| القوى العاملة
قد لا اضيف الكثير من جديد الكلام حول تباين منظومات العمل في الشركات والمؤسسات فمعلوم ان لكل شركة او مؤسسة فلسفتها وخططها في رسم مسارها وتوجهها والثابت انهم يتفقون حول تحقيق هدف واحد وهو رفع مستوى الانتاجية لتحقيق العائد المادي وليس في ذلك من بأس ولكن ما يجب ان يعرفه الجميع أين موقع الأمن الوظيفي من ذلك؟! وهذا ما يقودنا للقول بان هناك بعض الشركات لا تعير اهمية للامن الوظيفي مستعيضة عنه بزيادة في الرواتب اعتقادا منها بان زيادة الدخل هي غاية ومطلب كل موظف مدللين على صحة ذلك بتدفق طالبي العمل لدى تلك الشركات قد يكون ذلك المنظور جذاباً وذا بريق في حينه ولكن ماذا عن تداعيات ذلك على مستقبل الموظف وطموحه الوظيفي؟ والجواب على هذا السؤال يحملنا لطرح الموضوع من جميع جوانبه لعلنا نصل للغاية التي من اجلها كتب المقال..بادي ذي بدء يحسن بنا التطرق للاسلوب او الصيغة المعمول بها للترقية في بعض الشركات قد يقول قائل ان ترقية الموظف مرهونة بزيادة انتاجيته وعطائه وبصرف النظر عن الاقدمية او المؤهل العلمي ودون تحديد زمني للترقية والغاية من ذلك بطبيعة الحال توسيع نافذة التسابق لاقتناء الفرص بغية تفعيل الانتاجية وهذا المنحنى مبني على الاعتقاد بان وضع سقف زمني للترقية قد يقلل من طموح الموظف فترهل تطلعاته الامر الذي ينعكس على تدني عطائه الى هنا السياق جميل ومقنع من الناحية النظرية على الاقل ولكن لا يمكننا فهم واستيعاب موضوعية ذلك المنطق والتأكد من جدواه الا بالاجابة على جملة من التساؤلات..هل يكفي ان يرقى موظف تحت «لافتة» انه منتج وحسب؟! وحتى لو سلمنا ضمناً بذلك فما المعيار الذي يقيم به الموظف ومن الذي يقيمه؟ وهل هذا المعيار ثابت ويطبق على الجميع ام انه معيار مطاط قابل للتمدد والانكماش تبعاً للمتغيرات والاهواء؟! ورب مجيب على تلك التساؤلات بالقول ان المدير هو الذي يقيم الموظف وفق ما يظهره من انتاجية قد تقنعنا تلك الاجابة في حال افترضنا ان جميع المديرين على مستوى من الموضوعية والتفاني ومنزهين عن المحاباة والتحامل في تقييمهم لموظفيهم! وقد لا نفارق الحقيقة اذا قلنا بان تلك الصفات تبقى ضرباً من المثالية ومجرد فرضية لاترقى الى الواقع وان وجد مثل ذلك المدير فهو من قبيل الاستثناء فالقاعدة لا ريب اشمل واعم من الاستثناء خصوصاً اذا كان الامر يتعلق بأهم حاجات الموظف اذ ليس من استقامة التفكير ولا من الانصاف ان يوضع حق تقرير مصير الموظف بيد مديره! ومهما يكن من امر فهناك اسباب كثيرة تستدعي التأمل وربما اعادة النظر في ذلك المنحنى نوجزها بالآتي:
1 ان عدم وضوح معايير للترقية ولوجود الفروق الفردية بين المديرين تزيد من تعقيد عملية تقييم الموظف فما يراه مدير ما بانه يستحق الترقية قد يراه مدير آخر بعكس ذلك تماماً «النسبية» فتجد ادارة يرتقي موظفوها بسرعة بينما في ادارة اخرى مكانك راوح الامر الذي يؤدي لتخبط الموظفين وتنقلهم من ادارة لاخرى بحثاً عن ترقية.
