعازي فكان من اوائل زعماء العالم الذين قدموا مواساتهم للشعب الامريكي.
ومع ذلك فقد اتسم الموقف الروسي ببعض التحفظ، ولم يكن تأييد موسكو للحملة الامريكية امرا سهلا، فقد دعا وزير الدفاع الروسي سيرجي ايفانوف منذ البداية الى ضرورة التحلي بالحذر لدى تناول موضوع ارسال قوات الى افغانستان وقال ان بلاده لن تشارك في هذه القوات مشيرا الى ان افغانستان ليست كوسوفو حيث الوضع هناك اكثر تعقيدا وحذر ايفانوف من مغبة اللعب بمشاكل افغانستان وقيام بعض الدول بمناورات من خلال شخصيات معينة من اجل ضمان مصالحها في هذه المنطقة واكد ضرورة تنشيط جهود المجتمع الدولي تحت رعاية الامم المتحدة والعودة الى الشرعية الدولية وعدم اتاحة الفرصة امام قوة بعينها للانفراد بالقرار، واعرب عن قلقه من توسيع الضربات لتشمل بلدانا اخرى مما يشكل خطرا على الاستقرار العالمي ويهدد دولاً ترتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا.
ودعا الكثير من كبار القيادات العسكرية الروسية الى التحذير من خطورة الوجود الامريكي في آسيا الوسطى وان حرصوا على المجاهرة بتأييد الحملات العسكرية ضد الارهاب، في نفس الوقت الذي يحاولون فيه تبرير الهزائم السوفيتية السابقة في افغانستان.
ورغم الاغراءات التي عرضت على روسيا بتحقيق بعض المصالح من جراء مشاركتها في التحالف الدولي ضد طالبان الا انه ظهرت مخاوف من سماح روسيا باستخدام امريكا لاجواء وقواعد بلدان آسيا الوسطى (طاجيكستان واوزبكستان وتركمانستان) والتي تعتبر من وجهة نظر الاستراتيجية الروسية بمثابة فناء خلفي للأمن الروسي.
كما تخوفت بعض القوى الروسية من ان الولايات المتحدة سوف تعيد ترتيب الاوضاع في افغانستان بعد انتهاء الازمة دون تشاور مع روسيا ودون مراعاة لمصالحها واستدعى البعض تجربة روسيا مع الولايات المتحدة خلال الحقبة الماضية واحباطاتها في عهد جورباتشوف ويلتسن.
ولم تستبعد التخوفات تعرض روسيا فيما بعد لعمليات انتقامية من قوات طالبان وتنظيم القاعدة واشتعال الاوضاع على الحدود الجنوبية لدول الكومنولث مما يهدد مصالحها وأمنها القومي.
تعاون وتضحيات كبيرة
لكن هذه المخاوف لم تقف عائقا امام استغلال الفرصة التاريخية التي وجدها بوتين في الازمة الراهنة لتطبيع العلاقات المتأزمة منذ زمن بعيد بين موسكو وواشنطن، وقررت روسيا فتح أجوائها امام الطائرات الامريكية المتجهة الى افغانستان وأعربت عن استعدادها للمشاركة في عمليات انقاذ داخل الاراضي الافغانية، وكشفت لاول مرة على لسان وزير دفاعها عن دعمها لقوات تحالف الشمال طوال الاعوام الماضية فضلا عن تقديم المعلومات الاستخباراتية عن بن لادن وقواعده.
ذهب بوتين الى ابعد من هذا بان سمح لبلدان آسيا الوسطى بان تسمح للولايات المتحدة باستخدام اجوائها وكذلك للقواعد العسكرية السوفيتية القديمة فيها ورغم ان روسيا طالبت بان يكون هناك دور لمجلس الامن الا انها لم تصر على استصدار قرار من مجلس الامن يسمح بالعمليات العسكرية ضد افغانستان.
