| الاقتصادية
كان الحديث في الأسبوع قبل الماضي يدور حول مدى جدوى وسائل العلاج التقليدية في حل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي، ومنشأ التساؤل حول جدواها كان طبيعة المشاكل التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي الآن وكونها تختلف عن المشاكل التقليدية التي تعود عليها حتى وإن تشابهت أعراض كل منها، الأمر الذي يقتضي ضرور البحث عن أساليب علاج جديدة تناسب طبيعة المشاكل الجديدة وتكون قادرة على التعامل مع أسبابها لا مع مجرد الأعراض،
من الواضح أن المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي الآن ليست مشمولة في قائمة المشاكل التي يمكن علاجها بواسطة أساليب العلاج التقليدية، ويكاد يكون من المتفق عليه أن مرد المشاكل الأخيرة هو اهتزاز ثقة المجتمع الأمريكي وغير الأمريكي في كثير من المؤسسات الأمريكية وآليات عملها، فقد بينت الأحداث الأخيرة أن كثيراً من الركائز التي صورت على أنها ثوابت لا يمكن أن تهتز ليست كذلك، فأصبح من المألوف بعد أن كان غير ذلك الحديث عن مدى عدم استقرار البيئة الاستثمارية في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي تناقص عامل الثقة فيه وبدأ البحث عن البديل يشغل حيزا من تفكير الأفراد والمؤسسات والحكومات،
هذا غير اهتزاز ثقة المستهلكين الأمريكيين الذين يشكل إنفاقهم عصب الاقتصاد الأمريكي في استمرار تواجد فرص العمل الكافية وتدفق الدخول بالقدر المناسب،
إن عامل الثقة من الركائز التي يرتكز عليها أي اقتصاد وتعتبر من الأساسيات التي لا بد من وجودها حتى يكون الاقتصاد مستقراً وحتى تعمل آلياته وفق ما هو مرسوم لها وما هو مطلوب منها، وبدون الثقة تختل دعائم الاقتصاد من أساسها ويصبح استخدام الوسائل العلاجية التقليدية التي لا تعالج هذه المشكلة كمن يقوم بترميم مسكن تهالكت أساساته بفعل جائحة أصابته،
وللتدليل على أهمية عنصر الثقة في الاقتصاد الأمريكي لنتصور حجم الديون الناشئة عن استخدام البطاقات الائتمانية والتي تبلغ مليارات الدولارات سنوياً والتي مبني منحها على الثقة في استعداد العميل وقدرته على سداد هذه الديون في مواعيدها المستحقة وإلا فما الذي يجعل المؤسسات المالية تصدر بطاقات ائتمانية بسقوف عالية بدون أن يكون لديها أية ضمانات مادية،
ولعل من الأدلة المادية على أهمية عنصر الثقة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي تلك العبارة المطبوعة على أحد وجهي الدولار والتي ترجمتها «بالله نثق» In GOD We Trust،
طوال السنوات العديدة الماضية كانت حياة المجتمع الأمريكي في معظم جوانبها ومن بينها الجانب الاقتصادي تسير سيراً هادئاً باستثناء بعض المطبات الصغيرة الطبيعية المتوقعة والتي يمكن التعامل معها وفق وصفات معروفة، ولذلك لم تتوقف القافلة الأمريكية عندها كثيراً ولم تؤثر بشكل كبير ومفاجئ في نمط حياة أفرادها، لكن الأحداث الأخيرة كانت غير ذلك تماماً فما حصل لم يكن مجرد مطب في مسيرة المجتمع الأمريكي وإنما حفرة عميقة جداً وجد نفسه أمامها بشكل مفاجئ وغير متوقع أدت إلى انحراف قافلة المجتمع الأمريكي عن خط سيرها وأخذها لطريق آخر ربما لن يكون واضح المعالم لفترة زمنية طويلة،
قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|