| مقـالات
الدعوة إلى الله تعالى من أهم المهمات ومن أعظم الفرائض وأفضل القربات وهي مهمة الرسل والأنبياء الذين هم صفوة الخلق، والناس في أشد الحاجة إليها لأنها هي وسيلة تبليغ الناس الإسلام وشرح جوانبه المضيئة وتعاليمه الرائدة. فالدعوة الي الله في ضوء هذا هي الدعوة إلى عبادته كما قال عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) سورة الذاريات: الآية 56.
وقد أكد قائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله في أكثر من مناسبة أهمية الخصوصية الدينية المكانية والتاريخية لهذه البلاد، وأعلن عن دعمه السخي لكل عمل تقتضيه هذه الخصوصية. وشواهد هذا الدعم كثيرة جداً وعلى رأسها التوسعة الضخمة للحرمين الشريفين وتأسيس المراكز الإسلامية والمساجد في العالم الإسلامي وفي المجتمعات المسلمة في الخارج ورعاية الملتقيات العلمية التي تبرز عظمة الإسلام وتعاليمه الرائعة وتظهر فضائله لغير المسلمين بهدف دعوتهم لدراسة الإسلام دراسة علمية منصفة مما يفتح السبل لنشر نوره وهداه الموافق للفطر السليمة.
وفي كل عام وبدعم سخي من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء وفقه الله وبتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد في شهر رمضان المبارك وفي صيف كل عام بجهود دعوية في الخارج بواسطة دعاتها وعن طريق بعض أساتذة الجامعات السعودية ولا سيما جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. علاوة على تنظيم الملتقيات الإسلامية الفكرية بين حين وآخر.
إن غالب تلك الجهود الدعوية لها آثار ايمانية مباركة في المجتمعات المسلمة أسأل الله ان تثقل موازين الداعمين لها والقائمين بها مما شجعني على الاجتهاد لتصيد أسباب النجاح لهذه الجهود المباركة والتفكير البصير في تأمل عوامل الاستمرار لثمارها اليانعة وغاياتها النبيلة عن طريق التخطيط المحكم الذي يرومه المسلم الحريص على استمرار نفع إخوانه المسلمين وتحصيل الخير لهم ولا سيما ما يتعلق منه بأمور دينهم.
وبعد التأمل وجدت أن الفوائد المستقاة من دعوات الرسل عليهم السلام وعلى رأسهم قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم تؤكد أن الدعاة المحليين أقوى تأثيراً من الدعاة الوافدين ولذا أشار المولى عز وجل في القرآن الكريم إلى أنه بعث إلى كل قوم نبياً منهم وبلسانهم، لأن ذلك أقرب إلى تحقيق شروط البيان فقال الله سبحانه وتعإلى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) سورة ابراهيم: الآية 4.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يبعث رسله إلى أقوامهم أو من لهم صلة بهم كما بعث عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى بلي لأنهم أخواله وأم العاص منهم وهكذا...
وفي ضوء هذا فإنني أتوجه الى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز حفظه الله باقتراح تأسيس مراكز إعداد للدعاة في البلاد التي فيها جاليات إسلامية كبيرة أو في البلاد الأخرى التي تعيش فيها جاليات مسلمة ويمكن أن تكون مرجعاً للجاليات الإسلامية المجاورة ولا سيما في الدول الكبرى في أوروبا والأمريكتين وبخصوص في مراكز وجوامع خادم الحرمين الشريفين هناك وأن تسمى تلك المراكز: «مراكز خادم الحرمين الشريفين لإعداد وتأهيل الدعاة».
إن تلك المراكز يمكن أن تكون منارات إشعاع ونفع علمي واجتماعي لمجتمعاتها حين تشتمل هذه المراكز على حلق لتحفيظ القرآن الكريم وعلوم العقيدة الصحيحة والعلوم الفقهية لتأهيل خريجيها تأهيلاً عقدياً وفقهياً سديداً يمكنهم من نفع إخوانهم المسلمين هناك ولا سيما إمامة المصلين في شهر رمضان المبارك لحاجة تلك المجتمعات إلى هذا.
في هذه المراكز سوف يعدُّ ويدرب الدعاة وحفظة كتاب الله من أهل كل بلاد على أسس عقدية صحيحة ووفق إعداد علمي رصين ليحملوا مشعل الدعوة والفقه في مجتمعاتهم فذلك أحرى بالقبول وأعمق في التأثير في تلك المجتمعات كما أن الدعاة المحليين بالإضافة إلى إتقانهم لغة المخاطبين والمعرفة البصيرة بالمصطلحات والأعراف الشائعة بين المدعوين لأنهم جزء منهم هم كذلك أعرف بضرورات مجتمعهم وكيفية ترتيب أولياتها.
وأجزم أن فوائد مراكز خادم الحرمين الشريفين المقترحة لاعداد الدعاة وتدريبهم بدعاتها المؤهلين ستكون أكبر وأكثر من الجولات الدعوية الصيفية والرمضانية ولا سيما في المدى البعيد، كما أن النفقات المبذولة في هذا العمل النبيل ستقل وبذا يمكن توجيه الفائض منها وجهة خيرة أخرى ربما تكون في مثل ضرورتها أو أشد.
والذي أراه لتحقيق أعلى درجات الكفاءة المنشودة من المراكز التدريبية المقترحة أن يعهد لرابطة العالم الإسلامي بالإشراف عليها ومتابعة أدائها وذلك عن طريق تأسيس منظمة تسمى «منظمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز للدعوة الإسلامية» وذلك لأنه لابد من متابعة الأعمال الدعوية التي تنشأ في الخارج بحكم أنها عرضة لأن تصل إلى قيادتها بعض الجماعات المنتسبة للإسلام التي لا تلتزم بالعقيدةالصافية وتعاليم الإسلام النبيلة، ففي بعض الدول تنقسم الأقليات المسلمة إلى عدة مشارب واتجاهات فكرية بل وبعضها يخضع لتبعية سياسية معينة وكلها تنتسب للإسلام ولكن بعضها يعاني من الانحراف الشديد. وإذا لم تكن هناك متابعة مباشرة وإدارة مستمرة للمشروعات الإسلامية الدعوية فإن الطرق تكون مهيأة لوصول الجماعات المنحرفة للسيطرة علي تلك المشروعات.
والسر في ترشيح رابطة العالم الإسلامي للإشراف على المنظمة المقترحة هو تقدير ما تملكه الرابطة من خبرات متراكمة عن مجتمعات المسلمين والجاليات الإسلامية في الخارج وما يحتاجه أهلها من علوم شرعية وتخصصات تدريبية.
وهنا لابد من التأكيد على أهمية المعرفة الواعية بظروف كل مجتمع وبيئته الخاصة وضروراته وحاجاته. ولابد من الإشارة إلى أن المجتمعات الإسلامية في الخارج تختلف من بلد الى بلد بحسب الظروف الاجتماعية والسياسية وغيرها وهذا لابد من مراعاته عند التخطيط للدعوة لضمان استمرارها وفاعلية نتائجها وتحقيق ثمارها بإذن الله تعالى.
ومما يؤكد أهمية مراكز التدريب الدعوي في مجتمعات الجاليات والمجتمعات الإسلامية الخارجية أن الجولات الدعوية قد تتأثر بفعل المؤتمرات المختلفة ولا سيما في هذا العصر المهدد بتحديات العولمة وغيرها فينقطع أثر تلك الجولات أو يكاد أن ينقطع ولعل التطورات الأخيرة أكبر شاهد على صحة هذا الاستنتاج وبالتالي الحاجة بل الضرورة الماسة إلى التخطيط العلمي السديد للعمل الدعوي بما يحقق استمراره وفاء لواجب التبليغ الذي أخذه الله على هذه الأمة ضماناً لخيريتها ووفق ما تتطلبه ظروف العصر وتحدياته وبما يناسب واقع العالم الإسلامي والأقليات المسلمة في العالم.
ومما يؤيد أهمية فكرة إنشاء مراكز خادم الحرمين الشريفين المقترحة لاعداد وتأهيل الدعاة في دول العالم الإسلامي وفي مجتمعات الأقليات المسلمة في العالم أن هناك عدداً ليس بالقليل من طلاب المنح من مختلف دول العالم الإسلامي ومن مجتمعات الأقليات يدرسون في جامعات المملكة العربية السعودية والجامعة الإسلامية بالذات على حساب الدولة بدعم وتشجيع من خادم الحرمين الشريفين أيده الله وحكومته الرشيدة كما تخرج من هذه الجامعات في السنوات الماضية عدد ليس بالقليل فهم نواة جاهزة لبذرة الخير المقترحة.
ومن المؤكد ان الجامعات السعودية قد فتحت جسور تواصل مع الخريجين من طلاب المنح من أجل إفادة مجتمعاتهم بالعقيدة الصحيحة والعلم النافع وهو ما تعلموه في جامعات المملكة العربية السعودية. إلا أن المطلوب أكبر من مجرد التواصل فحسب ولابد حينئذ من تفعيل عملية التواصل هذه للاستفادة من هؤلاء الخريجين لتثقيف مجتمعاتهم ولتقديم صورة صحيحة عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين.
ومن أهم صور الاستفادة من خريجي طلاب المنح في رأيي : إلحاقهم بمراكز خادم الحرمين الشريفين المقترحة لإعداد الدعاة، للتدريس والمحاضرة فيها وخدمة مجتمعاتهم المحلية من خلالها تحت إشراف «منظمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز للدعوة الإسلامية» المقترحة.
إن مراكر خادم الحرمين الشريفين لإعداد وتأهيل الدعاة سوف تخرج بإذن الله عدداً كبيراً من الدعاة والحفظة في البلاد الإسلامية وفي المجتمعات المسلمة وهذا يعني أن عمل هذه المراكز سيدوم بتلاقح الأجيال ثمرة ما يتعلمه منسوبوها ويعلمونه فيستمر ثوابه لمن كان سببا في افتتاحها وهو ما نأمله من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ومن ابنه البار صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز وفقهما الله وسدد خطاهما في دروب البر والخير.
إن ما سبق بيانه لا يعني بأية درجة الانتقاص من جهود وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ولا الانتقاص من جهود أساتذة الجامعات والدعاة، ولا يجوز أن يسلك به هذا المسلم، وإنما هو مدخل للتعاون على البر والتقوى وفتح الآفاق وصيد التصورات للنفع العام.
وهو في جانب آخر إعانة للوزارة على تركيز أعمالها في خدمة المجتمع المحلي لأنه عملها الأساس بدلا من تثبيت جهودها في أعمال خارجية بعيدة عن تناولها مما يشغلها عن عملها الأساس. هذا وبالله التوفيق،،،،
alsmariibrahim@hotmail.com
|
|
|
|
|