| وَرّاق الجزيرة
الحقيقة: الشيء الثابت يقيناً. وعند اللغويين: ما استعمل في معناه الأصلي، وحقيقة الشيء: خالصه وكنهه. وحقيقة الامر: يقين شأنه. والجمع: حقائق«1».
هذه الكلمات توطئة مقتضبة للحديث عن بعض الجوانب المتعلقة بأولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه، ومصلى الأنبياء جميعاً ليلة الاسراء.
وقد نوه القرآن الكريم بمكانة المسجد الاقصى واشاد بمنزلته في قول الله تعإلى:«سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير»«الاسراء:1».
والمسجد الاقصى هو المسجد المعروف في مدينة القدس، وقد بُني على سفح الجبل، ويسمى بيت المقدس، اي البيت المطهر الذي يتطهر فيه من الذنوب.
ويسمى الاقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان ابعد مسجد عن اهل مكة في الارض يعظم بالزيارة.
وقد ذكر «الزركشي» «ت 794ه» في كتابه «إعلام الساجد» سبعة عشر اسماً تطلق على المسجد الاقصى، من اشهرها: مسجد ايلياء، وقيل في معناه: بيت الله. وروي عن كعب الاحبار انه كره ان يسمى بيت المقدس ب«ايلياء»، وقد حكى ذلك الواسطي في فضائله.
ومن اسمائه: بيت المقدس: بفتح الميم واسكان القاف اي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب، والمقدس: المطهر.
ومن اسمائه ايضاً: البيت المقدس: بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة اي المطهر، وتطهيره: اخلاؤه من الاصنام.
وقد اوصل «الجراعي» «ت 883ه» اسماء المسجد الاقصى إلى «22» اسماً كما في كتابه «تحفة الراكع والساجد».
وقد صنف العلماء الاسلاف في اخبار المسجد الاقصى وفضائله وتاريخه مصنفات فريدة، ودواوين عديدة، ومن اشهرها:«اتحاف الأخصاء بفصائل المسجد الأقصى» لابن ابي شريف «ت 906ه»، و «بهجة الدماثة لما ورد في فضل المساجد الثلاثة» لابن فهد «ت 954ه»، و «المستقصى في اخبار المسجد الاقصى» للعلمي «ت 948ه»، وغيرها كثير«2».
والحقائق التي ينبغي على كل مسلم أن يؤمن بها ويسلم بمعرفتها في شأن المسجد الأقصى عديدة يمكن اجمالها في النقاط الآتية:
أولاً: التعريف بالمسجد الأقصى
هو جامع كبير يقع في الجهة القبلية من ساحة المسجد الأقصى الشريف في مدينة القدس.
وقديماً كان يطلق اسم المسجد الاقصى على كل ما بداخل سور المسجد القدسي الشريف.
يمتد بناؤه من جهة القبلة إلى الشمال في سبعة اروقة متجاورة مرتفعة على الاعمدة الرخامية والسواري التي تضم «33» عموداً و «40» سارية مبنية بالحجر.
للمسجد عشرة ابواب تؤدي إلى الساحة العامة للمسجد القدسي الشريف، سبعة منها جهة الشمال وباب من الشرق وآخر في الغرب والباب الأخير في جامع النساء«3».
وقد وقع كثير من الكتاب والمؤرخين في خطأ شنيع في وصف المسجد الأقصى، حيث يصفونه ب«ثالث الحرمين» و «الحرم القدسي». ومعلوم ان الالقاب والاوصاف الشرعية مبنية على التوقيف. ولم يطلق الشرع الحكيم صفة الحرم الا على ثلاثة اماكن، اثنان منهما حرم باتفاق المسلمين، وهما: حرم مكة، وحرم المدينة، والثالث:«وج» وهو واد بالطائف، وفيه حديث رواه احمد في مسنده، من حديث يعلى العامري، وهو حرم عند الشافعي، لاعتقاده صحة الحديث، وليس حرماً عند أكثر العلماء.
وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعإلى:«وليس ببيت المقدس مكان يسمى حرماً، ولا بتربة الخليل..»«4».
