| عزيزتـي الجزيرة
بادئ ذي بدء نود تأكيد أن الطب بشكل عام هو أحد أهم العلوم الإنسانية تميزاً، ومن ثم فإن من يعمل بهذه المهنة الجليلة هو بلا شك إنسان متميز.
فإذا كانت إرادة المولى عز وجل قد كرمت الإنسان وجعلته خليفة الله في الأرض، فإن المؤكد أن الإنسان لن يكون بمقدروه عمارة الأرض كما ينبغي وخلافة الله عليها ما لم يكن صحيح الروح والجسم والعقل.
وهو ما لا يتحقق إلا بمساندة من العالم الشرعي الفقيه الذي يتعامل مع روح الإنسان، في حين تقع مسؤولية العناية بصحة البدن على العالم الطبي.
ونلاحظ أنه إذا صلح الجسد وصلحت الروح تحققت عمارة الأرض. إن علم الطب عين متدفقة ونهر جار فعندما يتوقف الطبيب يصبح مستنقعاً بجلب المرض! والمتأمل للمنظومة الطبية المعاصرة يلحظ تشابها كبيرا بينها وبين مملكة النحل، فبينهما في الحقيقة عناصر مشتركة كثيرة ويستبين ذلك بوضوح في أن لكل فرد من أفراد الفريق عملاً محدداً يجب أن يقوم به على الوجه الأكمل وفي إطار من النظام العام والانضباط والاحترام من حيث الفئة والدرجة. يحضرني في هذا المقام حادثة ذات علاقة بذلك وقعت عندما كنت أتولى إدارة أحد المستشفيات بالمنطقة الشرقية، وذلك أن أحد أطباء النساء والولادة بالمستشفى، وفي أثناء قيامه بإجراء عملية قيصرية، لاحظ وجود التهاب في الزائدة الدودية للسيدة التي كان يجري لها العملية القيصرية، فقام باستئصال الزائدة، الأمر الذي نتج عنه بعض المضاعفات.
ورغم أن لجنة التحقيق التي باشرت القضية اكتشفت خطأ مقبولا من جانب الطبيب في مجال تخصصه ولكنها أدانته بسبب قيامه باستئصال الزائرة الدودية من تلقاء نفسه دون أن يستدعي الجراح المختص. ربما ينقلنا ذلك إلى طرح سوال ذي علاقة غير مباشرة بهذا الحادث وهو: هل بالضرورة لنجاح مدير مستشفى أن يكون طبيباً؟
أعتقد عزيزي القارئ أن إجابتك إذا كانت بنعم فلا داعي لأن تستكمل قراءة هذا المقال، لأن إجابتك تنبع هنا من الحقيقة المعلبة التي لا تحاول البحث عن الحقيقة التي هي ضالة المؤمن.
لدي سؤال آخر:
هل بالضرورة أن كل مدير متخصص في الإدارة الصحية يجب أن يكون ناجحاً؟
فإذا كانت إجابتك بنعم أيضا فلا تواصل قراءةهذاالمقال فأنت كذلك تجيب من منطلق الحقيقة المعلبة دون محاولة البحث عن الحقيقة.
أما إذا لم تكن من هؤلاء ولا من أولئك، فتعال نناقش الموضوع من منطق أنه إذا كان في الطب تخصصات شتى من تخدير وأشعة ومختبرات وأطفال وباطنية وما إلى ذلك فلماذا لا يدخل علم الإدارة الصحية ضمن التخصصات الطبية آنفة الذكر، بحيث يكون من يدير المؤسسة طبيباً متخصصا في إدارة المستشفيات؟!
غير أن المشكلة في رأيي لا تنحصر فقط فيما إذا كان المدير طبيباً أو إدارياً متخصصا، ولكنها تتعدى ذلك إلى ضرورة أن يكون من يتولى هذه المسؤولية عاقلا حكيماً، ينبض قلبه بحس المؤسسة التي يديرها فيشيع الأمن بين العاملين بها، وينحني لمن يقدم الخدمة، مشعرا إياه بأنه في موقعه ليس سلطاناً متجبراً بل خادم أمين، وأنه استطاع أن يترجم الأنظمة واللوائح والتعليمات والتعاميم إلى واقع ملموس.
ثم إن أمر نجاح المؤسسة أو فشلها يجب ألا ينحصر في حقيقة الأمر في شخصية مدير المستشفى بمفرده، فمن المفترض أن يكون ذلك المدير جزءا من كل في إطار منظومة متكاملة.
صالح الخنيني
مساعد الأمين العام للهيئة السعودية للتخصصات الصحية
|
|
|
|
|