أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 26th November,2001 العدد:10651الطبعةالاولـي الأثنين 11 ,رمضان 1422

مقـالات

عندما نخاطب أنفسنا..
هل لدينا إعلام عربي فاعل في الساحة الدولية؟
يوسف القبلان
سؤال يمكن الإجابة عليه بطريقة إنشائية بسبب عدم توفر الحقائق والأرقام.
إن غياب هذه الحقائق والأرقام هو احدى الظواهر العالقة بالسلوك الإعلامي العربي، وهو الذي يجعله غير مؤثر في الرأي العام العالمي.
إن القضايا العربية بشكل عام ومنها قضية فلسطين يتم تناولها اعلاميا ولكن بخطاب موجه الينا نحن العرب، فالرسالة منا والينا، نحن المرسل والمستقبِل.
ولهذا فنحن نتحاور بلغتنا العربية حول قضايا عربية وعالمية، نحن نرسل الرسالة ويستقبلها مستقبِل عربي يعرف كل ما يستقبله ويدرك الرسالة ويستطيع المشاركة في إثرائها، ثم بعد هذه المحاور العربية ارسالا واستقبالا نفتح التلفاز على القنوات الفضائية العالمية لنجد انها في واد ونحن في واد آخر.
هذا جانب من المشكلة؟
فما هو الحل؟
لا شك اننا بحاجة الى وسائل اعلام قوية (صحافة، اذاعة، تلفزيون) وغيرها تخاطب المستقبِل غير العربي وبلغة من اللغات الحية، وسيلة اعلامية ترصد لها امكانات مالية وبشرية قوية تجعلها قادرة على ان يكون لها موقع قدم على الساحة الدولية.
إذا وجدت هذه الوسيلة يمكن بعد ذلك بحث الجوانب الاخرى من المشكلة ومن اهمها تطوير الخطاب الاعلامي والتعامل بلغة الارقام والحقائق وليس بلغة الشعارات.
إن وسائل الاعلام العربية الحالية بكمها وكيفها لن تخدم القضايا العربية بصورة فاعلة ولن تؤثر في الرأي العالمي ما لم تخاطب هذا العالم باللغة التي يفهمها وبالأسلوب الذي يمكن ان يؤثر في توجهاته وهو الأسلوب الاعلامي العلمي إن صح التعبير المدعم بحقائق التاريخ والجغرافيا، ولغة الأرقام.
إننا بحاجة الى تطوير لغتنا الاعلامية، بل وحتى لغتنا الاخبارية بطريقة تجعلها مؤثرة ليس على المستقبِل العربي ولكن على المستقبِل غير العربي الذي يريد ان يكتشف ويتعرف على الحقائق، ويكوِّن رأيا واتجاها، ويريد ان يجد اجابات على اسئلة كثيرة فلا يجد من يجيب على تساؤلاته الا مصدر واحد ولكنه مع الأسف مصدر غير محايد!!
إن غياب المصدر الاعلامي المحايد كان ولا يزال فرصة للمصادر الاعلامية الاخرى كي تفرض وجودها وتقود الرأي العام العالمي في اتجاه لا يخدم القضايا العربية.
إن قوة بعض القنوات التلفزيونية العالمية، والصحافة العالمية لم تأت من فراغ فهي نتاج تخطيط واقتناع بأهمية الاعلام وقوة تأثيره.
ولكن كيف استطاعت هذه الوسائل الاعلامية ان تنجح وان تواصل النجاح؟
أليس بسبب امكاناتها القوية ولغتها الاعلامية، وانتشارها، وتقنياتها المتطورة؟؟
ولكن هل الحياد هو احد عوامل نجاحها؟
الواقع أن غياب الاعلام العربي القوي كان فرصة للاعلام غير المحايد كي يسيطر على الساحة ويوجهنا كمستقبلين بل ويوجه وسائلنا الاعلامية أحياناً كيفما يشاء بدليل ان مصادر اخبارنا تأتينا من وكالات عالمية لا تتسم بالحياد.
وفي هذا السياق نجد ان اسرائيل تتجه اعلاميا بخطابها الى العالم الخارجي في مقابل ان الاعلام العربي يخاطب نفسه.
إن المجازر التي ارتكبتها اسرائيل ولا تزال ترتكبها هي فرصة للاعلام العربي ليصل الى المستقبِل العالمي ويؤثر فيه ويكسبه الى جانب القضايا العربية، ولكن الذي يحصل ان رسالة الاعلام العربي تتوجه بلغة عربية الى المحيط العربي ولا تتجاوز هذا النطاق.
وهنا نتساءل.. هل المستمع او القارىء او المشاهد العربي بحاجة الى ان يسمع المزيد عن القضية التي يؤمن بها ويدافع عنها، ويدعمها ويحفظ كافة تفاصيلها ام المستمع والقارىء والمشاهد الآخر خارج حدود الوطن العربي الذي استغلته وسائل الاعلام الاخرى فأمطرته بسيل من الاكاذيب التي تقدم بغلاف اعلامي جذاب وبوسائل متعددة تستند في اساليبها على أحدث الأسس النفسية.
وفي الإطار نفسه تساؤلات أخرى..
كيف تعامل الاعلام العربي مع المجازر التي فعلتها اسرائيل، كيف تعاملنا مع ديرياسين وصبرا وشاتيلا وقانا، والانتفاضة الفلسطينية وغيرها؟
هل هناك كتاب عالمي عن هذا الموضوع مدعم بالوثائق والحقائق؟
هل هناك انتاج توثيقي على مستوى العالم وبلغاته الحية؟
هل عقدت ندوات أو مؤتمرات عالمية عن هذا الموضوع؟
هل قامت القنوات الفضائية بمخاطبة الرأي العام العالمي بلغاته التي يفهمها؟
هل يوجد في العواصم العالمية صحيفة عربية قوية تستقطب القراء الذين يبحثون عن الحقائق وتخاطبهم باللغة التي يفهمونها.
مرة أخرى.. نحن نتحدث عن جرائم اسرائيل ولكن الى انفسنا، وهذا الاعلام المكثف الذي يتم ارساله واستقباله داخل النطاق العربي قد يؤدي الى نتائج عكسية لأن المستهدف في خطابنا الاعلامي لا تنقصه الحقائق، ولا المشاعر، اما الذي ينبغي ان نستهدفه كمستقبِل لوسائلنا الاعلامية فهو تحت سيطرة وسائل غير محايدة تتوجه اليه مباشرة بل تركز جهودها نحو الاعلام الخارجي وكسب الرأي العام العالمي.
نحن بحاجة الى خفض عدد وسائلنا الاعلامية العربية وتحويل بعضها الى لغات العالم المختلفة، والى حضور عالمي بلغة وفكر يقربان مستقبِل الرسالة الينا.
الحضور العالمي يمكن ان يتحقق من خلال كتاب، او فيلم، او برنامج تلفزيوني، او تجمع ثقافي، او غير ذلك من الوسائل.
ما الذي يجعل مؤتمر ديربان ينتهي لمصلحة اسرائيل رغم وضوح الحقائق.
ألا يعني هذا انها أي الحقائق واضحة لنا دون غيرنا؟
أليس الاعلام هو السبب الذي يجعل اسرائيل تخرج منتصرة في الساحات الاعلامية وفي المؤتمرات كما حصل اخيرا في ديربان؟
إن الحقائق التي نؤمن بها وندافع عنها ونراجعها سنويا ليست بالضرورة معروفة لدى الآخرين بل إن ايصالها الى الآخرين كمعرفة فقط دون وسائل اعلامية قوية وجذابة ومؤثرة لن يؤدي الى فائدة عملية؟
والدليل ما حصل ويحصل بصفة مستمرة في المحافل الدولية وآخرها مؤتمر ديربان، الذي تؤكد نتائجه ان الاعلام العربي يحتاج الى نقلة نوعية في خطابه، ومصطلحاته، واخباره، واساليبه، وتقنياته، ومفاهيمه، وجمهوره، واصداراته، وكافة العناصر ذات العلاقة بالنجاح.
