|
| مقـالات
لم تكن هذه الزاوية منذ بدايتها سوى مرآة عاكسة لهموم المجتمع ومد جسور التعاون وأواصر المحبة والتواصل مع أفراده بشتى فئاتهم دون تمييز، لأنها والحق يقال، لسان حالهم في كل ما يعتمل في صدورهم وكل ما تختزنه قلوبهم.
وهكذا ستظل هذه الزاوية شمعة مضيئة بإذن الله يستدل بها الحائر على دروب مستقبله ويأنس بها من يشعر بالوحدة وترتفع من خلالها معنويات من يشعر بالدونية واليأس ومن يحس بألا مكان له في هذه الدنيا نتيجة ما يواجهه من احباطات ومضايقات وحظ عاثر.
نعم، سوف تظل هذه الزاوية كذلك وأكثر بإذن الله طالما بقي الخير في أهل هذا الوطن المعطاء وطالما ظل أصحاب القلوب الكبيرة يظللون بحبهم وحنانهم وعطفهم من هو في حاجة ماسة إليهم، وطالما ظلت هناك ألسن تلهج بالدعاء بأن نكون مجتمعاً قوياً، متحاباً متماسكاً يخاف بعضه على البعض وان يكون تعاوننا دائماً على الخير والحب لصالح مجتمعنا وشعوب أمتنا ممن نحن قدوة صالحة ومرآة حقيقية لها دائماً بإذن الله.
وبحكم تعاملنا مع بعض الفئات الخاصة في المجتمع نجد حالات غاية في البؤس والتعاسة، غاية في الألم والمعاناة، غاية في التحمل والصبر، وأيضاً غاية في الرضا والقناعة. حالات لا يمكن أن تصدق نفسك مكانها لا لشيء سوى أننا مجتمع متماسك أعزنا الله بالاسلام وشرفنا بالانتماء إليه فارتفع شأننا به، وأكرمنا فصرنا لا نرضى بالدونية، ونهبُّ لمساعدة الضعيف والمحتاج أينما كان وتحت أي الظروف، لأننا بالفعل أصحاب قلوب رحيمة حانية وأيادٍ خيِّرة بيضاء معطاءة ممدودة بالخير، ولأننا وهذا هو الأهم، أصحاب رسالة سامية علينا أن نوصلها بكل ما تقتضيه الحكمة والقدوة والموعظة الحسنة والأساليب الإنسانية والتي ليس أقلها سوى التعامل الحسن من الآخرين.
لقد شاهدت بنفسي وبحكم واقع وطبيعة العمل مشاهد مؤثرة لفئات محتاجة من كل نوع، مشاهد تألمت لها، حزنت لها كثيراً وأمام واقع البؤس والمعاناة الذي شاهدته وعايشته رأيت أن أشارككم إياه كما هو دون زيادة أو نقصان لعلَّ وعسى أن يكون لي ولكم نصيب في الخير والأجر مهما كان قدره ولا سيما ونحن في شهر رمضان الفضيل وقد يبدو للبعض ومعه حق أن ما نتحدث عنه ربما يقع في دائرة أولئك الأسر المحتاجة مادياً لإشباع أبسط احتياجاتها وإن كانوا كثراً وهذا جزء منهم ولا شك لأن هذا النوع من الاحتياج صعب جداً ومذلٌّ جداً خاصة ممن لم يتعود عليه ويأنف ان يسأل الناس ولكن ماذا تقول وأنت أم بأطفالها الصغار تركب سيارة أجرة «ليموزين» كي تصل لفاعل خير، تنتظر ساعات طويلة أمام «الرايح والجاي» من أجل أن يأتي هذا الانسان، ومن ينوب عنه ويعطيها (400 500) ريال، منظر تراه يتكرر أمام عينيك ولا تملك إلا أن تشفق عليها وتسأل: ما هو مصير هذه الأسرة وأي مستقبل مظلم ينتظر أفرادها من هؤلاء الأطفال الصغار، وماذا سوف تكون شخصيتهم فيما بعد وما هي آثار هذه الحالة الاقتصادية المتردية وتلك الظروف الاجتماعية والنفسية الصعبة عليهم فيما بعد؟!
