| محليــات
لا شك أن القلة ممن يتابعون هذه الزاوية لاحظوا أنني أتجنب الحديث حول ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم أتعرض أبدا لما يحدث في أفغانستان. مع العلم أنه من الصعب على أي إنسان في الكون بأسره أن يتجاهل الأحداث المرعبة التي حدثت في الولايات المتحدة والأحداث المأساوية التي تجري الآن في أفغانستان.
كنت سأستمر في الابتعاد عن هذه القضية لأن الأمر في غاية التعقيد والخطورة والمسألة لا تسمح بالمزايدة أو الإنشائيات أو إعادة الكتابة بالخطاب الثقافي السائد قبل الأحداث. لولا أن صديقاً فناناً وصف ما حدث في أمريكا بأنها (القفلة).
أثارني هذا التوصيف وأقلقني. وعندما قلبته في دماغي وجدت أنه أفضل وصف لما حدث. القفلة في عرف الفنانين هي حدث أو كلمة أو عبارة تأتي في آخر الفيلم تنهي تسلسل الأحداث التي قام عليها ذلك الفيلم. فأي فيلم أو مسرحية لا بد أن يكون له قفلة تنهيه دراميا بشكل مقنع. وعندما تتأمل فيما حدث في أمريكا وتربطه بالتطورات التي حدثت في العالم الإسلامي منذ الغزو السوفيتي على أفغانستان ستتأكد بأن معظم دول العالم الإسلامي كانت تعيش مسرحية تستحق أن تحظى بنهاية قوية ومثيرة وخطيرة.
كثير من المحللين والعقلاء في العالم كانوا يعرفون أن هناك كارثة ستحل بالعالم الإسلامي. ولكن لم يتوقع أكثر الناس تشاؤماً أن تأتي بهذه القوة وفي قلب أمريكا زعيمة العالم الغربي.
قبل الحرب الأفغانية ضد السوفييت كان العالم الإسلامي يعيش مستوى ثقافياً مريحاً وهادئاً ويتطور بطريقة بناءة. وكانت عقيدة الإسلام في أعماق القلوب ولا يوجد من يزايد عليها. ولم يكن هناك أي تداخل بين الحياة العادية للمسلمين وبين صميم الروح الإسلامية ذاتها. ولكن الأمر انقلب بعد الحرب الأفغانية ضد السوفييت إلى خطاب حرب عامة. وقلق عجيب على العقيدة. وبدا أن الإسلام أصبح مهددا من الداخل ومن الخارج. وانقسم المسلمون إلى صنفين: ملتزم وعلماني. فتداعت الدعوات والتحريض والاستعدادات للمنازلة الكبرى. وتجلى هذا حتى في المظهر الشخصي للأفراد. فالذي يقرأ الكتيبات والنشرات التي صدرت في هذه الفترة والخطب التي ألقيت سيبدو له وكأن الإسلام لم يوجد إلا بعد الحرب الأفغانية وهذا خطأ. لا أقول هذا لأكرر على الناس ما يعرفونه وعانوا منه، ولكني أقول هذا فقط لأذكِّر كثيراً منا بأن ما جرى في الولايات المتحدة أمر في غاية الخطورة بل هو أخطر حدث سيؤثر على حياة المسلمين في العصر الحديث. وقد أشار إلى هذا سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في نصحه وتوجيهه الكريم لبعض أصحاب الفضيلة العلماء. فالقضية ليست مجرد عاصفة تترك بعض الأضرار وتنتهي. ولكن من الواضح أن هناك مخططا متكاملاً لإعادة صياغة العالم (ثقافيا). الأمر الذي يعني أن هناك تهديداً جدياً لبعض دول العالم الثالث في مسألتي التعليم والأمن والتعاملات المالية. فالحملات الإعلامية المعادية التي تشنها وسائل الإعلام الغربية على كبريات الدول الإسلامية ومن بينها المملكة ليست بريئة وعفوية أو ناشئة من مواقف شخصية لبعض الكتّاب والمثقفين في الغرب. ولكنها فيما يبدو إعداد وتهيئة لعمل لاحق. فقد أعلنوا جميعا أن الحرب على الإرهاب لن تتوقف على أفغانستان. كما أنهم لن يكتفوا بالعمل العسكري وحده، فهي حرب على جميع الجبهات. وسوف تستمر أكثر من عشر سنوات. والأهم والأخطر في هذه الحرب هو ما سموه بتجفيف متابع الإرهاب. ليس المقصود كما هو في الظاهر مراقبة التمويل ومطاردة الدول التي تساند الإرهاب، وإنما المقصود هو مراقبة مناهج التعليم في دول العالم والتدخل فيها وصياغتها بما يتماشى مع الواقع الجديد. فالضربة التي تلقتها أمريكا كانت بالفعل (قفلة) لأكثر من عشرين سنة من الهيجان الديني الذي ألصق بالإسلام، وقدم الإسلام للعالم على أنه دين لمجموعة من الدراويش والموتورين الذين يجدون في التضحية بالنفس مجاناً تقرباً إلى الله وطريقا معبدة إلى الجنة أناس يبحثون عن أي شيء يحاربونه، حيث تنامت لديهم قيم العزلة فتشكل لهم مجتمع في داخل المجتمعات الإسلامية منفصل عن المجتمع السليم، لكنه أقوى حضورا في وسائل الإعلام. فصار مصدر قوة لأتباعه. وأصبح من السهل على أي شاب صغير أن يكتسب شيئاً من السلطة والقوة بمجرد الانضمام إلى هذه الطوائف. فلمع على السطح وصار هو الممثل الوحيد للإسلام أمام العالم. فتولدت منه مصالح مختلفة مما غذاه بالمال والدعاة ومظاهر القوة والمنعة. إنها مسرحية ضخمة طالت أكثر مما توقعنا. وأخيراً تلقت قفلة مأساوية كبرى سوف يعاني منها العالم الإسلامي طويلا. لا نعرف حتى الآن كم هو الثمن الذي سيدفعه المسلمون ثمنا لهذه المسرحية. لكن الشيء المؤكد أنه ثمن باهظ أعاننا الله على سداده.
كل عام وأمتنا الإسلامية العظيمة بخير.
yara4me@yahoo.com
|
|
|
|
|