| مقـالات
حقاً نرفض، ولا نوافق، ولن نرضى عن ذلك المسلسل الموجع الذي ما زال يشاهده القريب، ويسمع به الغريب. إننا نحسب حال ضرب الزوجات جريمة في حقهن وفي حق مجتمعنا المتحضر. انه حال غاية في الإيلام البدني والنفسي، وحسرة وألم مبرح يتنافى تماماً مع مبادئ الإسلام الذي ندين به بما يدعو الى الرحمة، فالزواج سكن ورحمة، ومودة، وحب، وحنان، ودفء، وسلام، وعدل، وتفاعل وجداني وعاطفي.
حقاً إن المرأة ضعيفة فهي لا تمتلك القوة العضلية التي تمكنها من المقاومة والدفاع عن نفسها أمام عنف وسطوة هذا الرجل الذي يلجأ إلى الضرب وسيلة للتفاهم، هذا الرجل ظن بغطرسته أن ينال من ضعفها وهوانها وقلة حيلتها، فأخذ يوجعها لطماً وركلاً، وضرباً مبرحاً في حنق مستعر، وقسوة بالغة، وغل مقيت، وغدر بغيض، ويظن هذا الزوج سقيم الفهم، ومعتل الفكر ان امرأته فريسة لا فرق بينها وبين المخلوقات الأخرى غير الآدمية مما ينتج عنه نكسة في علاقتها به.
حقاً إن مشكلة ضرب الزوجات مأساة تهز ضمير المجتمع حيث تمثل اللاسواء البغيض في السلوك الإنساني مما يؤثر بالسلب في درجة وشدة تماسك الأسرة، وتفاعلها كما يؤثر في التوازن النفسي للأبناء والانسجام العاطفي بين أبناء الأسرة جميعاً.
حقاً إن هذا الزوج الذي ينتهج هذا الأسلوب المفزع في علاقته بزوجته جنح عن النسق القيمي المعاييري والأخلاقي والإنساني والديني، وهو أسلوب بغيض صاحبه غاب عنه الحس والضمير الأخلاقي.
فما هو انعكاس ذلك على الأبناء؟ وماذا نتوقع فيما تكون عليه شخصياتهم وسلوكهم فيما بعد؟ وكيف يستقيم حالهم؟ وكيف يكون تفاعلهم وعلاقاتهم بأفراد الأسرة والآخرين؟ وما هي نظرتهم لهذا الأب القاسي الذي تسبب في انكسار قلب الأم وبكاء ونحيب الأبناء عليها، وعلى حالها، وما آلت إليه؟
حقاً إن فعلة هذا الأب تجعل الأبناء يسقطون في هوة المرض النفسي والعطب الوجداني، والاعاقة السلوكية، وتتشكل لديهم شخصيات سيكوباتية مضادة للمجتمع بتحول سلوكياتهم إلى سلوكيات شاذة لا سوية، مفرطة في غير الانسانية، وغيرالمعيارية حيث افتقاد الحس الإنساني، والوازع الديني في مرحلة الطفولة التي يجب أن يتشربوا فيها الخلق الحميد، والنموذج القويم، والقدوة الحسنة، تلك المرحلة التي يتكون فيها سمو الضمير من خلال نسق القيم والقواعد الأخلاقية والمبادئ الدينية، وبدلاً من ذلك فهم غارقون في هم الأسرة، وهم يتحسرون على غم الأم، ونكد الحياة العائلية، والسب في ذلك قسوة هذا الأب، وتعامله السيىء غير الإنساني مع أمهم.