دوافع التحول
ويحدد المراقبون قائمة طويلة لما يأمل ان يحصل عليه بوتين مقابل هذه التنازلات والتحولات على رأسها قضية الشيشان فهو لا يريد اي تدخل عربي في محاولاته لانهاء الثورة الانفصالية هناك، كما يريد بوتين اسقاط ديون روسيا الخارجية للغرب والتي تقدر بنحو 140 بليون دولار وان ينضم لمنظمة التجارة العالمية بشروط اكثر مرونة من المعروضة عليه، ويريد الاعتراف الامريكي بمصالح روسيا في وسط آسيا وإقامة علاقات وطيدة مع حلف الاطلسي واذا لم يتمكن من دخول الحلف كعضو كامل يضمن على الاقل تحييد اي تهديد عسكري محتمل في حال توسيع الحلف ليضم دولا اخرى في شرق اوروبا.
هكذا يطمح بوتين في الحصول على مكافآت ومزايا بالجملة لقاء مساعدته للولايات المتحدة في حربها على افغانستان ولكن مطامحه تجعله اكثر تعرضا للضغوط الامريكية فأمريكا تريد توسيع الحرب لتشمل دولا صديقة لروسيا في مقدمتها العراق.. فهل ستهمل روسيا حماية اصدقائها؟
مكاسب روسية
ويرى المراقبون ان روسيا قد حققت الكثير من المكاسب على الرغم من اعلانها مرارا عدم المشاركة في العمليات العسكرية ضد افغانستان فقد حرصت واشنطن على خطب ودها والاستجابة الى الكثير من مطالبها، وكان بوش قد اعترف بوجود علاقة تربط المقاتلين الشيشان بتنظيم القاعدة، كما اعلن المستشار الالماني شرودر ان روسيا يمكنها ان تفعل ما يحلو لها في الشيشان في اطار حربها ضد الارهاب، من جانب اخر تدفقت الوفود الامريكية السياسية والعسكرية والتجارية على العاصمة الروسية خلال الايام الاخيرة وظهرت التغيرات التي طرأت على مواقف واشنطن تجاه موسكو سواء فيما يتعلق بقضايا الامن والاستقرار او بعضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية والاعتراف بها كدولة تطبق انظمة اقتصاد السوق كما حرصت امريكا على الاستجابة لبعض مطالب الكرملين بشأن مستقبل افغانستان وتحولت واشنطن الى وجهة النظر الروسية الرافضة لتمثيل طالبان وعدم معارضة ما قاله بوتين من انه لا مكان لطالبان في اية حكومة مقبلة.
ويعتقد الخبراء ان روسيا ستكون الرابح الاول في الحرب بغض النظر عن كيفية انتهائها في ضوء حاجة الولايات المتحدة لقواعد في طاجكستان واوزبكستان وتركمانستان، كما ان توسيع امريكا لميادين الحرب لتشمل مناطق اخرى سيبرز دور روسيا بوصفها القوة الوحيدة القادرة على حماية هذه البلدان الثلاث في مواجهة القوى الاسلامية مما سيدفع واشنطن للاعتراف الصريح بالنفوذ الروسي في هذه الدول.
كما ان روسيا ترتبط بعلاقات مهمة بقوات التحالف الشمالي في افغانستان التي اصبحت الآن تسيطر على كابول ومعظم الاراضي الافغانية والتي تدين بالولاء لروسيا بعد ان تولت دعمها بالمال والسلاح خلال السنوات السابقة الى جانب ان هذه القوات تنتمي في الاصل الى دول آسيا الوسطى التي تخضع للنفوذ الروسي مما يجعل من قوات التحالف ورقة رابحة في يد روسيا يمكن استغلالها لزيادة مكاسبها كما قد يسعى بوتين للاستفادة من انشغال واشنطن بالحرب على الارهاب لاختراق مناطق دول البلطيق واوكرانيا من جديد وعلى وجه السرعة للتقليل من قدرة واشنطن التدخلية لاجهاض مخططاتها لاستعادة النفوذ الروسي في هذه المناطق.
|
|
|
|
|