إنك قد تشاهد مظاهر خارجية لهذه الأسرة ولكنك لو زرتها بنفسك من الداخل حيث تسكن لزاد همُّك وتعاظم قلقك وتألمت كثيراً، فكل شيء بالداخل لا يمكن تصوره من الرداءة وقلة الحيلة بسبب الفقر حتى في أبسط الأمور الحياتية.
ونحن حينما نتحدث عن الحاجة الماسة لهذه الفئة وغيرها فلا نقصد فقط الحالة المادية الصعبة وإن كانت مهمة ولكننا نتحدث أيضاً عن فئة خاصة أخرى تعيش ظروفاً لا تقل صعوبة وألماً، ظروفاً نفسية قاسية قاهرة بسبب ما تلقاه من قهر وتسلط وسوء معاملة داخل أسرتها وكأنها ليست إنساناً، محاسبة على كل شيء وكأنها المسؤولة عنه، مراقبة في كل شيء وكأنها موضع اتهام دائم! محرومة من كل شيء حتى من إشباع عواطفها المشروعة والتعبير عن رأيها أو الادلاء بدلوها في أبسط الأمور أو استخدام أبسط الادوات المشروعة التي تبقيها على تواصل بالعالم الخارجي ومعرفة ما يدور فيه.
ابحث عن هذه الفئة، تجدها في كثير من البيوت وبالذات العنصر النسائي، ذلك العنصر الذي ما زلنا نعامله رغم أهميته وبالذات الكثير منا مع الأسف على أنه شيء ثانوي في الوقت الذي هو عنصر مكمل لنا لا نستغني عنه.
ترى كيف نكسب محبة الناس ونحن لسنا قادرين بعد على كسب محبة أقرب الناس إلينا؟ كيف نطلب التقرب من الآخرين ونحن ما زلنا بعيدين عمن هم حولنا ممن هم في حاجة ماسة لنا؟ كيف لنا أن ننام قريري العين بينما أقرب الناس إلينا تنام والدمعة على عينيها، تبحث عمّن يمسحها لها وعمّن يجلس بالقرب منها ليخفف ما بها ويسأل عنها ويطمئن عليها ويشعرها أنها ليست بمفردها في هذا الزمن المخيف الذي طغت فيه المصالح الشخصية والاعتبارات المادية على النواحي الانسانية؟
إلى متى ننتظر ونحن نرى هذه الصور والنماذج داخل أسرنا قبل أن نكون خارجها؟
ما يؤلمك بحق حينما ترى هذه المآسي بعينيك وتتأكد منها بنفسك أنك لا تستطيع أن تساعدها، صحيح أنك قد تساعدها بما يجود الله به عليك سواء بالمال أو بالكلمة الطيبة إن كانت محتاجة لها أو بالمعاملة الحسنة التي ربما تفتقدها، ولكن كم بإمكانك أن تعطيها منه وتقدمه لها؟ وإلى متى ستستمر؟ وهل أنت قادر بمفردك على توفير هذا الحنان والعطف مثلاً؟ وهل ستكون موجوداً حينما يحتاجك هذا الإنسان الذي هو في أمس الحاجة إليك في حينها؟ أم سيظل يجتر آلامه ويبتلع قهره ويتوحد مع نفسه في غرفته حيث البكاء أنيسه والدموع رفيقه والآهات هي عزاؤه إلى حين أن يأتي من يتفضل عليه ويشمله بعطفه ويسأل عنه؟
إن المسألة يا اخوان ويا أخوات؛ ليست مسألة فردية خاصة بي أو بك. إنها مسؤولية مجتمع بكافة أفراده، مسؤولية بعض أولياء الأمور ممن نسوا أو تناسوا أنهم مسؤولون عن انسان من لحم ودم. مسؤولون عن انسان من مشاعر وأحاسيس. مسؤولون عن انسان لا يقل حاجة عنهم.هذه الفئات المسكينة المغلوبة على أمرها، أفراداً كانت أم أسراً، بحاجة لمن يلتفت إليها، يتحدث باسمها وينقل مأساتها لأبناء مجتمعها، ثم ما فائدتنا إذا ظللنا نجتر الكلام ونملأ صفحات الجرائد بكلام انشائي لا داعي له دون أن يكون لنا دور ايجابي في المساعدة ومبادرات حقيقية عملية لهذه الفئة أياً كان نوع هذه المساعدة أو الدعم.
إن الكتابة رسالة وأمانة ونحن دائماً عون على الخير، كلٌّ منا يساعد ويساهم بقدر ما يستطيع.
وبالمناسبة، فنحن هنا لا نتحدث عن مثالية، فنحن لا ندعيها ولن يأتي ذلك اليوم الذي ندعي فيه أو نمثل فيه دور الرجل أو الإنسان المثالي لأن الكمال لله عز وجل فقط، ولكننا نريد ترقيق القلوب وتليينها والإحساس بالآخرين بطريقة معقولة غير مبالغ فيها. باختصار، نحن نريد أن يكون تعاطفنا وتعاملنا وإحساسنا ومشاعرنا بشكل عملي ولو بسيط. أهذا كثير؟
همسة
إن لم يكن الآن..
وقت حاجتي إليك..
وقت لهفتي عليك..
فمتى إذن تلتفت إليَّ؟
متى تمد إليَّ يديك الحانيتين؟
متى تضمّني إليك..
فتشعرني أنني منك؟
متى تساعدني..
وتقف بجانبي؟
***
هل تنتظر حاجتي لغيرك؟
للآخرين؟
هل تقبل بمساعدتهم لي؟
وهل ترضاها لنفسك؟
هل ترضاها لأقرب الناس لك؟
إلى قلبك ونفسك؟
وأنت موجود؟
***
نعم.. إن لم يكن الآن..
وقت حاجتي إليك.
فمتى إذن..
تشعرني بقربك مني؟
وحبك لي؟
وخوفك عليَّ؟
وسؤالك عني؟
وحرصك عليَّ؟
***
إلى متى انتظرك؟
متى تأتي إليَّ..
وتمسح دمعتي..!
التي كادت أن تجف في مآقيها..
دون أن تجد من يواسيها؟
***
متى تتفهم أساس مشكلتي؟
ومتى تقتنع أن بيدك الكثير..
والكثير جداً..
مما تقدِّمه لي..
في مواساتك لي..
في تفهمك لمشاعري وحاجتي؟
في جلوسك وحديثك معي؟
في وعدك لي..
بأن تظل معي؟
بألا تغيب عني؟
بألا تتركني لوحدي..
في عالم مخيف؟
لا أعرف فيه نفسي؟
في عالم غريب..
لا أعرف التصرف فيه لوحدي؟!
***
ألستُ أخوك في الدين..
قبل أن أكون قريبك؟
قبل أن أكون صديقك؟
قبل أن أكون حبيبك؟
ألستُ ابن وطنك؟
يهمُّك أمري؟
أليس ما يضرُّني يضرُّك؟
وما يسيء إليك يسيء إليَّ؟
***
فأرجوك لا تتأخر عليَّ
في مساعدتك ودعمك لي..
لا تتركني وحدي
غريباً بين الآخرين..
لا تتركني وحدي..
لظروفي الصعبة..
لا تتركني لمن يحاول..
استغلال ظروفي السيئة..
لمن يريد ضياعي..
***
فلستُ وحدي
من سوف يغرق..
ومن سوف يضيع..
بل آخرون..
أسرة كاملة
أسرٌ بكاملها..
وهناك مثلي..
كثيرون وكثيرون..
على حافة الهاوية..
سوف يسقطون ويسقطون..
الواحد تلو الآخر..
***
وحينها من ينتشلهم..
بعد فوات الأوان؟
من يغنيهم من ذلِّ السؤال؟
من يعيد إليهم الأمان؟
من يشعرهم بالاطمئنان؟
فهل ننتظر ذلك الزمان؟
ولمَ لا يكون الآن؟
ألا يكفي أنني إنسان؟
أم أن هذا الانسان..
لم يعد له سوق..
في هذا الزمان؟
لم يعد له حق..
حتى في الأمان؟
حتى مع أقرب إنسان؟.
|
|
|
|
|