2 عدم التدرج بالترقية حدا بوصول البعض سريعا لمنصب مدير وبالطبع بالسلم «المتحرك» ودون الحد الادنى من الخبرة يجعله لا يستوعب حجم المسؤولية فيمارس سلوكيات لا ترقى لذلك المنصب خصوصاً اذا علم ان «مفاتيح» الترقية بيده يفتحها لمن يريد ويقفلها بوجه من لا يريد؟! فمن المؤكد والحالة هذه ان يسود الادارة جو من التعسف والفوضى وربما المزيد من الترهات الادارية.
3 بعض المديرين قد يستحلي تلك الصلاحية ويستغلها «كطعم» يساوم عليه الموظفين لتحقيق مصالحه الشخصية! فالموظف هنا امام امرين لا ثالث لهما فاما ان يسبح في مستنقع المدير ويحصل على الترقية كيفما اتفق واما ان يتمسك بمبادئه ويتجرع نتيجة ذلك فيجمد على وظيفته وربما يهمش ولا يستبعد ان يلفظ الى ادارة اخرى.
4 ان اكثر ما يثير حفيظة الموظف وسخطه رؤية زميل له في ادارة اخرى واقل منه كفاءة تأتيه الترقية على «طبق من فضة» بينما هو في مكانه وتزداد المفارقة ايلاماً عندما يكون ذلك الموظف المرقى يعمل في نفس القسم او الادارة دع عنك اذا كان حديث عهد بالوظيفة! اليس في ذلك مدعاة لتثبيط عطاء وانتاجية من يعملون باخلاص وجدية.
5 لا جدال بان اهم مقومات المدير الناجح هي قدرته على ايجاد الالفة والثقة مع وبين موظفيه وذلك قطعاً لن يحدث مع مدير هو اصلاً يفتقد الامان! وبحسب ذلك فالمدير ليس باحسن حالاً من موظفيه فقد يطالبه التوجس والقلق على مركزه من جراء ما يراه من تخبط وغياب الامن الوظيفي متوسلاً كل الاساليب الكفيلة بالمحافظة على منصبه فقد تأخذه العزة بالاثم فيلجأ لعدم ترقية موظفيه خوفاً من ان يأخذ احدهم مكانه! والمضحك المبكي عندما يأتيه من يأخذ مكانه من ادارة اخرى؟!
6 ما بال الامر لو علمنا ان بعض الموظفين من اصحاب الاعمال الروتينية التي لا تتطلب مهارة وانتاجيتها غير محسوسة كيف السبيل الى ترقية هؤلاء وفق ذلك المنظور وهل يبقون كثيراً على ذلك الوضع كالذي يجدف ضد التيار كما لا يفوتنا في هذا السياق التذكير بان بعض المديرين قد يلجأ لهذا الاسلوب العقيم وهو وضع الموظف في ذلك الطوق في حال عدم الرغبة في ترقيته وتحت غطاء انه موظف غير منتج!؟
ملخص القول يتوجب على تلك الشركات والمؤسسات ايلاء اهمية للامن الوظيفي وان يتصدر قائمة اولوياتها فهو بالنسبة للموظف «مصده» امان تقيه من المتغيرات الادارية وربما تقلبات امزجة واهواء بعض المديرين! وتبقى وجهه نظر لابد من ذكرها..لماذا لا يستحدث نظام للترقية على غرار النظام المعمول به في وزارة الخدمة المدنية تحدد فيه المدة المستحقة للترقية ولا بأس من اضافة بعض الحوافز التشجيعية «علاوة اضافية دورات داخلية وخارجية» لمن يظهرون عطاء وانتاجية عالية وبذلك نكون قد حققنا الامن الوظيفي وزيادة الانتاجية في آنٍ فهناك حقيقية مؤداها ان مواهب الموظف وابداعاته لا يمكنها ان تظهر دون ان ينعم بالامن الوظيفي.
علي بن سعد الزامل
الرياض ص.ب 90458 الرمز 11613
|
|
|
|
|