| الاقتصادية
يكون مقبولاً أن يتم فرض عقوبة السجن والغرامة على التاجر الذي يلجأ إلى الغش والخداع في تعاملاته التجارية مع الغير، ويكون مقبولاً أن يتم تطبيق نفس العقوبات على التاجر الذي يقدم على سرقة أسرار صناعية أو تجارية ويقوم بتقليدها واستعمالها، بل إن تلك التصرفات تصنف من قبيل الممارسات التجارية غير المشروعة والتي نشد على يد الإخوة في وزارة التجارة بالتشدد على هؤلاء المخالفين من التجار، ولكنني أجزم بأنه ليس مقبولاً أن يتم فرض عقوبتي السجن والغرامة على التاجر المتميز الذي ينجح في دراسة السوق ومن ثم يتوسع في أعماله التجارية وفقاً لدراسته لحاجة السوق، خاصة عندما يكون توسع أعمال ذلك التاجر قد تم وفقاً لقنوات مشروعة.
إن ما دعاني إلى ذكر ذلك هو ما تضمنه مشروع نظام مكافحة المنافسة غير المشروعة المقترح من قبل وزارة التجارة، حيث جاء هذا المشروع معرفاً لمصطلح الهيمنة غير المشروعة بأنها وضع تكون من خلاله المنشأة أو المنشآت التجارية قادرة على التحكم فيما يزيد على 35% من حجم المنتوج من السلع والخدمات في السوق، نعم لقد ذهب هذا المشروع إلى اعتبار نجاح التاجر السعودي وقدرته على التوسع في أعماله التجارية على أنه مخالفة يعاقب عليها النظام بعقوبتي السجن والغرامة، فهل يعقل هذا؟
ألا يدرك الاخوة في وزارة التجارة أن التدخل في رؤوس الأموال الخاصة يشكل سابقة تتنافى مع التوجه الحرّ الذي يسير وفقه اقتصادنا الوطني منذ عهد الموحد عليه رحمة الله وحتى وقتنا الحاضر.
ألا يدرك الإخوة في وزارة التجارة أن الحد من توسع الأعمال التجارية الناجحة وقصرها على ما نسبته 35% من حجم السلعة في السوق سوف ينعكس سلباً من خلال تفتيت الشركات والمؤسسات الوطنية الناجحة والتي أسهمت بما يزيد عن 51% من الناتج القومي للمملكة عام 1421ه ويتوقع أن يصل إسهامها إلى 55% عام 1424ه.
ألا نتفق بأن توجه وزارة التجارة باعتبار النجاح الذي تحققه الشركات والمؤسسات الوطنية بالتوسع في أعمالها التجارية وقدرتها على تسويق ما يزيد على نسبة ال 35% من حجم المنتج في السوق بأنه هيمنة غير مشروعة، ألا نتفق بأنه يتنافى مع توجه الدولة بدعم الاندماج بين المؤسسات الوطنية الصغيرة والمتوسطة لتصبح شركات وطنية عملاقة قادرة على حيازة حصة أكبر في الأسواق الخارجية ناهيك عن أسواقنا المحلية؟
ألا نتفق بأن اعتبار التوسع المدروس لمؤسساتنا الوطنية الناجحة على أنه جريمة أو مخالفة يعاقب عليها النظام بعقوبتي السجن والغرامة سوف ينعكس سلباً من خلال مغادرة رؤوس أموال تلك المؤسسات إلى الدول المجاورة؟
ألا نتفق بأن توجه وزارة التجارة بتفتيت الشركات والوكالات السعودية ومعاقبة من يتجاوز نسبة ال 35% من حجم السلعة في السوق على أنه توجه سيصب في صالح الشركات الأجنبية الموكلة في مواجهة مؤسساتنا الوطنية المتفرقة والتي ستصبح في موقف تفاوضي ضعيف في مواجهة الشركة الأجنبية والتي لا تتردد في إملاء ما يصب في مصلحتها من شروط.
ألا يدرك الإخوة في وزارة التجارة بأن تقييد مبيعات المنتج بما لا يتجاوز نسبته 35% للمؤسسة أو الشركة الواحدة سيؤدي إلى التحايل والغش على النظام، فكيف ستستطيع الوزارة من إثبات ومنع صاحب الشركة الذي يرغب في تسويق نسبة أكبر من تلك التي حددتها الوزارة من قيامه بذلك من خلال شركات أو مؤسسات أخرى هو الذي يملكها ولكنها بأسماء ملاك آخرين كأقاربه أو أنسابه أو أحد أصدقائه، ثم ألا يمكن أن يؤدي هذا التوجه الذي تتبناه وزارة التجارة إلى قيام بعض ضعاف النفوس من استغلال مثل هذا الوضع؟
* متخصص في الاقتصاد
|
|
|
|
|