| محاضرة
بدعوة من وزارة الإعلام السورية، ألقى رئيس التحرير الزميل الأستاذ خالد المالك محاضرة في معهد الاعداد الاعلامي بدمشق عن الصحافة العربية بحضور عدد من القيادات والعاملين في مختلف وسائل الإعلام، وفيما يلي نص المحاضرة:
أيها الأحباب..
زملاء المهنة..
والهموم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يطيب لي بدءاً أن أعلن عن سعادتي وسروري بهذا اللقاء..
فليس هناك أحب إلى النفس..
وأقرب إلى الوجدان..
من لقاء كهذا..
من حوار مباشر بين أصحاب الصنعة الواحدة..
والاهتمام الواحد..
حول همومها..
وأوضاعها..
وقراءة لكل ما يتصل بها..
استباقا لما يمكن أن يضعف دورها..
وتحضيرا لما يتطلبه تطويرها من استعدادات..
***
أيها الإخوة
أشعر بدفء في مثل هذه اللقاءات..
من خلال هذه الوجوه الطيبة..
وهذه العقول النيرة..
يجمعني بها هذا المعقل الإعلامي الكبير..
وهذا الصرح الذي أعطى للإعلام الكثير الكثير..
وننتظر منه ما هو أكثر وأكثر..
ننتظر منه ما هو في صميم خدمة الأمة..
في قضاياها..
ومشكلاتها..
بانتظار الاستجابة لآمالها..
وتحقيق تطلعاتها..
وبحسب واقعنا اليوم وكما تعرفون فهي تئن منها وتشتكي..
***
جئت إليكم..
لأستمع لكم..
ولأتعلم منكم..
لأستزيد مما لديكم..
فالإعلام كلمة..
والإعلام رسالة..
والإعلام سلاح..
وهو قضية..
عندنا ولدى الغير..
والمطلوب أن نحسن استخدامه..
وأن نوظفه التوظيف الصحيح لخدمة قضايا الأمة..
لخير الإنسانية..
لما ينسجم مع معتقداتنا..
بحيث يتناغم مع ما نريد..
مع ما نؤمن به..
من أجل ما نحن موعودون به إن شاء الله..
***
أجل:
الاعلام العربي يجب أن يكون حاضراً للدفاع عن حقوقنا..
مهيأ لخدمة أهدافنا..
وعلى الإعلام..
وعلينا كإعلاميين..
أن نكون في مستوى التحدي..
وأن نترجم قدراتنا بتحقيق آمال الأمة فينا..
وأن نستفيد من وسائل إعلامنا
في إنجاز مالم يتم إنجازه بعد..
***
نريد من الإعلام العربي أن يكون لسان حال الأمة..
نريد لأنفسنا أن نكون ضميرها الذي لا ينام..
وعقلها اليقظ الذي يفكر دائماً بما تريد..
علينا أن نستفيد من الأجواء المحلية والدولية.
بسلبياتها وإيجابياتها..
في تفعيل دور الإعلام العربي..
ليؤدي رسالته ويؤثر في كل الطروحات التي تخاطب مصلحة العرب من المحيط إلى الخليج..
***
أعرف وتعرفون أن هناك معوقات..
وهناك ألغاما كثيرة مزروعة في الطريق..
قد تحول دون تحقيق إعلامنا العربي لما يسعى إليه..
لكنَّه بالإرادة والتصميم..
وبالمثابرة والصبر..
بالنظرة التفاؤلية الممزوجة بالإصرار والثبات..
وبالتحدي الذي لا يقبل أنصاف الحلول..
يستطيع إعلامنا أن يقول كلمته..
وأن يكون هو المعادلة الصعبة والمهمة عند إقرار أي شيء له مساس بحقوق الأمة..
***
بهذا التصور..
يمكننا أن نقترب مما يدور في أذهان المواطنين العرب..
أن نتلمس مطالبهم...
وأن نصل إلى شيء كبير مما يفكرون فيه..
كي تكون رسالتهم واضحة لنا كإعلاميين..
ورسالتنا لهم في متناول فهمهم واستيعابهم...
وبالتالي نعمل على إنجاز ما هو مطلوب منا إعلاميا لكسب ثقتهم..
