| القرية الالكترونية
* الرياض إبراهيم الماجد:
عندما بدأت المعلوماتية وتقنياتها تحتل ساحة التطور العلمي، لم يتوقع الأمريكيون من علمائهم التوصل إلى ما هو أبعد من الكمبيوتر المحمول «Laptop»، إلا ان العالم الإنجليزي المبرمج جيم مارتن تنبأ في السبعينيات بدخول الانترنت إلى الجيب مع حلول العام 2000، وأورد في كتابه بعنوان «مجتمع الأسلاك» The Wired Society انه في مطلع الألفية الثالثة ستفسح أجهزة الكمبيوتر، عبر أجهزة الهاتف السلكية واللاسلكية والموجات الإذاعية والألياف البصرية أمام الملايين فرصة تبادل الرسائل الالكترونية وكذلك تجارة البورصة والعمل والدراسة من المنزل إضافة إلى دفع الضرائب واتمام اجراءات السفر من خلال تلك الوسائل».
واليوم، يذهب مارتن إلى أبعد من ذلك بعد ان تحققت نبوءته ليطرح تساؤلاً او نبوءات أخرى قد تحدث. ويشير في كتاب آخر بعنوان «بعد الانترنت: الذكاء الخارق» إلى ان المسألة لا تقتصر على ما إذا كان الكمبيوتر سيصبح أكثر فعالية مماهوعليه اليوم بل تتعداه إلى امكانية تطويره لنوع خاص من الذكاء»، ويقصد مارتن بذلك الذكاء الذي يضاهي قدرة الانسان الفكرية ليصل إلى حد تهديد وجوده بشكل مباشر، خصوصا ان مساعي تطوير الكمبيوتر إلى وسيلة تعمل بأسلوب أشبه بعقل الانسان في تسارع مستمر، لكن مارتن يحاول تبديد المخاوف من التطور السريع لهذا العلم، معتبراً انه بالرغم من براعة تلك الأجهزة. فهي لن تصل إلى درجة من الذكاء الداعي للقلق.
واستشهد بالأقاويل التي كان يطلقها من أسماهم ب«علماء الذكاء الاصطناعي» في السبعينيات «انه خلال عشرين عاماً سيتمكن الكمبيوتر من مضاهاة ذكاء الانسان.. لكن أياً من الأفكار لم تحصل». وانطلاقاً من الواقع الذي يؤكد ان العقل البشري هو الذي أوجد التكنولوجيا فهو باستطاعته التحكم بتطورها مع الحفاظ على امكانية السيطرة على آثارها.
ويلفت مارتن في هذا الخصوص إلى أهمية تثمين التركيبة الدقيقة والمعقدة التي يتميز بها عقل الانسان.
ويضيف: «نحن لا نستطيع برمجة ما تقوم به البعوضة وكذلك الانسان»، وبما ان احتمال بلوغنا مرحلة يتم فيها الاستغناء عن طاقات الانسان لصالح هذا الجهاز الالكتروني، فإن الفكرة حتماً تقلق النفس البشرية على دورها المستقبلي، لكن مارتن يدعو إلى اقصاء تلك الهواجس ومحاولة استغلال الطبيعة الخاصة لطريقة عمل «تفكير» جهاز الكمبيوتر بما يتناسب واحتياجاتنا، واصفاً اياه ب«العالم الغبي الذي بمقدورنا السيطرة عليه».
