| الاقتصادية
مع كل هزة اقتصادية أو سياسية نتذكر دائماً الخلل الكبير في سوق العمل السعودي ودوره في إثارة الكثير من المشاكل الحسية والمعنوية. ومع كل هزة اقتصادية أو سياسية نتذكر واجبنا الوطني تجاه إصلاح هذا الخلل من خلال إجراء صارم يعصف بمسببات الخلل وينقل الاقتصاد السعودي إلى جانب الأمان الكمي والكيفي المنشود. ومع ذلك لا يزال الخلل كما هو ولا يزال الاعتماد الكبير على العمالة الأجنبية ساري المفعول، ولا يزال العامل السعودي يشارك على استحياء في العملية الإنتاجية كما لا يزال سوق العمل السعودي يفتقر إلى الجهة الحكومية الفاعلة القادرة على تصحيح الخلل الهيكلي في هذه السوق المهمة. فإذا كان مثل هذا السيناريو أمراً واقعاً، فإن من حقنا كسعوديين أن نتساءل عن الأسباب التي ما زالت تحول دون قيام الجهات الحكومية المعنية بدورها الرئيس تجاه تصحيح الخلل الكبير في واقع سوق العمل السعودي الذي أدى بدوره إلى بروز العديد من المشاكل الاقتصادية والفكرية والاجتماعية، وحتى السياسية في مجتمعنا السعودي. لقد انتشرت البطالة ليس فقط بين الشباب السعودي ولكن أيضاً بين المقيمين في هذه البلاد ومعها انتشرت الجريمة بأشكالها وطرقها المختلفة مما ساهم في إثقال كاهل الأجهز الأمنية وربما صرفها عن أداء واجبها الرئيس. لقد قلت فرص العمل المتاحة أمام الشباب السعودي مما زاد من الضغط على فرص التعليم المتاحة كمحاولة يائسة للابتعاد عن شبح البطالة وضغوطها الاجتماعية والاقتصادية الذي بدوره زاد من معاناة الأجهزة الحكومية المعنية بالتعليم العالي وأظهرها أمام الجميع في ثوب المقصر عن أداء واجبه الوطني. والأسوأ من ذلك أن عدم وجود فرص العمل المناسبة مع عجز المؤسسات التعليمية الوطنية عن استيعاب الخريجين ساهم بلا شك في توجه الكثير من أبناء الوطن إلى البحث عن فرص التعليم في الخارج مما عرضهم للكثير من المخاطر الفكرية والسلوكية التي ستشكل خطراً مستقبلياً على المجتمع السعودي. وإذا تطرقنا للجانب الاقتصادي البحت فإن التحويلات السنوية التي تنفذها العمالة الأجنبية تسبب استنزافاً حقيقياً للدخل القومي وتحرم الاقتصاد السعودي من فرص الاستثمار المستقبلية مما سيؤدي بلا شك إلى ندرة حقيقية في فرص العمل وإلى تدني مستوى رفاهية المواطن. كما أن حرمان الشباب السعودي من المشاركة الفاعلة في العملية الإنتاجية قد أدى إلى حرمان البلد من الاستفادة من التقنية المستخدمة وإلى تعريض الاقتصاد السعودي إلى درجة عالية من الانكشاف والتبعية الاقتصادية. كل هذه الآثار وغيرها الكثير منبعها الحقيقي الخلل الهيكلي في سوق العمل السعودي ومع ذلك لم نجد إجراءات فاعلة لتصحيح هذا الخلل. فهل تكون الأحداث الأخيرة دافعاً قوياً للمسؤولين في الأجهزة الحكومية لاتخاذ القرارات الصارمة التي تغلب المصلحة الوطنية على كل المصالح الأخرى؟ وهل سنلاحظ في المستقبل حركة دائبة في مكاتب العمل لتفعيل آليات توظيف الشباب السعودي بدلاً من التسابق على منح التأشيرات التي أغرقت المجتمع السعودي بالغث من العمالة الأجنبية؟ نتمنى ذلك.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|