***
لا أريد هنا أن أستبق في كلامي ما يدور في خلد كل واحد منكم..
كما أنني لا أسمح لنفسي بتهميش ما تفكرون فيه..
من خلال تنظير مضاد يبعدنا عن جوهر الموضوع وخفاياه..
ويخرج الصحافة من دور مهم يجب أن تقوم به.. ولهذا فالحوار بين الإعلاميين من جهة وبينهم وبين المتلقين من جهة أخرى يقرب الصحافة ويساعدها على أن تكون صاحبة موقف له وزنه.. وأن تكون صاحبة دور لها فيه الريادة.. تتأثر وتؤثر فيه بوصفها السلطة الرابعة..
***
أنتم تمثلون كل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ولكل منها اهتمامها وتخصصها وأسلوب عملها الخاص..
لكن تبقى الرسالة واحدة..
وإن اختلف الأسلوب لا المضمون..
بما يسمح لي بأن أستأذنكم في التذكير بذلك..
انطلاقا من أن قياس الفروقات فيما بينها تبدو مع ذلك جد محدودة..
ولأن المطلوب مني أن أتحدث عن «الصحافة العربية: الماضي والحاضر والمستقبل»، وهذا هو عنوان المحاضرة ضمن دورة المحاضرات التي ارتآها المنظمون، وسوف يتحدث عنها وحولها زملاء آخرون من دول عربية أخرى شقيقة..
فإن ما سيلي من كلام سيكون في هذا الإطار وضمن محاور المحاضرة التي حددها المنظمون ب:
1 لمحة عن ظهور الصحافة الدولية وظهور الصحافة العربية.
2 هيمنة المركزية الإعلامية الدولية وأثرها على أداء الصحافة العربية وأداء أجهزة الإعلام العربية عموماً.
3 موجز عن تاريخ الصحافة في المملكة العربية السعودية.
4 عرض لتجربتي الشخصية في العمل الصحفي.
إذاً سوف أقصر حديثي لكم على الصحافة دون بقية وسائل الإعلام الأخرى، وفي حدود ما يوحي به عنوان المحاضرة ومحاورها..
تمهيد
تعرف الصحافة بتعريفات عدة، ففي القاموس المحيط جاء ذكر الصحيفة على أنها هي الكتاب، فيما ورد تعريفها في المنجد بأنها كتابة الجرائد، وفي المعجم الوسيط ذكر بأنها مهنة من يجمع الأخبار والآراء وينشرها في صحيفة أو مجلة، أما قاموس أوكسفورد فقد استخدم كلمة صحافة بمعنى pressوهو ما يعني أنها تشمل الصحيفة والصحفي معاً، وفي المصباح المنير ذكر أن الصحيفة تعني قطعة جلد أو قرطاس يكتب فيه، ويقول ابن منظور في لسان العرب بأن الصحافة مشتقة من الصحف «جمع صحيفة» وهي التي يكتب فيها ، وفي الصحاح للجوهري أن الصحيفة جمعها صحف وصحائف وهي الكتاب بمعنى الرسالة، وهناك من يستخدم لفظ «جريدة» بدلا من «صحيفة»، وجاء في القرآن «إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى» صدق الله العظيم.
قواميس اللغة ومعاجمها والكتب المتخصصة تتوسع في إعطاء تعاريف أخرى للصحيفة، لكن هذه التعريفات كلها تلتقي في النهاية عند معنى واحد وهو ما يغنينا عن إسماعكم المزيد من التعريفات للصحافة مما هو مدون في أمهات الكتب مكتفين بما سبقت الإشارة إليه من تعريفات.
الصحافة العالمية
ويجمع الكثيرون على أن أول صحيفة صدرت في العالم هي الصحيفة الصينية «كين بان»، حيث صدرت في القرن التاسع قبل الميلاد، وإن كانت هناك وجهات نظر أخرى ترى غير ذلك عند حديثها عن المنبت الحقيقي للصحافة، والصين عموماً عرفت فن طباعة الكتب قبل أوروبا بوقت طويل، وهذا ربما كان دليلاً يستند عليه البعض لتأكيد صحة الزعم القائل بأن الصين قد سبقت غيرها في إصدار أول صحيفة في العالم، والطريف في الموضوع أن هذه الصحيفة كانت في فترة من الفترات تصدر في ثلاث طبعات ولكل طبعة تميزها بلون خاص بها، فطبعة الصباح باللون الأصفر وطبعة الظهر باللون الأبيض وطبعة المساء باللون الأحمر.