إن تعاملنا الاعلامي مع جرائم اسرائيل يتسم بطابع رد الفعل واقامة المناحات المؤقتة التي ترصد ردود الأفعال وتعرض المشاهد المؤثرة (بلغة عربية، وفي النطاق العربي) وقد تعرض خارج نطاق الوطن العربي بلغة اخرى ولكن بطريقة موجهة غير محايدة، اما القضايا الثقافية فانها مع الأسف توضع على الهامش بسبب طغيان الاحداث السياسية.
إن المعلومة المقدمة للمستقبِل قد تكون معلومة واحدة، ولكن الطريقة التي تقدم بها تقود المستقبِل الى تبني موقف معين.
هنا يتضح ان الاعلام العربي هو الذي يجب ان يتولى تقديم المعلومة للآخرين خارج الوطن العربي وليس الوسائل الاخرى التي تتسم بكل اسف بالقوة وعدم الحيادية، اما المصطلحات اللغوية التي نستخدمها اعلاميا فهي الاخرى بحاجة الى الاستقلالية والدقة في النقل وإخضاعها الى مجهر وطني، لان تكرار استخدام بعض المصطلحات له تأثير في تغيير الاتجاهات وتكوين الآراء.
نحن نعيش في عصر الاعلام، وعصر الصورة، والكلمة القوية المباشرة، عصر الحقائق، والارقام.. عصر السرعة.. عصر المعلومات واذا كان هناك فجوة معرفية بيننا وبين الآخرين فربما يرجع ذلك اضافة الى ما اشرنا اليه في السطور السابقة، الى طغيان الاعلام السياسي على الاعلام الثقافي فالخطاب الاعلامي العربي خطاب سياسي في معظم حالاته، وذلك راجع الى سلسلة من الاحداث التاريخية المتواصلة التي لا تزال قائمة حتى الآن والتي جعلت اللغة التي نستخدمها هي لغة سياسية.. احداث متواصلة جعلتنا لا نصدق السياسيين ولا نثق بأقوالهم وأحكامهم.
أمام هذه الظروف.. نصبح امام تحديات اعلامية لم نتمكن حتى الآن من التعامل معها والسيطرة عليها لأن اللغة السياسية هي لغة تتسم عادة بالشك والحدة وعدم تقبل افكار الآخرين في حين اننا بحاجة الى اعلام يتعامل مع القضايا السياسية او مع السياسة بلغة علمية موضوعية بعيدا عن الشعارات والكلمات الانفعالية، فهل هذا مطلب يمكن تحقيقه؟
إن الهجمات التي تعرضت لها بعض الدول العربية ومنها المملكة، بعد احداث 11 سبتمبر لا ترجع فقط الى سيطرة اللوبي الصهيوني على الاعلام الامريكي ولكن عدم وجود قنوات اعلامية عربية (صحافة، تلفاز، اذاعة) في الساحة الامريكية تخاطب الرأي العام الامريكي ليس عن القضايا العربية فقط بل وعن معظم القضايا العالمية، ومنها قضية حقوق الانسان على سبيل المثال.
هناك فجوة واضحة بين الرأي العام الامريكي وبين حقائق العالم الآخر تحجبها ال(CNN) وغيرها من القنوات وكان علينا استثمار هذه الفجوة لتقديم الحقائق عن بلادنا وقضايانا العادلة.
إن ما يكتبه بعض كتّابنا العرب في الصحافة العربية، وما يدور من حوارات جيدة في الندوات كل ذلك يتضمن افكارا ورؤى تستحق ان تترجم الى لغة يفهمها القارىء المستهدف وهو ليس القارىء العربي بالتأكيد.
فكيف نصل الى هذا القارىء، علماً ان هذا القارىء قد يكون رئيس الولايات المتحدة او وزير خارجيتها او غيره من الرؤساء.
هل يتم ذلك عن طريق السفارات ام ماذا؟
كيف نصل بوسائلنا الاعلامية الى المستقبِل المستهدف؟
إن القضايا العربية كبيرة ومتعددة، واذا كانت القضايا السياسية تسيطر على خطابنا الاعلامي ونتعامل معها بطريقة اعلامية خاطئة، فإن هذا الخطاب السياسي الذي لم نوفق فيه اصلا طغى على القضايا الثقافية المهمة وهمشها، وهذا ادى الى توسع الفجوة، وغياب اللغة المشتركة وطغيان المفردات السياسية على الساحة.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved