أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 28th November,2001 العدد:10653الطبعةالاولـي الاربعاء 13 ,رمضان 1422

متابعة

صورة من الإرهاب الإسرائيلي
محمود أبوهنود قاتل وطارد حتى لقي الله صائماً
* رام الله نائل نخلة:
«يا أبناء مدينة نابلس جبل النار.. ومصنع الثوار.. ومسقط الشهداء.. يا أبناء قريتي الحبيبة عصيرة الشمالية.. عصيرة الثوار والشهداء.. عصيرة القسام.. عصيرة معاوية وتوفيق ويوسف وبشار.. عصيرة على سوالمة ومصطفى رواجبه وعوني صوالحة وكل الشهداء والجرحى والاسرى.. اليكم جميعا اوجه تحياتي واشواقي.. ومن اجلكم جل دعوتي.. ومن اجلك يا فلسطين تطيب التضحيات.. ومن اجلك ياقدس نستلذ الآلام.. ولعيونك يا أقصى ترخص النفوس والأرواح...
جزء من وصية محمود ابوهنود خاطب فيها ابناء شعبه الحزين اليوم على رحيله، فخرج عشرات الآلاف باكين، مصدومين، حائرين، غاضبين، لجريمة صهيونية جديدة، ابوهنود، قائد كتائب عزالدين القسام في الضفة الغربية، يكون ضحيتها...
ويواصل ابوهنود الحديث: «الحمد لله الذي أكرمني وتفضل على بأن اختارني لأن أكون في صفوف خير الناس.. اخواني المسلمين: اوصيكم بتقوى الله اوصيكم بالعودة الى الله ونهج نبيه وسيرة صحبه المجاهدين الصالحين.. اوصيكم بالوحدة تحت راية الدين القويم.. واعملوا على تنشئة اولادكم وذراريكم على الاسلام.. اياكم واليأس والقنوط من رحمة الله ونصره ولاتستمعوا لصوت الجبناء والمتخاذلين الذين يخونونكم ويهددونكم بقوة امريكا واوروبا».
يوم الجمعة 23/11 ثلاث طائرات أباتشي، امريكية الصنع، تراقب سيارة اجرة فلسطينية، صفراء اللون من نوع فولكس، تسير ببطء على شارع فرعي بالقرب من مدينة نابلس، بركابها، الشقيقين مأمون وأيمن حشايكة، اضافة الي ابوهنود الذي كان يتخفى بزى فلاح فلسطيني، يلبس الحطة والقمباز ويضع العقال على رأسه، وعند اقترابها من بلدة ياصيد، حيث تعرجات صعبة، والتواءات حادة، وجبال شاهقة ومكشوفة، تنقض الاباتشي على فريستها بسبعة صواريخ، تصيب السيارة بشكل مباشر.
ويظهر شريط مصور بثه التلفزيون الاسرائيلي لحادثة الاغتيال نجاح ابوهنود في الافلات من الصواريخ التي اصابت السيارة، الا ان طائرات الاباتشي طاردته لمسافة 200 م تقريباً، واصابت الحافظ لكتاب الله بصاروخ مباشر قطع جسده الى اشلاء تناثرت على مساحات واسعة.
من هو ابوهنود؟!
ولد المجاهد محمود محمد احمد ابوهنود في قرية عصيرة الشمالية، شمال مدينة نابلس في 1/7/1956م.
بعد ميلاده اخذه ابوه الى جده ليريه اياه فنظر جده في وجهه وقال: «الله يعينه على مقارعة اليهود» فتعجب الوالد وكذلك الام من قول جده وحسبوه انه يهذي.
درس في مدارس القرية في المرحلة الابتدائية والاعدادية، كان هناك معلم مسيحي في القرية وكان يتهجم على الدين فكان محمود يقف له بالمرصاد ويدافع عن دينه وفي احد الايام ضربه المعلم لانه ناقشه وطرده من المدرسة فقام الوالد بضرب محمود واعادته الى المدرسة حتى لا ينقطع عن الدوام المدرسي.
وفي هذه المرحلة بدأ محمود بالالتزام بالمسجد وكانت بداية انتمائه للحركة الاسلامية، انهى التوجيهي في العام 1985 والتحق بكلية الدعوة واصول الدين في جامعة ابوديس بالقدس لمدة 8 سنوات تعرض للاعتقال 3 مرات من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
كان اثناء دراسته يتعرض للطلب والاستجواب لسلطات الاحتلال وكون معارف كثراً اثناء دراسته ولم يكن يمشي لمدة عشر دقائق حتى يلاقي احد اصحابه وكان اخوانه في الله يحبهم اكثر من اخوانه في الدم.
وكان لايخلو مهرجان اثناء دراسته الا ويحضره سواء اكان في غزة أو في الخليل أو في جنين.
تعرض في العام 1988م الى اصابته برصاص الاحتلال فأصابت الرصاصة كبده واخترقت الطحال وأثناء نقله في سيارة الاسعاف قال له الضابط بعد ان داس لحيته ستموت هنا فقال له محمود: «اذا لي عمر لا انت ولا كل دولتك بتنهي عمري».
بعد خروجه من المستشفى ذهب الى صلاة المغرب وكان الجيش الاسرائيلي بانتظاره على باب المسجد فاعتقلوه لمدة ستة شهور اداري.
