| مقـالات
صرخ الأطفال.. براعمنا الواعدة.. الكبار لا يفهموننا ولا يراعون أحاسيسنا ومشاعرنا.. ولا يغذون أفكارنا إلا بالعنف والخيال البعيد عن الواقع، فهم لا يعرفون ما يجب ان يُقدم لنا تعودنا على مشاهد العنف في الفضائيات من خلال برامج الأطفال أفلام الكبار نشرات الأخبار.. فإن كل ما في الفضائيات والمحطات التلفزيونية تعلمنا دون اصرار سابق، القتل، السرقة، الكذب، الخداع، الكآبة..
صدقونا ايها المسؤولون ويا أولياء أمورنا نحن لا نريد هذا لا نريد العنف والقسوة والبرامج الخيالية والبعيدة عن واقعنا نحن نريد ترسيخ مبادئنا الإسلامية وحب الوطن والانتماء والمعارف والعلوم التي تفيدنا ونغذي بها عقولنا في هذه الفترة من عمرنا الزمني الطفولي البريء.
كان هذا الحديث المملوء بالألم وهذه الصرخة القوية انفجرت من خلال جلوسي مع عدد كبير من طلاب وطالبات المراحل الابتدائية الصغرى «أول، ثاني، ثالث» ومناقشتهم حول برامجهم المقدمة عبر الشاشة الفضية.. لم اتوقع اجاباتهم، لم اتوقع صراخهم، وامتعاضهم، واستغاثتهم.
قلت: لابد انهم سيخجلون كوني اجلس معهم لأول مرة ولكن كانت الصراحة والجرأة واضحة في اجاباتهم وعبارات وجوههم لذلك باح الأطفال الأبرياء بما في نفوسهم، وما تعليقهم مما يرون حقا اطفالنا على وعي كبير فلماذا نعاملهم بالعفوية ونتعامل معهم على انهم لا يفهمون، لا يدركون وعلى انهم لازالوا صغارا.
قالت إحداهن: نبكي كثيرا عندما نشاهد العنف في نشرات الأخبار نبكي على الشيوخ والأطفال والنساء الذين يموتون من الصهاينة الأنذال ونبكي على الذين يحترقون، وتهدم منازلهم، ونكره كل من يتسبب لهم بذلك.. واصبحنا قلقين جداً على مصير هؤلاء الأطفال الأبرياء.
أوليست هذه أفكار مؤلمة تدمي القلوب.
وقالت أخرى: ماذا يقدم لنا من برامج.. كلها تفيض بالخيال البعيد ولا شيء منها يقترب من واقعنا.. وأفلام الكرتون نعيش معها أوقات خيالية شيقة ولكن لا تفيدنا في مستقبلنا.
وقالت ثالثة: حدثونا عن جداتنا، عن خصالنا العربية، عن عاداتنا وتقاليدنا لنتمسك بها، انزلوا إلى عقولنا وازرعوا فينا الثقة فأمي تحدثنا دائماً عن خالد بن الوليد وبطولاته، وعن الصحابيات الجليلات وعن الخنساء واخوتها، وعن الاحترام، وآداب الطعام.. لماذا هذه الأمور لا تعالج تلفزيونياً؟!
فمثلاً: في حصص التربية الفنية نعيش خيالات واسعة نتخيل ونرسم هذه الحصة هي حصة سلام ووئام نفرغ ما في أنفسنا على الورق ونتمنى أحياناً كثيرة ان تتحقق رسوماتنا على ارض الواقع.
دائماً نحلم بإشراقة الشمس، ورذاذ المطر، ومنظر الندى فوق الورق الأخضر في حديقة بيتنا، نحلم بالجمال والسعادة، ترى هل يحقق العالم لنا ذلك؟؟!!.
وتباينت الآراء فقالت رابعة: الاعلانات التجارية وأنواع المأكولات المقدمة تجذبنا حتى اخي الصغير يشتري احيانا بهدف اشباع ذاته عن إعلان معين أعجبه..
وقالت رابعة: احب المسرح المدرسي.. وفقرات الاذاعة الصباحية وما تحمله لنا من فقرات ثقافية ومفاجآت ولكن اتمنى ان يتم الاهتمام أكثر بالمسرح المدرسي لنعبر عما في نفوسنا من خلاله.
