أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 28th November,2001 العدد:10653الطبعةالاولـي الاربعاء 13 ,رمضان 1422

محليــات

لما هو آت
صناعة الضَّحك...
د. خيرية إبراهيم السقاف
للضحك والإضحاك فلسفة فكريَّة لا تَخْفَى أدبياتُها على المثقفين، وذَوِي الاطلاع الواسع... وقد لا يحتاج الإنسان عامة إلى أن يُثبت ما للفطرة وغرائزها من دلائل ذات مفعول، أو أبعاد في حياة الإنسان، فما جُعل الضحكُ واحداً من السلوك الإنساني، أو البكاء، أو التألم أو سواهما من أساليب التعبير إلاَّ لحكمة تؤدَّى كي تصل إلى نتيجة هي بلاشك في مصلحة الإنسان...
ولقد منح الله تعالى الإنسان العقل ليتبصَّر به ويتفكر، ومعه البصيرة ليرى فيها ما لا تراه العين المجردة مما جعله يصل «تجريبياً» «ومخبرياً» و«معملياً» عن طرق الملاحظة، أولاً فالتحليل، فالتفسير، فالتطبيق إلاَّ أنَّ لخاصية الضحك عند الإنسان آثارها، بل نتائجها.
ووُجد من ضمن ما وُجد في شأنه أنَّه يُمارس ليس فقط بالقهقهة وانفراج الشَّفتين عن الأسنان، أو حتى بتلك التباشير على الوجه، بل بحركة الجسد التي تعبر عن الفرح الذي يعبر عنه الابتسام فالضحك فالقهقهة، وكما هو لصاحبه الصادر عنه، فإنَّه أيضاً يكون مؤثراً في المتلقي هذا الصوت أو ذلك المشهد «الجسماني» للمُضحك، أو الضَّاحك، أو الضّحوك، حتى إنَّ فنَّ «الكوميديا» يعتمد على الحركة الجسمانية في إثارة الضحك عند الناس من المشاهدين بمثل ما يكون من تأثير الحركات الصامتة الناطقة على الوجه، بل وُظِّفت لهذا الفن «الكلمة» المثيرة له، والمحركة لبواعثه في الإنسان...
وأصبح من الفنون الراقية التي يهتم بها عليةُ الناس ومثقَّفُوها بل ساستها ومفكروها وعلماؤها وباحثوها، إلى جانب عامة الناس ممن تقع عليهم مواقف ومشاهد هذا الفن فتحرك لديهم الرغبة في الضحك سواء بإدراك أبعاد هذا الفن «المقصود» الذي وجِّهت له النوايا، ورُصدت له الأهداف. أو بمجرد الفهم السطحي لما وراء الحركة من دافعيَّة. ولم يكن هذا الفنُّ الذي أخضع الضحك وسيلة إبلاغ وتعبير عن الغايات الاجتماعية والإنسانية يقتصر على ذلك أو يقف عند حد الترفيه الذي هو الصورة المبسطة له بل دخل حتى في التعبير عن المواقف الناقدة سياسياً، وفي أي مجال يكون محوره الإنسان وهذه الحياة الاجتماعية بقَضِّها وقَضِيْضِها حيث يمارس فيها وجوده، ويتطلع فيه إلى ما يحقق له الرفاه والأمان والعيش الكريم.
ولأنَّ الإنسان يعرف أنَّ هناك أسلوباً موحداً في التأدب مع مظاهر الضحك قوامه أن يكون في حدِّه الأمثل الابتسام، فإنَّه يحرص عند حدود التعامل مع رموزه القولية أو الحركية لأَنْ يثير هذا الحد الأمثل عند إبلاغه لمقاصده الفكرية في المشاهد الفنية، أو في الدعابات العامة، أو حتى عند التعامل الفردي بهدف الترفيه عن النفس ورفع ما يعْتَوِرُها من كآبة أو ضغط أو إعياء عنها...
ذلك لأنَّ أول أدوار الضحك الغريزية في الإنسان هي منطلقة من هدف خاص بصاحب الضحك يُضفي عليه لوناً من الإسعاد، ويجدد ما حوله من الرؤى الداكنة للوحة الحياة ذلك لأنَّ الإنسان خُلق في كبد.
فإذا استُغلَّ الضَّحِك وسيلةً للإضحكاك الجمعي بهدف النقد الفردي أو الاجتماعي في جانب من جوانب ممارسة الحياة والأداء في أدوارها المختلفة ومناحيها العديدة فكيف يتم استخدامه في شيء من التَّبَذُّل، والتسطُّح، والاستهتار بمستوى عقول الناس الذين لم يعد أحدهم في صومعة الجدار الطيني، أو في منعطف الشارع الشعبي، أو يعيش بين الدوابِّ، والدواجن؟...أو حتى يحلم أحلام البسطاء من النَّاس؟..
كيف يرقى الإنسان بنفسه، رُقِيِّه في واقعه، رُقِيِّه في طموحاته وأهدافه، وخططه؟ ولا يزال هناك من يصنع الضِّحِكَ ليُضْحِكَ الناسَ عليه؟.ويكشف عن سطحية الرؤية وتواضع الإمكانات الفنية والنقدية بل الفكرية التي لا تواكب المرحلة ولا الناس فيها ؟.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved