| الاقتصادية
نشرت جريدة الجزيرة في العدد رقم 10640 الصادر يوم الخميس الموافق 30 شعبان 1422ه تصريحاً لمعالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية تضمن الإشارة إلى أن هناك دراسة لمنح راتب بطالة للعاطلين عن العمل من الذكور والإناث السعوديين.
وعلى الرغم من أن الموضوع لا يزال تحت الدراسة إلا أن من واجبنا كمهتمين بقضايا سوق العمل المساهمة في تناول مثل هذا الموضوع والتنبيه إلى العديد من المحاذير المترتبة على تخصيص راتب بطالة للعاطلين عن العمل.
ولعل من أهم المحاذير المرتبطة بمثل هذا الإجراء أنه يساهم في القضاء على أو إضعاف الحوافز لدى العاطلين عن العمل في البحث عن عمل أو قبول المتاح من فرص العمل خاصة إذا كان الفارق بين راتب البطالة وراتب فرصة العمل المتاحة قليلاً أو لا يتناسب مع تطلع العاطل عن العمل .
كما أن إقرار راتب للعاطلين عن العمل سيساهم بلا شك في إطالة فترة البطالة لدى العاطلين عن العمل لانخفاض تكلفة البطالة المباشرة وغير المباشرة والذي بدوره سيزيد من أعداد العاطلين عن العمل ويرفع من التكلفة المباشرة للمشروع والخسائر الهائلة في الناتج المحلي الإجمالي.
وإذا كان المجال لا يتسع للتعرض لكل الآثار السلبية المتوقع ارتباطها بقرار منح العاطلين عن العمل راتب بطالة، فإن من الأولى الإشارة إلى أن النظريات الاقتصادية الجزئية قد تطرقت لهذا الموضوع كما تطرقت لتجارب الدول المتقدمة خاصة الولايات المتحدة الامريكية التي وجدت في مثل هذا الإجراء تشجيعاً للعاطلين عن العمل على التوسع في الاستمتاع بأوقات الفراغ على حساب الإنتاجية الفردية مما قاد إلى استبدال راتب البطالة بإجراءات أكثر فاعلية كالتدريب المباشر وغير المباشر والتدريب على رأس العمل وغير ذلك من الإجراءات التي تزيد ولا تحد من مشاركة الشباب الفاعلة في العملية الإنتاجية.
وفي هذا الخصوص نشير أيضا إلى الانتقاد الشديد الذي وجهته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لسياسة سوق العمل الدنمركية لتركيزها على ما سمته بالدعم السلبي للدخل المتمثل في ارتفاع مخصصات العاطلين عن العمل مما أدى إلى زيادة أعداد العاطلين عن العمل لتصل إلى ما نسبته 12% من إجمالي القوة العاملة الدنمركية.
ونتيجة لهذا الانتقاد قامت الحكومة الدنمركية بإقرار السياسة الفاعلة لإصلاح سوق العمل في عام 1994م التي ركزت على تفعيل دور الفرد في البحث عن العمل من خلال إقرار ما يعرف بخطة العمل الشخصية Personel Action Plan التي اشتملت على معدلات تعويض أقل مع ربطها ببرنامج زمني محدد لتفعيل العاطل عن العمل، وبالتالي فإن بالإمكان الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة مع الأخذ في الاعتبار الحالة الخاصة لسوق العمل السعودي الذي يعج بأعداد هائلة من العمالة الأجنبية التي تتنافس مع العمالة الوطنية على فرص العمل المتاحة مما يزيد من فرص بقاء الشباب السعودي خارج أسوار سوق العمل.
وإذا كانت هذه هي الحالة فإن من المنطقي القول بأن تنفيذ البرنامج القاضي بمنح راتب للعاطلين عن العمل سوف يكلف الميزانية العامة أموالا طائلة بلا فائدة عملية لكون الخلل الرئيسي وراء بقاء الشباب بلا عمل لا يتمثل في ندرة فرص العمل بل في إشغالها بالعمالة الأجنبية مما يعني طول فترة البطالة وارتفاع تكلفة البرنامج للعامل العاطل.
وعموماً فإنني لا أنكر جدوى مثل هذا المشروع ولكنني أحببت فقط التنويه إلى أن إصلاح الخلل لا يمكن أن يتم من خلال التعرض للنتائج وترك الأسباب إذ لا بد قبل أن نفكر في البطالة والعاطلين عن العمل أن نسأل عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة الغريبة كما علينا دائما أن نتساءل لماذا نسعى إلى البرامج التي تكلف الميزانية العامة الأموال الطائلة ولا نلتفت إلى ما يقع تحت أيدينا من إجراءات تتطلب فقط تركيزاً إدارياً وعزماً صادقاً على تحقيق الإصلاح على أرض الواقع.
أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|