وقفة:
رغم كل النقاش.. كان العتاب كبيرا ونظرات الاتهام للعالم اكبر، والخوف من المستقبل ماثلا في عيونهن..
وكان في داخلهم الحاحا قويا وكبيرا يقول.. بل نهتف انصفونا أيها الكبار، وافهمونا، ولا تعاملونا على اننا صغار، وان عقولنا ليست ناضجة، فنحن نفهم ونعي كل ما يدور حولنا ولدينا القدرة على الابداع والعطاء والاستيعاب لكل ما يجري حولنا، نحن لازلنا صغار السن حقا ولكن عقولنا كبيرة.
حقيقة: طفت بخيالي لعلي اجد اجابات لتساؤل الاطفال «الكبار» ولا أدري على من يقع الحق: على الكتاب أم على معدي البرامج أم على الرقابة التلفزيونية، أم على المربين في المدارس، هل على الأهل أم على رياض الأطفال؟!!
والحقيقة دائماً ما اسمع ان عدداً كبيرا من الكتاب قدموا للاطفال نصوصا ولكنها لا ترقى إلى تفكيرهم إذ لابد ان تكون الكتابة لهم مبسطة والعاملون في مجال الطفولة يزعمون ان الاساتذة الاكاديميين يملكون العلم ولا يملكون الفن، والاساتذة يقولون، ان الفن وحده لا يكفي والذي نراه في الواقع بأن اكثر الأعمال المقدمة للأطفال ذات طابع دعائي وليس مدروساً بشكل حقيقي وجدي وان اكثر الدراما المقدمة والبرامج المقدمة اسقطت من وجدان الطفل المضامين التراثية والاجتماعية والثقافية المهمة في بناء شخصيته.
وان الطفل العربي بشكل عام مازال ينقصه الكثير، فهو ايضا محروم من وسائل الترفيه، والملاعب وتنمية الهوايات والابداع والمهارات، ومن المؤكد اننا كعرب لسنا فقراء في المبدعين، او في ايجاد النص الصالح للإنتاج، ولكن الذي ينقصنا هو العزيمة والخطة الجادة ولابد لنا من وجود نبني من خلاله وجدان الطفل وانتمائه وتراثه وهذا موجود وبكثرة في تراثنا العربي العظيم، والمهم.. كيف نحول هذه النصوص إلى صور جذابة للطفل يستقيها ويفهمها ويحبها.. هذا الذي نبحث عنه.
حقاً: ان العنف يشكل المساحة الكبيرة فيما يقدم لاطفالنا من خلال البرامج فيا أيها المربون بالله عليكم.. ماذا سيحل بأجيال اطفالنا الذين يتجرعون العنف تحت شعار الترفيه، فالرعب يتسلل إلى بيوتنا، وبين جدران منازلنا، واطفالنا الواعدون هم الخاسرون في مواجهة كل ما ننقله لهم من ظلام وعنف وعصبية فيتابعون المناظر، وتتسع عيونهم، وتفتح أفواههم، وتتلاحق انفاسهم، وتتقطع صيحاتهم، وتتحرك اياديهم مع مشاهد العنف بقوة وعصبية ناسين كل ما حولهم.
فبالله عليكم: هذه المشاهد ألا تتحول لدروس في الاجرام تستثير مشاعر العنف لدى اطفالنا الأبرياء..
أما تلاحظون أيها المربون وخاصة في المدارس ان سلوك أطفالنا أصبح يتسم بالعدوانية والحاق الأذى بالآخرين، والسخرية من البعض الآخر، واصبح الضرب والعناد بديلاً عن النقاش البريء الهادف، ألا يكفينا الكم الهائل من الأطفال الذين يقفون عند الإشارات المرورية يبيعون طفولتهم من اجل الحصول على المادة، ألا يكفينا الاطفال ووجودهم في الحارات والشوارع حتى منتصف الليل دون راع من الأهل أو ايقاظ لضمير الوالدين.
فارحموا أطفالنا.. أطفالكم.. رجال المستقبل.. ولنرحمهم ونحول الليمون الحامض إلى شراب لذيذ حلو يشربونه صبح مساء.
قال الشاعر:
إنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض |
|
|
|
|
|