| مقالات في المناسبة
احتل الملك «فهد بن عبد العزيز» خادم الحرمين الشريفين على مدار عقدين مكانة عالمية متميزة باعتباره زعيماً متوازناً، حقق للسعودية دوراً وصوتاً سياسياً مسموعاً ومؤثرا في المسرح العالمي للأحداث، وكان حاضراً في الأزمات العالمية بحكمة وفعالية، وقاد بوعي كبير مجريات الأمور في منطقة الخليج العربي.
وعندما تعرضت هذه المنطقة الحساسة للاضطرابات المتعددة كانت حكمة الملك فهد وراء الحفاظ على استقرارها وخروجها سالمة من أحلك الأزمات تعقيدا، ولعل دوره في الحفاظ على استقرار المنطقة يبرز بشكل كبير في أثناء إدارة أزمتي حرب الخليج الأولى والثانية.
فلقد كان الملك «فهد» وقراره هما محور الأحداث والركيزة الأساسية التي حافظت على استقرار منطقة الخليج بل وحافظت أيضا على استقرار النظام العربي ككل، وعندما احتلت العراق الكويت في مطلع التسعينيات، كانت قراراته وحنكته السياسية وراء حماية المنطقة من الانهيار.
ومنذ أن اعتلى الملك فهد العرش السعودي في 13 يونيو 1982 آل على نفسه أن يسخّر كل جهوده لتحقيق مصالح الأمتين العربية والإسلامية، فعلى الصعيد الإسلامي كان هدف المملكة الإستراتيجي دائما هو المحافظة على القيم الإسلامية والدفاع عنها، ولم يكن اختياره للقب «خادم الحرمين الشريفين» اختيارا شكلياً بل كان معنى ودورا ففي عهده نُفّذت عمارة الحرمين الشريفين، بأكبر توسعة في تاريخها، مما جعلهما قادرين على استيعاب الملايين من الحجيج والمعتمرين في العصر الحديث.
ولم يتوقف دوره الإسلامي فحسب عند هذا العمل الرائع، الذي يشهد به كل مسلم، وكل حاج وزائر ومعتمر، عندما يتجه بصلاته إلى بيت اللّه وحرمه، وإنما امتد لتفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي ، وما انبثق عنهما من مؤسسات وأجهزة جعلت السعودية أكبر مانح للمساعدات الخاصة بالدول الإسلامية.
ولا ننسى الدور الذي قام به خادم الحرمين الشريفين في إنشاء المدارس والمراكز والجوامع في أوروبا وأمريكا واستراليا، لخدمة المسلمين في كل مكان من العالم. أما على الساحة العربية فإن بصمة الملك فهد واضحة وقوية في أكثر من مجال، فهو من كبار المؤمنين بالتضامن العربي، والداعمين للجامعة العربية، وكان وما زال له دوره الرئيسي في دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس ورعاية المسجد الأقصى والدفاع عنه، كما كان للحضور السعودي في مختلف المحافل تأثيره الفاعل في هذه القضية الحيوية التي تعني كل العرب، خاصة أن السعودية من أكثر الدول تأثيرا على الولايات المتحدة وأوروبا لمكانتها السياسية وامكانياتها البترولية الكبيرة.
وعند الحديث عن دور ومكانة الملك فهد بعد 20 عاماً من حكم المملكة العربية السعودية، ينبغي أن نقارن بين أحوال السعودية اليوم، وبين ما كانت عليه في الأمس، فتؤكد لنا المقارنة أن خادم الحرمين الشريفين هو قائد التنمية الشاملة، وباني النهضة السعودية الحديثة، بعد أن نقلها من عصر التأسيس الذي قاده والده المغفور له الملك عبد العزيز بن سعود إلى عصر النهضة الأولى في عهد شقيقه الملك فيصل، ثم إلى البداية الحقيقية لعصر الطفرة والنهضة الشاملة في عهد الملك فهد، حيث شملت شتى المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والحضارية بصورة وضعت المملكة العربية السعودية في مصاف الدول الطموحة للتقدم، ونقلت الإنسان السعودي نقلة واضحة على طريق الحضارة والازدهار.
ولم تقف الإنجازات السعودية عند حد التقدم المادي، بل تعدتها إلى وصول ثمار التنمية إلى كل إنسان سعودي بإنشاء بنية أساسية اقتصادية كاملة من صحة وتعليم وخدمات عالمية بكل المقاييس، تتجلى آثارها في شبكة طرق وكهرباء واتصالات عالية المستوى، وبعدها كانت الخطوة الثانية المهمة في مارس 1992 حين أدخل الملك فهد تغييرا جوهريا في النظام السياسي بإنشاء مجلس الشورى ووضع قانون أساسي للحكم، يشبه الدستور ويستوحي نصوصه كاملة من الشريعة الإسلامية.
إن التقويم الموضوعي والعلمي لسياسات الملك فهد بعد 20 عاما من الحكم يضعه بين الحكام العرب والعالميين القلائل الذين استطاعوا أن يقودوا بلادهم ومنطقتهم وسط الأنواء والعواصف ويصلوا بها إلى مرافئ الأمان والتقدم والنجاح، ويحافظوا في نفس الوقت على أصالتهم وقيمهم الروحية الإسلامية الخالدة، ويتطلعوا للعالم برؤية معاصرة تحقق طموح المواطنين السعوديين والعرب إلى التقدم وتحقيق حلم العرب في العودة إلى الريادة والمكانة التي يستحقها الإنسان العربي المسلم في العالم.
رئيس تحرير الأهرام
|
|
|
|
|