| الاقتصادية
يبدو أن الادارة لدينا لا تعاني من أزمة فقط بل هي تعاني من عدم الرغبة الجادة لتطويرها ونقلها من عمل مشاع يمارس بالمحاولة والخطأ الى تخصص له نظرياته وأسسه وطرائق التعامل معه، حيث تبرز هذه المشكلة في عدم قبول الكثير منا لنظريات الادارة وأساليبها. بل ان الأمر يتجاوز عدم القبول الى التسفيه والسخرية وترديد كلمة «نظري» التي تحولت مع الوقت ومع الأسف الشديد الى شتيمة يسعى الجميع الى الخلاص منها عند الحديث أو الممارسة والعمل على نزع صفة النظرية منه حتى لو كان ذلك الأمر يقوده الى التخبط والضياع.
إن ما يجب ان ندركه، ان النظريات الادارية التي تم تطويرها في الغرب والتي هي السائدة في مناهجنا وفي برامجنا التدريبية لم تنشأ من فراغ، بل هي ممارسات تم توثيقها وتدوينها وصياغتها في نظريات تدرس وتمارس. صحيح أنه ليس كل النظريات قابلة للتطبيق بحذافيرها، فبعضها قد يكون ملائما للتطبيق كلية وبعضها قد يكون جزؤه فقط قابلا للتطبيق، ولكن هذا لا يعني رفض الأمر البتة والاقلال من النظريات ودورها في الرقي بوضعنا الاداري. إلا ان المتأمل قد يجد مخرجا لبعض أولئك الرافضين للتنظير حينما يصادفون بمن يسعى لفرض نظرياته التي استقاها من الكتب كما هي بعيدا عن الواقع الذي سيتم تطبيقها فيه، وبعيدا عن تهيئة الآخرين لتقبلها والتعامل معها. كما أنهم قد يعذرون حينما يجدون فرقا في البيئة التي منها بزغت تلك النظريات وبين بيئتنا المحلية التي يتم فيها التطبيق دون مراعاة للفوارق الاجتماعية والثقافية، بل والسلوكية بين البشر والعمل على التهيئة لقبول تلك النظريات والتعامل معها.
الخلاصة، ان رفض الأسلوب العلمي في الادارة والمتمثل في تسفيه النظريات الادارية والسخرية منها معضلة تقف أمام تطورنا وممارساتنا الادارية سواء في قطاعنا العام أو قطاعنا الخاص. مما يحتم علينا النظر في أسباب ذلك وهل هذا ناجم عن طبيعة النظريات المستوردة أو هو خلل ثقافي اجتماعي يرفض العلم وأساليبه، أم هو سلوك متجذر لدى الأفراد يأنف التغيير وبالتالي لا يقبل هذه النظريات لما قد تحدثه من تغيير في أمور اعتاد ممارستها. نقول ذلك ونحن ندرك ان ما حصل من تطور تقني واقتصادي في الدول الغربية واليابان كان مرده التقدم الاداري المبني على أسس وأساليب علمية أمضى الباحثون والدارسون زمناً لاستخلاصها وتوثيقها حتى أصبحت علما يدرس وأسلوبا يمارس مع قابليته للمراجعة والتطوير والاضافة بين يوم وآخر.
|
|
|
|
|