ثانياً: فضائله واحكامه
يمكن اجمال فضائله في ست نقاط:
أ: انه القبلة الأولى للمسلمين: فإليه كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم قبل ان تحول القبلة إلى الكعبة المشرفة. وقد اشار القرآن الكريم إلى ان التوجه إلى بيت المقدس كان ابتلاء من الله، ليعلم سبحانه من يتبع رسوله صلى الله عليه وسلم ممن يرتد على عقبيه، فقال سبحانه:« وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه..»«البقرة :143».
وقد اخرج البخاري في صحيحه من حديث البراء بن عازب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اول ما قدم المدينة، نزل على اجداده او اخواله من الانصار، وانه صلى قِبل بيت المقدس ستة عشر شهراً، وكان يعجبه ان تكون قبلته قِبَل البيت..».
ب: الاسراء اليه والمعراج منه:
قبل الهجرة النبوية اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكباً على البراق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالانبياء اماماً، وربط البراق بحلقة باب المسجد. وقد نزل في ذلك قول الله تعإلى:«سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله» «الاسراء:1».
وقد فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث عن قصة الاسراء والمعراج، وذكر ما اشتملت عليه من المعجزات، كما في صحيح البخاري ومسلم من رواية انس بن مالك رضي الله عنه.
ج: شد الرحال اليه:
عن ابي هريرة رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الاقصى»متفق عليه.
د: مضاعفة الصلاة فيه:
عن ابي الدرداء رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمائة الف صلاة، وفي مسجدي الف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة» اخرجه المنذري في الترغيب والترهيب وعزاه إلى الطبراني وابن خزيمة والبزار، وقال البزار: اسناده حسن. وقال الجراعي: ورد ان الصلاة فيه بخمسمائة، وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: انه الصواب.
ه: كونه ثاني مسجد في الارض:
عن ابي ذر رضي الله عنه، قال : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اول مسجد وضع في الارض، قال:«المسجد الحرام، قلت: ثم اي؟ قال: المسجد الاقصى، قلت: وكم بينهما؟ قال: اربعون عاماًَ..» متفق عليه.
و: مباركة الأرض حوله:
اخبر الله تعإلى عن المسجد الاقصى انه بارك حوله في قوله تعإلى:«سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله» «الاسراء:1»، وفي الآية تأويلان: احدهما انه مبارك بمن دفن حوله من الانبياء المصطفين الاخيار، والثاني: بكثرة الثمار ومجاري الانهار.
وقد قال الله سبحانه:«باركنا حوله» ولم يقل : باركنا عليه او فيه، والجواب عن ذلك: انه سبحانه قال «باركنا حوله» لتكون بركته اعم واشمل، فإنه اراد بما حوله ما احاط به من ارض الشام وما قاربه منها، وذلك اوسع من مقدار بيت المقدس، ولانه اذا كان هو الاصل، وقد بارك في لواحقه وتوابعه من البقاع كان هو مباركاً فيه بالطريق الاولى بخلاف العكس، وقيل اراد سبحانه البركة الدنيوية كالانهار الجارية والاشجار المثمرة، وذلك حوله لا فيه«5».
ومن الاحكام المتعلقة بالمسجد الاقصى: كراهة استقباله واستدباره بالبول والغائط، والحذر من اليمين الفاجرة فيه، واستحباب اقامة صلاة العيد فيه قياساً على الحرمين الشريفين. وهذه الاحكام لم ترد فيها احاديث مرفوعة، بل وردت فيها آثار واقوال حسنة عن ابن عمر ومعاذ وكعب الاحبار رضي الله عنهم اجمعين«6».
ثالثاً: بناؤه وتأسيسه
شاع عند كثير من المؤرخين والمصنفين نسبة بناء المسجد الاقصى إلى داود او سليمان او يعقوب عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة واتم التسليم، وهذه النسبة فيها اغاليط كثيرة، وقد راجت وشاعت حتى اصبحت وللاسف من المسلمات اليقينيات! وكل الآثار التي استدل بها بعض الكتبة على بناء الانبياء المذكورين آنفاً للمسجد الاقصى، إما ضعيفة او موقوفة، وبعضها يعزى إلى الاسرائيليات!.