ويذكر الأستاذ عثمان حافظ في كتاب له عن تطور الصحافة اعتماداً على إحصاءات قديمة لمنظمة اليونسكو أنه يوجد في العالم أكثر من 30 ألف صحيفة تطبع يومياً حوالي 250 مليون نسخة، وهي أرقام قد لا تبدو دقيقةً ونحن نوردها مع شيء من التحفظ ملتمسين للمؤلف العذر في أن كتابه يتحدث عن فترة زمنية مضى عليها قرابة العشرين عاماً ويؤسفني أنه لم يتسن لي تحديثها لضيق الوقت الذي سبق إعداد هذه المحاضرة.
هيمنة المركزية الإعلامية الدولية وأثرها على الصحافة العربية وأداء أجهزة الإعلام العربية
حين نتابع الإعلام الدولي..
بصحافته وبقية المنظومة..
نتتبعها تتبع من يريد أن يتعرف عليه ..
لنقترب من معرفة غاياته والأهداف التي يسعى إليها ..
عند أي مشكلة أو حالة غير طبيعية ..
مع ما يمس مصالحنا أو يعرض حقوقنا للخطر..
في حالة أن تكون لنا علاقة بهذا الوضع أو لم تكن..
سنجد أن هذا الإعلام يضع كل إمكاناته بما يخدم أغراضه ومصالح من ينتمي إليه ..
هناك من يصفه بأنه إعلام بغيض ..
ومن ينعته على طروحاته التي تتسم بالحقد والكره لكل ما هو عربي ومسلم..
وفي رأيي المتواضع أنه آن الأوان لأن نبتعد عن هذا النوع من التعامل مع إعلام يتميز بالتفوق مهنياً في طروحاته وإمكاناته وتطوره المستمر حتى وإن كان يعمل ضد مصالحنا..
كما آن الأوان لأن نعيد النظر في واقع إعلامنا العربي بالتعرف على وضعه الحقيقي ومن ثم معالجة جوانب القصور فيه..
وأن نبتعد عن إلقاء المسئولية على ما نحن فيه على الإعلام الدولي المعادي..
لأن هذا بطبيعة الحال ومن المؤكد لا يحل لنا مشكلة ولا يعيد حقاً لأصحابه..
***
الإعلام العربي كما تعرفون يعتمد اعتماداً كبيراً في معلوماته وأسلوب طرحه وهذا شيء مؤسف على الإعلام الدولي..
والحضور الإعلامي العربي في مقابل التواجد الإعلامي الدولي لا يسير لصالح أهدافنا، وهو ما يعني إعادة النظر في الكثير من الاساليب التي تدار بها حالياً وسائل الإعلام العربية..
وبدون هذا ..
فإن هذه الهجمة الإعلامية الدولية الشرسة ستكون هي الأقدر على تغييب صوتنا..
وفي تهميش أي رأي أو فكر نرى فيه إمكانية الوصول إلى عقول الآخرين..
***
أسألكم..
أين موقع الإعلام العربي في منظومة الإعلام الدولي..؟
كم وكالة أنباء نمتلكها وتعتمد عليها وسائل الإعلام العالمية كمصدر من مصادرها..؟
هل نستطيع بالإعلام العربي الرسمي وهذه القنوات الفضائية العربية التي تخاطب العرب دون غيرهم أخذ أي دور مع وسائل الإعلام الدولية..؟
أسألُكم مرة أخرى..
كيف لا يؤثر الإعلام الدولي سلباً في الإعلام العربي طالما هو مصدرنا في كثير مما تقرأونه وتشاهدونه وتستمعون إليه في مختلف وسائل إعلامنا..؟
وهذه الهجمة الشرسة أيها الزملاء التي تمارسها وسائل إعلامهم لمصادرة كل صوت يطالب بحقوقنا..
بل وهذا الانتقاء المدروس إعلامياً لما هو ضد مصلحتنا من القضايا وإبرازها في إعلامهم..
ماذا يعني وبم تفسرونه..؟!
للأسف الشديد، أننا أحياناً نخدمهم بحسن نية وربما بغباء في إيصال رسائلهم إلى المواطنين العرب..
وهذا الاختراق يمكن تجنبه إذا أمكننا تطوير هذه المهنة بشرياً وفنياً في وسائل إعلامنا..
وتوفير شروط نجاحها بما في ذلك إعطاؤها مساحةً أكبر من الحرية المسؤولة..
وننجح أكثر إذا أحسنا استخدام اللغة التي يفهمونها وتناسبهم عند تقديم أنفسنا لهم..
***
لا شك عندي أن المركزية الإعلامية الدولية قد أثرت تأثيراً كبيراً على الصحافة العربية وعلى أجهزة الإعلام العربية بعمومها..
والمؤكد أن هيمنتها قد أثرت سلباً في جوانب كثيرة لا تغيب عن أذهانكم..
لكن المؤكد أكثر أنه كان بإمكاننا أن نستفيد من خبرتها وتفوقها وتاريخها في تطوير صحافتنا
وكذا بقية وسائلنا الإعلامية..
غير أننا لم نفعل وقد لا نفعل وهذا يعني أننا سنبقى على ما نحن عليه.
ظهور الصحافة العربية
من المؤسف أن يكون حجم المطبوعات إلى السكان في الوطن العربي الكبير الذي يزيد عدد سكانه عن 200 مليون نسمة لا يزيد عن 1% من نسبته في الدول الصناعية المتقدمة، مع أن العالم العربي شهد صدور أول صحيفة منذ نحو قرنين حين صدرت صحيفة «التنيه» في مصر إبان حملة نابليون عليها.
ويذكر الأستاذ/ سجاد الغازي في كتابه «الصحافة في البلاد العربية» بأن الصحافة العربية مرت من خلال تطورها بمراحل مختلفة، فقد بدأت على يد سلطات الاحتلال: عثمانياً كان أو فرنسياً أو بريطانياً أو إيطالياً وكان الهدف هو أن تصبح الجريدة وسيلة للدعاية والدفاع عن رؤيتها وتقريبها إلى الجمهور، ولكن سرعان ما ظهرت الصحافة الوطنية وارتبطت بأماني الشعب وقيمته الثقافية والروحية.
ويضيف الأستاذ/ سجاد الغازي نقلاً عن الإحصاءات الصادرة عن اليونسكو أن نسبة توزيع الصحف اليومية في المنطقة العربية تبلغ 30 نسخةً لكل ألف من السكان بينما هي في أوروبا الغربية 264 نسخةً لكل ألف من السكان وفي المتوسط العالمي 136 نسخةً لكل ألف من السكان، فتوزيع الصحافة اليومية العربية يبلغ 5 ملايين نسخة مقابل 127 مليوناً في أوروبا الغربية من مجموع 443 مليون نسخة في العالم.
ومن المؤكد أن هذه الأرقام قد تم تحديثها من قبل اليونسكو، ولكن في كل الأحوال لا أعتقد أنه سيكون هناك ذلك التغيير الكبير لصالح الصحافة العربية.
ويبدو أن هناك علاقةً تكامليةً وثيقةً بين المطابع والصحافة، ولهذا فليس مصادفة أن يأتي صدور أول صحيفة في العالم العربي من مصر، فقد سبق إصدارَها وصول مطبعة مع الحملة الفرنسية، وتعلمون أن سوريا كانت الأسبق في ظهور المطبعة فيها كأول دولة في المشرق العربي وكان يفترض أن يتزامن مع ظهورها إصدار صحيفة أو أكثر لكن نشاط هذه المطبعة اقتصر كما تقول المصادر التي رجعنا إليها على طباعة الكتب الدينية ومن ثم الكتبِ العلمية والأدبية وكتب التراث.
وعلينا أن نذكر بإجلال اسمي علمين في الصحافة العربية: الأول رزق الله حسون الحلبي الذي أصدر أول صحيفة عربية في استنبول ويمكن اعتبارها أول صحيفة عربية مهاجرة والثاني خليل الخوري الذي أصدر أول صحيفة في البلاد العربية وتحديداً في بيروت والحديث عن تاريخ الصحافة العربية سواء خلال فترة الحكم العثماني أو الفترات التي كانت الدول العربية ترزح فيها تحت حكم المستعمرين الآخرين فإن المؤرخين يتفقون على مراحل نشوء هذه الصحافة، فيما جاء الحديث عن الصحافة العربية المعاصرة موثقاً بحكم استخدام التقنية العلمية الهائلة في تسجيل وقائعها، والصحافة العربية المهاجرة أخذت نصيبها ضمن هذا التوثيق.
وأظنكم على علم بالكثير عن تاريخ صحافتنا العربية، ولا تحتاجون مني ولا من غيري الى مزيد على ما تعرفونه عنها من معلومات، ولهذا أكتفي بهذا القدر، وإن كان لا يغطي تغطية كاملة ما ينبغي أن يقال عن الصحافة في العالم العربي.
موجز عن تاريخ الصحافة
في المملكة العربية السعودية
كانت مكة المكرمة ثاني مدينة من مدن الجزيرة العربية تعرف فن الطباعة عندما أنشأت الحكومة التركية فيها مطبعة رسمية في العام 1883م، وتعد الجريدة الأسبوعية «حجاز» التي صدرت عام 1908م أول جريدة تصدر في ولاية الحجاز وكل هذا كان قد تم قبل قيام الدولة السعودية الحديثة الثالثة.
ويقول الدكتور/ محمد الشامخ في كتابه «نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية»، بأن السنوات الست عشرة التي سبقت توحيد هذه البلاد على يد الملك عبدالعزيز وقيام الدولة السعودية تعتبر الطور الأول من أطوار الصحافة فيها، ولكنه يرى أن النشأة الحقيقية للصحافة في هذه البلاد قد بدأت في أواخر 1924م حين أنشئت صحيفة أم القرى، وذلك لأن صدور هذه الصحيفة قد آذن ببدء عهد صحفي جديد اتسم بالاستمرار والاستقرار وقام فيه أبناء البلاد بالدور الأكبر في ميدان العمل الصحفي.
ويضيف الدكتور/ الشامخ بأنه قد صدرت إلى جانب هذه الصحيفة صحيفتان هما «صوت الحجاز» في العام 1932م و«المدينة المنورة» في العام 1937م وثلاث مجلات هي «الإصلاح» عام 1920م و«المنهل» عام 1937م و«النداء الإسلامي» عام 1937م.
ويذكر الدكتور/ عبدالرحمن الشبيلي في بحث له عن الاعلام السعودي بأن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه اللّه كان له أسلوبه الخاص في التعامل مع الصحف ومع الإذاعات ومع رجال الفكر والإعلام، والدكتور/ الشبيلي يبدو بوجهة النظر هذه وكأنه يتفق مع الرأي القائل بأن العهد الصحفي الذي اتسم بالاستقرار والاستمرار قد تزامن فعلاً مع توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز وهو ما يراه الدكتور الشامخ.
وفي المملكة تصنف الصحافة إلى صحافة أفراد وصحافة مؤسسات، فقد كانت الصحافة السعودية تخضع للملكية الفردية إلى أن صدر نظام المؤسسات الصحفية عام 1964م الذي بموجبه أنشئت المؤسسات الصحفية بمسمى المؤسسات الأهلية للصحافة بحيث تحمل كل مؤسسة صحفية اسماً مميزاً لها.
ومن هنا جاء التصنيف معتبرين الصحف والمجلات التي كانت تصدر قبل صدور نظام المؤسسات الصحفية صحافة فردية انطلاقا من أن مالكها شخص واحد، فيما أن المؤسسات الصحفية التي اعتبرها النظام بمثابة مشروع تقيمه مجموعة من المواطنين السعوديين للحصول على إصدار صحيفة أو أكثر، إنما هي صحافة مؤسسات.
***
لقد كان صدور نظام المؤسسات الصحفية إيذاناً ونقلة نوعية وكبيرة في تطور صحافة المملكة فقد ساعدها في توفير الإمكانات البشرية والطباعية والمالية والفنية مع ما صاحب هذه الخطوة من تنظيم علمي مدروس مكنها من إنشاء إدارات متخصصة ومجالس إدارات وجمعيات عمومية لتساعد المؤسسة الصحفية وإصداراتها من خلال الرأي والرأي الآخر في بلورة الأفكار الصحفية وترجمتها إلى واقع.
***
لقد صدرت تحت مظلة نظام المؤسسات الصحفية عشر صحف يومية باللغة العربية، وثلاث صحف يومية باللغة الانجليزية، وأربع مجلات أسبوعية، وعشر مجلات شهرية، وثماني مجلات فصلية، إضافة إلى ما يزيد على سبعين مجلة تصدر عن الأجهزة الحكومية وبعض المؤسسات.
هذا العدد من الصحف والمجلات على كثرته فإن السياسة الاعلامية في المملكة تتيح لغيره من الصحف الأجنبية منافسته، فهناك 622 صحيفة ومجلة باللغة الانجليزية توزع داخل اسواق المملكة، ويبلغ ما يوزع من المجلات والصحف التي تصدر باللغة الفرنسية 87 صحيفة ومجلة، وفي اللغة الالمانية وصل ما يوزع منها إلى 45 صحيفة ومجلة، وهناك 19 صحيفة ومجلة باللغة الايطالية، أما دول شرق آسيا وبمختلف لغاتها فيوزع 236 من مجلاتها وصحفها.
والمحصلة النهائية أن سوق المملكة مفتوح للإعلامِ الأجنبي وبانفتاحه هذا بلغ المجموع الكلي لما يستقبله من الصحف والمجلات أكثر من ألف مطبوعة وفق آخر إحصائية صادرة عن وزارة الاعلام السعودية في منتصف هذا العام، وهذا بخلاف ما يوزع من صحف ومجلات عربية غير سعودية، فهناك 35 صحيفة يومية و24 صحيفة اسبوعية و63 مجلة اسبوعية و290 مجلة شهرية و14 مجلة فصلية.
***
أضيف إلى ما سبق..
بأن هناك المجلس الأعلى للإعلام في المملكة..
وهناك وزارة الإعلام..
يوجد نظام للمطبوعات..
وللمؤسسات الصحفية نظام خاص بها..
وهناك السياسة الإعلامية التي صدر قرار بها من مجلس الوزراء..
ومن خلال هذه الجهات وبموجب هذه الأنظمة، يتم الترخيص للصحيفة أو المجلة..
وكذا إنشاء المؤسسة الصحفية..
اذاً لا خوف على مستقبل المؤسسة الصحفية ولا على الصحيفة ولا على العاملين فيها..
فهذه الجهات وهذه الأنظمة وجدت لتحمي الصحفي من تسلط الغير وتحمي الآخرين من تجاوزاته الصحفية..
وفي هذا الجو الصحي تمارس المؤسسات الصحفية السعودية أعمالها..
موجز عن تاريخ
صحيفة الجزيرة
مرت صحيفة الجزيرة بعدة مراحل قبل صدورها يومياً..
فقد أسسها الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس لتكون مجلة شهرية وبدأ في إصدارها في الثلث الأول من عام 1960م..
واستمرت في الصدور حتى منتصف عام 1964م..
تحولت بعد ذلك في العام نفسه إلى مؤسسة صحفية تصدر عنها صحيفة أسبوعية بالاسم ذاته ولمدة ثماني سنوات..
وفي الثلث الأخير من العام 1972م بدىء في إصدارها يومياً..
وصحيفة الجزيرة تصدر بالرياض عن مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر..
ولها أكثر من ثلاثين مكتباً في عدد من مناطق ومحافظات ومدن المملكة العربية السعودية.
كما أن لها مكاتب ومراسلين في عدد من العواصم العالمية، وهي تصدر طوال العام ودون توقف.
***
تجربتي الشخصية
مع الصحافة
الحديث عن التجربة الذاتية قد يفهم منه في كثير من الأحيان وكأنه ممارسة نرجسية..
ومثلما نجد من يكثر من الحديث عن نفسه.. فهناك آخرون لايفضلون ذلك بل وينكرونه على أنفسهم وعلى غيرهم..
شخصياً قد أتفهم رغبة المنظمين في وضع التجربة الشخصية كمحور من محاور هذه المحاضرة..
وها أنذا أستجيب لها مع تضادها مع الكثير من اقتناعي..
أفعل هذا لسببين:
الأول، أن محدثكم لم يستأذن ولم يستشر ولم يؤخذ رأيه في هذا..
والثاني، أن هذا المحور مثلما حدد لي فقد وضع لغيري من الزملاء رؤساء التحرير العرب الذين سيحاضرون فيما بعد..
وأعلم جيداً أن حب الفضول من جهة والرغبة الحقيقية لمعرفة هوية المتحدث من جهة أخرى يستهويانكم وهذه طبيعة البشر..
وعلي أن أستدرك أيضاً وأقول لكم إن دارسي الإعلام ربما كان من المهم أن يتعرفوا على تجربة من سبقهم بالعمل في هذا الميدان فقد يكون فيها ما يفيدهم..
وفي ضوء ما أحاول أن أقنع به نفسي..
وأرجو أن يكون مقنعاً ومفيداً لكم..
أقول إن الصحافة بجاذبيتها وأضوائها وبريقها قد استهوتني منذ صغري..
وإنها ببهائها قد خطفتني من مقاعد الدراسة ومن الوظائف الأخرى إلى بلاطها في سن مبكرة..
حين بدأت العمل بالصحافة لم يكن عمري قد تجاوز العشرين بكثير..
كما أن رئاسة التحرير تقلدتها عند بلوغي الثلاثين من عمري تقريباً..
وبين البداية والوصول إلى هرم المسؤولية في صحيفتي أمضيت تلك السنوات محرراً ومديراً للتحرير..
***
لحسن الحظ أنني تسلمت صحيفة أسبوعية تملك ترخيصاً يعطيها الحق بالصدور يومياً..
وتلك كانت فرصتي لتقديم نفسي في إنجاز صحفي أضيفه إلى تاريخي في هذا المجال..
خلال أقل من عام وبعد تسلمي لرئاسة التحرير كانت صحيفة الجزيرة وبعد ثماني سنوات من الانتظار في منافذ البيع توزع يومياً..
ومن المؤكد أنكم تعرفون أن التجربة كانت صعبة وأنها لم تكن سهلة أبدا..
فقد كانت مغامرة كبيرة محفوفة بالكثير من المعوقات..
***
أنا أحدثكم عن تجربتي في إصدار يومي أنجزته وزملائي قبل ثلاثين عاماً وليس الآن..
وكان يحتاج إلى الكثير من الإمكانات التي لم تكن متاحة لنا في ذلك الوقت..
كان العنصر الرئيس الذي اعتمدنا عليه زملائي وأنا في إصدار الصحيفة يومياً هو الرغبة في إشباع نهم القراء بما كانوا يفكرون فيه ويبحثون عنه..
كان يهمنا أن نقدم عملا صحفيا كبيرا يكون إضافة ناجحة إلى ماهو موجود من إصدارات صحفية أخرى..
وأذكر أن هناك من شكك في إمكان إصدار الصحيفة في ظل الإمكانات البشرية والطباعية والفنية المتواضعة حينذاك..
وأنه راهن على إخفاق الخطوة..
لكننا نجحنا..
بل أقول بثقة إننا تفوقنا..
التجربة بالنسبة إلي كانت غنية بالعبر والدروس..
فقد أفادتني وزملائي في إيقاظنا إلى ما كان يجب أن نكون على علم به من قبل..
لا أريد أن أتوسع كثيراً في هذا الجزء من الموضوع لكن من المهم ألا يتهيب الشباب في وطننا العربي الكبير من الإقدام على الأعمال الكبيرة..
أخلص بعد هذا إلى أن تجربتنا في إصدار صحيفة الجزيرة فيها الكثير من الدروس التي ينبغي الاستفادة منها..
نعم، التخطيط مهم..
وكذلك التصميم والصبر..
ولكن الأهم هو الإيمان القوي بما نقدم عليه جميعاً من أعمال وخطوات..
وذلك بأن يكون هاجسنا دائماً العمل بما يرضي خالق هذا الكون ثم وطننا العربي الحبيب وأمتنا الغالية..
***
هناك تجربة أخرى..
من حسن حظي أنني تبنيتها أيضاً.. وساعدني زملاء كثيرون..
وهو عمل غير مسبوق على مستوى المملكة العربية السعودية..
فقد أصدرنا صحيفة المسائية اليومية عن مؤسسة الجزيرة وظلت تصدر بانتظام على مدى عشرين عاماً..
ولسوء الحظ أنها خلال هذا العام احتجبت عن الصدور..
لم يكن التخطيط لها سيئاً..
وكنا على علم مسبق بصعوبة توزيعها مساءً..
غير أن تفاعل القارىء معها لم يكن بمستوى ذلك التصور الذي سبق الإصدار..
انتظرنا عشرين عاماً على أمل أن يستجد مايشجع على استمرارها..
وعندما أخفقت الجهود لإنقاذها أطلق عليها ما أسماه البعض رصاصة الرحمة..
وتوقفت صحيفة المسائية عن الصدور..
هذه تجربة مؤلمة ومريرة لي شخصياً ولكثيرين أبدوا عدم رضاهم عن توقفها عن الصدور..
وهي تندرج ضمن تجربتي الشخصية في العمل الصحفي..
وقد تعلمت منها دروسا كثيرة..
وعلي ان أستفيد منها مستقبلاً..
كما يجب على الباحثين والدارسين أن يتقصوا أسباب مثل هذه النهاية المؤلمة..
وأن يستفيدوا منها مثلما يستفيدوا من غيرها..
***
ومثلما كان لي شرف قيادة فريقين لإصدار صحيفتين يوميتين في المملكة..
فقد كان لي شرف قيادة الفريق الذي تولى إنشاء أول شركة متخصصة في توزيع الصحف والمجلات والكتب في المملكة وأكبرها..
فبعد حوالي اثني عشر عاما من رئاستي تحرير صحيفة الجزيرة أوكل إلي إنشاء شركة التوزيع هذه..
وهي بنظري امتداد ومكمل لعملي السابق..
فالتوزيع جزء من نجاح الصحيفة..
إن لم يكن هو الجزء الأهم..
وقد عانيت منه عندما كنت رئيساً للتحرير..
وكان علي أن أتفهم معاناة الزملاء رؤساء التحرير وأنا أعمل مديراً عاماً لشركة التوزيع..
العمل الجديد يتميز بأنه في خدمة الصحيفة.. ولكن طبيعته وأجواء العمل فيه تختلف عما أعتدت عليه حين كنت أعمل في الصحيفة..
لقد حاولت أن أتكيف مع عملي الجديد..
وأزعم بأني قد نجحت..
وكان علي بعد ست سنوات أن أغادر الشركة الوطنية الموحدة للتوزيع إلى موقع آخر..
***
وبين ترك عملي في الشركة الوطنية وعودتي إلى صحيفة الجزيرة للعمل مرة أخرى رئيساً لتحريرها هناك فترة ابتعاد أقدرها بعشر سنوات..
والمدة التي أمضيتها كاملة بعيدا عن الجزيرة إلى أن عدت إليها مرة أخرى تصل إلى ستة عشر عاماً..
ما الذي حدث بعد كل هذا..
عدت إلى صحيفة الجزيرة رئيساً لتحريرها من جديد..
الحنين إلى الصحافة شدني إليها..
وأعادني إلى أجوائها..
مهنة المتاعب فيها سحر وجاذبية وجمال..
وأنتم تعرفون هذا..
والعارف لا يعرف..
ذلك بعض ما أردت أن أبوح به لكم...
شكراً لكم على هذا الإصغاء...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
************
المصادر والمراجع
الصحافة العربية أديب مروة.
نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية د. محمد الشامخ.
الإعلام في المملكة العربية السعودية د. عبد الرحمن الشبيلي.
تطوّر الصحافة في المملكة العربية السعودية عثمان حافط.
دراسات في الصحافة المتخصصة د. غازي عوض الله.
الموسوعة الصحفية العربية حسين العودات.
الإعلام العربي بين الواقع والطموح د. عبد الله الكحلاوي.
الصحافة العربية في مواجهة التبعية والاختراق الصهيوني د. عواطف عبد الرحمن.
الصحافة في البلاد العربية واستخدام التكنولوجيا الحديثة سجاد الغازي.
|
|
|
|
|