ويضيف: «انطلاقاً من ان الانسان هو الذي أوجد التكنولوجيا وسخرها لتحقيق كل ما يتمناه من المفترض ألا تجعل حياتنا أكثر سوءاً»، وبالعودة إلى الطبيعة المجردة فإنها لم تستطع ان تعيل أكثر من خمسمائة مليون نسمة على الأرض لكن مع ظهور التكنولوجيا تم احتضان ستة مليارات نسمة وهي قادرة «أي التكنولوجيا» على استيعاب تسعة مليارات نسمة في العام 2050، لكن ماذا يمكن ان تحمل لنا التكنولوجيا من جديد في السنوات القليلة المقبلة؟ فلنتخيل برامج متطورة تحاكي رغبات كل منا، مثل القيام بالأعمال المنزلية من تنظيف وطهي وتحضير القهوة الخ لمجرد قراءة رغبة الفرد بذلك، هذا بالإضافة إلى دفع الفواتير واتمام المعاملات الرسمية وصولاً إلى فتح الأبواب وتشغيل محرك السيارة، كل ذلك من خلال بطاقات مزودة بنظام خاص يعرف بك وبرغباتك، وكذلك يحكي عن امكانية التوصل إلى دواء يمنع المرض عوضاً عن تقديم العلاج.وهذا عبر برامج «ذكية» تدرس المعطيات الوراثية لكل فرد والتي من شأنها، على سبيل المثال، وصف العلاج للنوبات القلبية قبل حدوثها، ومع حلول العام 2010 قد تمكننا التكنولوجيا من حمل بطاقات مرمزة لتسلسل الحمض النووي «DNA» للانسان، ففي حال حدوث عوارض مرضية يقوم الكمبيوتر على الفور بتحليل الرموز وتشخيص الحالة في خطوة تضمن سلامة المريض وتقلل من احتمالات تعرضه للمخاطر. واستناداً إلى التقنية المذكورة فإن التكنولوجيا قد تساهم مستقبلاً في تعزيزالأمن على الأرض، إذ يمكن ايجاد برامج تشير مسبقاً إلى السلوك والنوايا الجرمية للأفراد قبل الاقدام على أي فعل مؤذ. فمع الاستخدام الصحيح لهذه التقنية ينذر مارتن بانتشار متوازن لاقتصاد العولمة.
ويقصد إفادة دول العالم الثالث منها لافتاً إلى ان ثروة الأمم لن تعتمد على مصادر الثروة الطبيعية في السنوات العشر المقبلة بل على عدد الكفاءات العلمية في مجال التكنولوجيا، لافتاً إلى التجربة الهندية التي استطاعت عبر سياسة حكومتها الجديدة ان تفرض نفسها كقوة عظمى في هذا المضمار.
وفي وقت يطرح فيه الكمبيوتر على طاولة البحث كجهاز في موازاة العقل البشري، فإن الكثير من العلماء يشككون في قدرة التكنولوجيا على التشبه بالطبيعة الانسانية، وان شغلت بعض التجارب حيزاً من هذا الحقل إلا ان أياً من البرامج التصميمية لن تفرض نفسها في تنافس مع الانسان.
وإذا صح اعتبار التكنولوجيا سلاحاً ذا حدين ففي إمكانه القضاء على أكبر أسواق البورصة في العالم، لكنه في المقابل إنجاز تاريخي حققه الانسان منذ اختراعه لأول أداة تقنية تتعلق فيه.
ويرى مارتن ان الانسان ينفتح على المعرفة لردع الآثار السلبية للتكنولوجيا واستغلال تلك الايجابية منها للمصلحة العامة.
ويقول مارتن القلق بطبيعته: ان الاحباط الاعظم الذي يصيبه هو من جراء الغياب شبه الكامل للتفكير بالاستخدامات المفيدة للانترنت معتبراً ان الناس «عندما يفكرون بالمستقبل وبشبكة الانترنت يقدمون أمثلة عن الثلاجة التي تأمر بشراء الحليب عندما ينفد من المنزل، ان هذه النماذج بدائية».
ويتابع: «يفترض بنا البدء بالتفكير في وجود قدرة لدينا لجعل العالم أكثر جمالاً وانظف وجعله مكاناً ممتعاً يسمح للناس بالتخلص من أعمالهم الشاقة وادراك قدراتهم الكاملة، وعلينا فهم اننا في المستقبل سنقرر أي عالم نريد، والتحدي القائم أمامنا كبشر هو في توجيه السؤال الآتي إلى انفسنا: ماذا نريد فعلاً».ويعتبر مارتن ان محرك هذا التحول سيكون «الذكاء الغريب» «غير البشري» أي أجهزة الكمبيوتر الذكية القادرة على تجاوز تفكير البشر والقادرة على القيام بأمور غير مبرمجة للقيام بها بصورة لا يستطيع أي انسان القيام بها، ويوضح ان أجهزة الكمبيوتر قد بدأت باستخدام برامج تعتمد مبدأ التطور الدارويني«تتغذى» من نتائج المسائل التي تحلها.
وخلافا للتطور البيولوجي، تستطيع برامج الكمبيوتر ان تقدم آلاف «الأجيال» في ثوان قليلة.
|
|
|
|
|