وقد زعم بعض المصنفين ان ابراهيم عليه السلام هو الذي بنى المسجد الاقصى، واستدلوا على ذلك بحديث ابي ذر رضي الله عنه انه قال: «قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة» متفق عليه. ووجه الدلالة عندهم ان المسجد الاقصى من بناء ابراهيم لانه حُدد بمدة هي من مدة حياة ابراهيم عليه السلام، وقد قرن ذكره بذكر المسجد الحرام. وقد اشكل هذا الحديث على بعض العلماء كابن الجوزي فقال: انه معلوم ان سليمان بن داود هو الذي بنى الاقصى كما رواه النسائي باسناد صحيح من حديث عبدالله بن عمرو يرفعه: ان سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثاً...ومنها: وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد الا يأتيه احد لا ينهزه إلا الصلاة فيه ان يخرجه من خطيئته كيوم ولدته امه.
وسليمان بعد ابراهيم كما قال اهل التاريخ بأكثر من الف عام. واجاب الزركشي: بان سليمان عليه السلام انما كان له من المسجد الاقصى تجديده لا تأسيسه، والذي اسسه هو يعقوب بن اسحاق بعد بناء ابراهيم الكعبة بهذا القدر«7».
وكلام ابن الجوزي والزركشي متعقَّب من وجوه:
الاول: ان رواية عبدالله بن عمرو هذه جاءت بطرق اخرى في بعض الفاظها اختلاف، منها ما اخرجه احمد في مسنده مرفوعاً:«وسأله: ايما رجل خرج من بيته لا يريد الا الصلاة في هذا المسجد..».
وليس في متن الحديث ان سليمان عليه السلام بنى المسجد، وليس فيه لفظ البناء، او انه طلب من الله ما طلب عندما بناه، فهو يشير إلى المسجد «هذا المسجد»، فيحتمل انه يريد مسجد بيت المقدس الذي كان مبنياً من قبل، لانه لم يقل انه بناه، ويحتمل انه اراد مسجداً بناه بجوار قصره!.
الثاني: اورد الخطيب البغدادي بسنده هذا الحديث إلى عبدالله بن عمرو مرفوعاً وفيه:«من اتى هذا البيت لا يريد الا الصلاة فيه ان يغفر له»، وليس في هذه الرواية ان سليمان عليه السلام بنى المسجد الاقصى، وانما فيه اشارة إلى البيت، وهذا يدل على انه كان مبنياً فأشار اليه أو إلى موقعه القديم!
الثالث: رواية النسائي التي ساقها ابن الجوزي فيها زيادة ليست في الروايات الاخرى، ومنها:«حين فرغ من بناء المسجد» ولم يقل المسجد الاقصى: او مسجد بيت المقدس. وعلى فرض ان الاشارة إلى المسجد الاقصى فإنه يعارض ما جاء في الصحيح ان بين بناء مسجد القدس، وبناء مسجد مكة اربعين سنة. ولو فرضنا ان ابراهيم بنى الكعبة، فان بين ابراهيم وسليمان، حوالي الف سنة، فكيف وقد صح ان الكعبة اسست قبل ابراهيم عليه السلام!«8»
الرابع: ابراهيم عليه السلام لم يبن المسجد الاقصى بناء تأسيس، وانما بناه بناء تجديد وتوسعة، كما انه لم يبن البيت الحرام، وانما رفع قواعده كما في قول الله تعإلى:«واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل»«البقرة:127». والذي بنى اساس البيت الحرام، هو آدم عليه السلام، وقد قال ابن حجر رحمه الله تعإلى:«فقد روينا ان اول من بنى الكعبة آدم،ثم انتشر ولده في الارض، فجائز ان يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس».
وقال الخطابي:«يشبه ان يكون المسجد الاقصى اول من وضع بناءه بعض اولياء الله، قبل داود وسليمان».
وقال ابن حجر ايضاً:«وقد وجدت ما يشهد ويؤيد قول من قال: ان آدم هو الذي اسس كلاً من المسجدين، فذكر ابن هشام في كتاب «التيجان»: ان آدم لما بنى الكعبة امره الله بالسير إلى بيت المقدس، وان يبنيه، فبناه ونسك فيه»«9».
الخامس: قول الزركشي: والذي اسسه هو يعقوب ابن اسحاق، هذا القول متلقى عن بعض الاخبار الاسرائيلية، والشواهد التاريخية والجغرافية تأبى هذا المعنى. وقد قال بعض اهل العلم: اذا حسبنا الزمن بين رفع قواعد الكعبة على يد ابراهيم واسماعيل، واحتمال بناء يعقوب المعبد الذي اورده بعض المؤرخين فانه لا يكون اربعين سنة «10».
رابعاً: هيكل سليمان عليه السلام لم يبن في بقعة المسجد الاقصى:
هيكل سليمان: اهم مبنى للعبادة اليهودية في فلسطين، شيده سليمان عليه السلام، وانفق في بنائه اموالاً طائلة، وكان الهيكل في اول امره خيمة من خشب، وله عند اليهود منزلة عظيمة في نفوسهم، وشاء الله ان يهدم البابليون الهيكل في التاسع من آب «586ق.م»، ثم اعيد بناؤه عام «251ق.م»، ولكن الرومان حطموه عام «70م»، ولليهود في امر الهيكل ووصفه اخبار تطول ليس هذا محل بسطها«11».
وقد زعم اليهود قديماً وحديثاً ان الهيكل الذي بناه سليمان كان في موقع المسجد الاقصى، وهذا الزعم لا دليل عليه، اذ خلت أرض المسجد الاقصى من كل ما بناه سليمان عليه السلام، لان الهيكل الذي بناه سليمان عليه السلام انهدم واحترق، ونقل تراثه بعد موت سليمان بثلاثة قرون تقريباً، عندما غزا بختنصر مدينة القدس سنة «589ق.م» ودمر مدينة اورشليم واسوارها وهيكلها واحرقها بالنار، ونهب خزائنها، واجلى سكانها إلى بابل. وقد ذكر «بوست جورج» في «قاموس الكتاب المقدس» ان كنيسة العذراء، التي بنيت في عهد «يوستينان» هي موقع الهيكل. والتواريخ اليهودية القديمة التي وصفت هيكل سليمان عليه السلام لم تحدد المكان الذي بني فيه، بل ان بعضها تعتقد ان الهيكل بني فوق جبل «جرزيم» في ظاهر نابلس«12». اما اعتداء اليهود على المسجد الاقصى وقيامهم بالحفر عند سوره والمناطق الملاصقة للحائطين الجنوبي والغربي، مما تسبب في تغلغلهم إلى مسافة «230م» اسفل المسجد وعقارات الوقف الاسلامي التابعة لها، كل هذا ليس من اجل استخراج الهيكل كما زعموا، بل هم يهدفون من وراء ذلك إلى ازالة المسجد الاقصى ونسفه من الوجود!
وفي سنة «1981م» اعلن اليهود انهم توصلوا من خلال حفرياتهم إلى نفق يمتد تحت المسجد الاقصى، يصل ما بين اسفل حائط المبكى وقبة الصخرة المشهورة، وزعم بعض الحاخامات ان هذا النفق هو اقدس الاماكن اليهودية، وانه اهم من حائط المبكى، اذ هو على حد زعمهم بوابة «كيفونوس» الواردة في كتاب التلمود«13».
خامساً: تصحيح اغاليط مشهورة تتعلق ببيت المقدس:
أ اطلاق لفظ«بيت ايل» على بيت المقدس:
وهذه التسمية جاءت من الاسرائيليات، ومن اطلقها على بيت المقدس فقد ابعد النجعة، لان «بيت ايل»بعيدة عن بيت المقدس، حيث تقع في منطقة «رام الله»«14».
ب: الاعتقاد في صخرة بيت المقدس:
ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعإلى ان بعض الناس يتخذون «الصخرة» قبلة يصلون اليها، ويطوفون بها، وبعضهم يرى مشروعية ذبح الاضحية عندها، ويسافر اليها بعد عشية يوم عرفة، وكل هذا من الضلال والابتداع في دين الله، وبعض المؤرخين يطلقون عليها «الصخرة المقدسة» لان جبريل عليه السلام عرج بمحمد صلى الله عليه وسلم من عندها، والاولى عدم اضافة وصف «المقدسة» للصخرة، لان التقديس:
التعظيم، ولا وجه في الشرع لتعظيم مالم يعظمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولما فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس في سنة خمس عشرة من الهجرة، وكان على الصخرة زبالة عظيمة، لان النصارى كانوا يقصدون اهانتها مقابلة لليهود الذين يصلون اليها، فأمر عمر رضي الله عنه بازالة النجاسة عنها، وقال لكعب الاحبار: اين ترى ان نبني مصلى المسلمين؟ فقال: خلف الصخرة!، فقال: يابن اليهودية، خالطتك يهودية، بل ابنه امامها، فان لنا صدور المساجد.
قال شيخ الاسلام: ولهذا كان ائمة الامة اذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، وقد روي عن عمر رضي الله عنه انه صلى في محراب داود عليه السلام واما الصخرة فلم يصل عندها عمر رضي الله عنه ولا الصحابة، ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان، ولكن لما تولى ابنه عبدالملك الشام، ووقع بينه وبين ابن الزبير الفتنة، كان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزبير، فاراد عبدالملك ان يصرف الناس عن ابن الزبير، فبنى القبة على الصخرة، وكساها في الشتاء والصيف، ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس، ويشتغلوا بذلك عن اجتماعمهم بابن الزبير.«15».
ج: اعتقاد وجود قدم الله تعإلى على الصخرة، او قدم الرسول صلى الله عليه وسلم، واثر عمامته: يعتقد بعض العامة من الجهال وغيرهم بوجود موضع قدم الرب تعإلى على صخرة بيت المقدس، وبعضهم يعتقد وجود اثر قدم الرسول صلى الله عليه وسلم واثر عمامته. ويحدث التبرك والغلو في تلك المواضع مما لا يقره الله تعإلى ولا رسله عليهم الصلاة والسلام. وكل من زعم بوجود ما تقدم فقد تكلف مالا علم له، ونسب إلى دين الله مالم يقع«16».
د: اعتقاد وجود الصراط والميزان عند الصخرة، او ان السور الذي يضرب به بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد، او اعتقاد تعظيم السلسلة:
وكثير من الخواص والعوام يعتقد مثل ذلك، ولم يرد نص صحيح في ثبوت ذلك، ولا يشرع تعظيم تلك الاماكن عند عدم وجود الدليل. وقد تناقل بعض الرحالة المسلمين ما شاع بين كثير من الناس كتسمية وادي «قدرون» في بيت المقدس ب«وادي جهنم» لاعتقادهم ان عيسى عليه السلام رفع منه، وعليه ينصب الصراط!!. قال ناصر خسرو الذي زار القدس عام «438ه»: وقد سألتُ: من اطلق هذا اللقب على وادي جهنم؟ فقيل: ان عمر رضي الله عنه انزل جيشه في سهل الساهرة ارض شمال القدس، وفيها مقبرة للمسلمين فلما رأى الوادي قال:
هذا وادي جهنم!، قال: ويقول بعض العوام: ان من يذهب إلى نهاية الوادي يسمع صياح اهل جنهم، فان الصدى يرتفع من هناك. قال: فذهبت فلم اسمع شيئاً»«17».
ومن المؤكد ان مثل هذه الاخبار متلقى عن عقيدة اليهود والنصارى، اضافة إلى احاديث القصاص والاخباريين.
«ه»: تعظيم كنيسة القمامة:
وقد انشأها النصارى في المكان الذي يعتقدون ان المسيح عليه السلام صلب ودفن فيه!!، ومن اجل ذلك اطلقوا على هذه الكنيسة «كنيسة القيامة»
: اي ان المسيح عليه السلام قامت قيامته في ذلك الموضع! والمسلمون يطلقون عليها «كنيسة القمامة» لانها كانت مزبلة ترمى فيها الاوساخ والاقذار، وهذه الكنيسة من اهم الاماكن الدينية في جميع انحاء العالم، يحج اليها النصارى من جميع الاقطار النصرانية!، وهي فسيحة من داخلها وعظيمة الزخرف، ومطلية من الذهب، وفيها من التصاوير التي صورها النصارى، صورة ابراهيم واسحاق ويعقوب وعيسى ومريم عليهم السلام جميعاً«18».
وقد اسهب بعض الرحالة المسلمين ممن زاروا بيت المقدس في وصفها والاشادة بها، حتى قال بعضهم: «انها من عجائب الدنيا»، وغير ذلك من عبارات الثناء والاعجاب «19»
«و» اطلاق اسم المسجد الاقصى على مسجد قبة الصخرة:
يرمي اليهود إلى طمس المعالم التاريخية الاسلامية من اجل تحقيق مآربهم الفاسدة وغاياتهم الخبيثة. ودليل ذلك ما تناقلته وسائل الاعلام اليهودية من نشر صور لمسجد قبة الصخرة وتعريفه بانه المسجد الاقصى، وقد عثر بعض الباحثين في بعض المؤسسات الاسلامية على صور مسجد قبة الصخرة، وتبين له من خلال سؤالهم عن تلك الصور، انهم يعتقدون انها صور المسجد الاقصى!!، ولعل من اسباب هذا الخلط بين صورة مسجد قبة الصخرة والمسجد الاقصى، عدم فهم كثير من الناس لمدلول المسجد الاقصى، فالمسجد الاقصى له اطلاقان: عام وخاص، فالعام يقصد به: المسجد الذي تقام فيه صلاة الجمعة بالاضافة إلى الصلوات الاخرى، وكذلك الصخرة، وجامع عمر، وجامع المغاربة، وجامع النساء، ودار الخطابة، والزاوية الختنية، والزاوية البسطامية، وقبة موسى، بالاضافة إلى الاروقة والمنائر والمصاطب والابواب والآبار وغرف السكن، ومحراب مريم، ومحرب زكريا عليهما السلام اما الخاص فالمقصود به المسجد الذي تقام فيه صلاة الجمعة، وهو المتعارف عليه في عصرنا الحاضر، وهو بناء عظيم به قبة مرتفعة، يمتد بناؤه من جهة القبلة إلى الشمال في سبعة اروقة متجاورة مرتفعة على الاعمدة الرخامية، كما اشرنا اليه في مطلع هذه المقالة.
وقد احسن احد الشعراء حين قال في وصفه:
لله بالبيت المقدس جامع
بهر النواظر نوره وضياؤه
منه الجوانب واسعات تنجلي
وزهت بطلعة قبتيه سماؤه
حيث المدارس حوله قد اشرقت |
تمتد من اشجاره افياؤه«20»
نسأل الله العلي القدير ان يعجل بفك اسره، وان يرزقنا فيه صلاةً تامةً، انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الهوامش:
1 المعجم الوسيط، مادة «حق».
2 معجم الموضوعات المطروقة «ص/395».
3 الموسوعة العربية العالمية 23/206207.
4 مجموعة الفتاوى «14/12».
5 سبل الهدى والرشاد للصالحي «3/33».
6 الموسوعة الفقهية الكويتية «37/234235».
7 اعلام الساجد للزركشي «2930».
8 بيت المقدس لمحمد شراب «ص/270» وما بعدها.
9 بيت المقدس لمحمد شراب «ص/300».
10 المصدر السابق.
11 الموسوعة الصهيونية «ص/425».
12 بيت المقدس لمحمد شراب «ص/275» وما بعدها.
13 الموسوعة العربية العالمية «23/210».
14 تاريخ بني اسرائيل من اسفارهم «ص/37».
15 مجموعة الفتاوى «14/11».
16 المصدر السابق.
17 سفر نامه «ص/5657».
18 بيت المقدس لمحمد شراب «ص/515».
19 نزهة المشتاق للادريسي «ص/300».
20 الموسوعة العربية العالمية «23/211».
ü المدرس بمركز ومدرسة المظليين وقوات الامن الخاصة بتبوك
|
|
|
|
|