ترى ما السبب وراء هذا المسلسل المتواصل الذي يدفع الزوج للتهور والاقبال على اهانة زوجته بصورة فورية؟ هل هو سقم في شخصية أحدهما؟ هل هو تدني الوازع الديني لدى الزوج، هل هو اصابة مكون الضمير الأخلاقي بخلل، هل هو الجهل والأمية؟ هل هو اضطراب في الظروف العملية والاقتصادية؟ هل هو أثر الثقافات الوافدة عبر وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تحمله من قيم وتقاليد وأعراف مختلفة، وحركة الزيارات للخارج ومحاكات الآخر؟ أم هو أثر الاختلاط بفئات متدنية من العمالة الوافدة تلك التي لا تتناسب ثقافتها مع ثقافة مجتمعنا؟ أم انه أثر التنشئة الاجتماعية؟ أم ماذا اذن؟
إنه من خلال الخبرة المتراكمة من العمل الاجتماعي الذي نضطلع به نلاحظ لدينا أنه في الغالب يعود هذا السلوك لعدم التوافق والانسجام بين الزوجين، الذي يدفع بالتبعية لمزيد من التوترات فما الشعور الأسري العام فتبرز المشكلات، من ثم فالتطاول على الزوجة أو حتى الإهانة أمام أبنائهم الصغار.
وازاء ذلك نأتي لدائرة الايضاحات، وفي عجالة سريعة حيث نقول: ان هذا السلوك الذي ننعته بالبغض وغير الاستقامة وغير الاخلاقي يؤدي بالضرورة إلي التباعد الوجداني والعاطفي بين الزوجين، وهو العامل الرئيسي في استمرارية سلوك العنف.
ومن المتفق عليه أنه إذا توافرت عناصر كافية لتحقيق قدر معقول من الرضا النفسي، والأمن العاطفي، والاستقرار الاجتماعي، في نطاق الأسرة، حال ذلك والى حد ما دون اللجوء إلى العنف.
ويعني ذلك أنه يتحتم على كلا الزوجين أن يجهدا نفسيهما كي يهتم كل منهما بتحقيق جانب من الرضا النفسي، والأمن العاطفي، حسبما يعنيه كل منهما في هذه المنظومة، فإن كنا نطالب الزوج بحتمية الإقلاع عن هذا السلوك القاسي كي يتحقق الاستقرار الاجتماعي في جنبات الأسرة، فعلى الزوجة أيضاً ضبط النفس والعمل الجاد لتنمية عوامل الأمن العاطفي للزوج، ومردود ذلك أن يتوافر لدى الطرفين الرغبة الصادقة في تجاوز أية صعوبات يمكنها أن تؤثر بالسلب في دعائم هذه المنظومة، وهذا من شأنه أن يحقق الانسجام والتوازن المطلوب للحياة الزوجية.
ومثل هذا الطرح مؤداه التوافق النفسي والاجتماعي باعتباره شرطا أساسيا لديمومة الأسرة واستمراريتها، والتواصل الحاني المرتبط بمدى تقدم العلاقات، وهذا رهن بقدرة كلا الزوجين على ادراك متطلبات الحياة الزوجية لتحقيق الاستقرار، وحينئذ يكون الأمر متاحا لتخفيف حدة الاحتكاك اليومي، وتطويق أية صعوبات أو مشكلات قد تحدث أو تلك التي ينتج عنها حال من الاحباط واليأس بفعل الغطرسة والاستعلاء من طرف على الآخر.. ونهيب بالزوجة التي تتسم بالعاطفة والحب مسؤولية امتصاص تلك المواقف قبل تفاقمها.
وعليها فإن لم تستطع التعايش من أجل الترابط، أصبح اللجوء للعنف ربطا جدليا مع طموحات العيش الآمن كمعالجة لما آلت اليه الأمور غير الطبيعية ووقفا لمسلسل تداعيات الشجار والخلاف الذي ينتهجه كلاهما في غالب الأحيان، وتعاطيها للمشكلة، وتفعيل الصراع الذي يعتري حياة الأسرة والعيش في كنفها.
اذن على الزوج أن يكبح جماح عدوانيته وعلى الزوجة أن توفر له المناخ الآمن المستقر حتى ينتهي المسلسل المقيت والله الهادي.
|
|
|
|
|