تجربة الابعاد
في العام 1992، أبعد ابوهنود مع 400 من قيادات حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد ان خطف وقتل من جهازها العسكري جندياً اسرائيلياً بالقدس المحتلة.
حسن يوسف (ابومصعب)، الناطق الاعلامي لحماس في الضفة الغربية يتحدث عن تجربته مع ابوهنود قائلا وقد اغرورقت الدموع من عينيه حزناً والماً على شهيد فلسطين، ايها المجاهدون، يا ابناء فلسطين، انني اعرفه عن قرب.. نعرفه وهو طالب جامعي في جامعة القدس يدرس الشريعة.. نعرفه وهو حافظ لكتاب الله.. نعرفه في الابعاد وقد قضيت معه سنة كاملة.
ويتابع ابومصعب الحديث: «كان رحمه الله من لجنة المغاوير» ونحن نعيش أول أيام الابعاد، حيث المطر والبرد القارس، أشبه ما يكون بالحياة البدائية، فكان من الاخوة الذين تبرعوا بالخروج في منتصف الليل يسيرون مايزيد على 15 كم من اجل احضار الخبز لاخوته المبعدين».
ابوهنود الذي كان يجعل اخوانه المبعدين ينامون، لاننا كنا ننام في تلة الافاعي، كان ابوهنود يقول لاخوانه ناموا، فيمسك عصا بشعبتين ليمسك بهات الافاعي والعقارب، وقد امسك مايزيد عن 50 افعى من امام الخيام التي ينام بها المبعدون.
وكان ابوهنود نجا من محاولتي اغتيال فاشلتين خلال اقل من عام، الأولى في السادس والعشرين من شهر آب عام 2000 عندما حاصرت قوات خاصة من جيش الاحتلال منزله في بلدته، ولكنه تمكن من الفرار بعد ان قتل ثلاثة منهم، ويصل الى احد مستشفيات نابلس، تحاصره السلطة وتودعه السجن.
وفي المرة الثانية قتلت اسرائيل 13 شرطياً فلسطينياً عندما قصفت بطائرات اف 16 السجن الذي يحتجز فيه وتمكن من الفرار.
واعتبر ابوهنود ولسنوات المسؤول عن تجنيد عشرات الاستشهاديين الذين نفذوا عمليات في عمق الدولة العبرية التي قتل فيها 70 اسرائيلياً وخصوصا الشبان الخمسة الذين فجروا انفسهم في العام 1997م وتبين ان معظمهم جاءوا من بلدة عصيرة الشمالية الخاضعة للسيطرة الامنية الاسرائيلية وللسيطرة المدنية الفلسطينية.
وتشير مصادر امنية اسرائيلية الى ان ابوهنود تمكن من الاختفاء والمراوغة لفترة طويلة مستغلا لون عينيه الازرق وشعره الاشقر.
وبحسب احد اشقائه، كان ابوهنود يتخفى بصورة مختلفة، منها على هيئة شاب مراهق، يرتدي ملابس فضفاضة، وسلاسل، ويقص شعره بطريقة غريبة، أو على هيئة فلاح او رجل عجوز أو امرأة.
وكان محمود تخفى في هيئة فلاح عندما اغتالته اسرائيل، حيث كان متوجها من مخبأ إلى آخر.
وتروي اسرته انه كان يستخدم طرقا بدائية في تنقله بين المدن في حالات تشديد قوات الاحتلال ملاحقتها له.
وقد روى لي أثناء زياراتي له في السجن انه انتقل من الخليل الى نابلس ذات مرة راكبا حماراً، وانه غرق خلال رحلته هذه في بركة من المياه العادمة، مما ادى الى تلف غذائه وسلاحه.
وسبق ان اصيب مرتين بضربة شمس ادخل اثر احداها الى مستشفى المقاصد باسم مستعار، وامضى كثيراً من الليالي في بعض الكهوف.
وحتى جنازة ابوهنود كان لها شكلها الخاص، فالجثمان الطاهر الذي لم يتمكن احد من ادخاله ليلا الي مسقط رأسه بلدة عصيرة الشمالية تنقل بين الطرقات الترابية الوعرة بين مدينتي جنين ونابلس، وبعد وصول الجثمان الى بلدته عصيرة قام بوداعه عشرات الآلاف من مختلف انحاء فلسطين الذين لم يردعهم سوء الاحوال الامنية وقوة الحصار على المشاركة بالتشييع.
وأبى أهل مدينة نابلس التي عاش ابوهنود في اكنافها الا وداع هذا البطل الذي قام عشرات الشبان بالتناوب من جديد على حمل جثمانه الطاهر من بلدته عصيرة ومرورا بقرية زواتا التي تطلب نقل الجثمان عبرها الى مدينة نابلس الى حمل الجثمان بين الاراضي الزراعية والطرق الجبلية الوعرة ليشهد ابوهنود حتى في مماته حواجز الاحتلال.
ولكنها ربما كانت مشيئة الله ان يتنقل ابوهنود في رحلة وداع اخيرة في كل جنب من جنبات الجبال والسهول التي عشقت مروره عبرها ايام مقارعته الاحتلال، وبدا كل شيء حزينا وحتى الأرض التي عشقها ارتوت بدموع المشيعين.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved