| محليــات
دوماً فالإنسان جُبل على الانحياز لذاته،... ومن ضمن انحياز الإنسان لذاته أنَّه يتخيَّل في هذه الذات القدرة على معرفة كلِّ شيء، وأنَّ كلَّ ما يواجهه من المواقف في الحياة هو قادر على احتوائها من منطلق إلمامه بها... وإدراكه لها...، في الوقت الذي لكلِّ إنسان حدوده التي لا يتخطَّاها فيما قُسم له من «الرزق» الذي ليس هو «المال» فقط، بل هو كلُّ ما يتحقق للإنسان، أو يتحقق عنه... ما شاء الله ربُّه تعالى...
فالآية الكريمة التي تنصُّ على هذه الحقيقة تقول: (رزقكم في السماء وما توعدون) والآية الأخرى التي نصُّها: (... إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاّ بسلطان) توضح الحقيقة من جانبها الآخر...
فالإنسان خُلق ذا قدرةٍ، وذا عجزٍ، فما يعجز عنه يُمنحه من قِبَل ربِّه فيكون رزقاً له، فإذا مُنحه، وعرف كيف يستعمله حقّق مكاسبه التي لا تأتي إلاّ عن سلطان المعرفة، والعلم، وأوّل مراتب هذا السلطان هو معرفة حدوده، تماماً مثل الذي يقوم بتجربة كهربائية حتى إذا استوت عنده في حدود «الكمال» من منظوره البشريِّ دون أن يكون على علم يقين بإتقانها يفاجأ بانفجارها، لأنَّه لم يقف على حقيقة «حدِّها» من حيث الطاقة والقدرة...
لذا فالإنسان من اللاَّئق به أن يتعامل مع «حقائقه» بوعي ورضاء...، فهو بشر، وهو مرهونٌ بما أوتي من قدرات، وهو مرتبط بما يوفِّره لنفسه من وسائل تطوير لهذه القدرات، بحيث تساعد هذه الوسائل على إظهارها، ومن ثمَّ على تفعيلها في حياته، بحيث تُمارس هذه القدرات عطاءها في الشّكل الذي أُريد لها، وفي الكيفية التي أُهِّلت له، وفي الحدود التي قُسمت له...
فما تكون النتيجة، هي المحصَّلة النهائية لما وُعِده الإنسان في السماء وما كُتب له من رزقٍ ممَّن خلقه...
غير أنَّ الإنسان عادةً يكابر...
ويرى أنَّه هو صانع نتائجه، في كلِّ ما تتكوَّن منه تفاصيل ما قبلها، وينسى أنَّه مسؤول عن جزءٍ يخصُّه منها، وهو ما هُيىء له، وهو غير مسؤول عن الجزء الذي يرتبط برزق السماء...
ولئن كان الإنسان يتحيَّز دوماً لذاته، فإنَّه يظلمها، إن لم يسع في الأمر الذي يُعينها على النَّفاذ إلى ما قُدِّر لها...،
وهو يحتاج إلى سلطان العلم كي يعرف...
ولا يتحقق له تحقيق ما يعرف، في أتقن أشكاله، وهيئاته، إلاَّ بالعلم...
فأيُّ العلوم يحتاج كي يصل إلى نتائج تضعه أمام ذاته وجهاً لوجه؟
إنَّه بمثل ما يتفرَّد في خصوصية الرزق...
فإنَّه يتفرَّد في خصوصيَّة العلم...
فهل للإنسان أن يسعى كي يتعرَّف على احتياجه من العلم فيغبُّ غبَّاً...، ويعبُّ من ثمَّ عبَّاً؟...
حتى إذا ما سُئل عمَّا يتقن.. أدرك...
أنَّه لن يعرفه إلاَّ إذا علمه...؟...
|
|
|
|
|