| العالم اليوم
* رام الله نائل نخلة:
رصاصة واحدة كانت كفيلة بأن تصيب قدمه وتخرج منها بعد ذلك لتخترق صدر صديقه الذي كان بجانبه لترديه شهيداً.
لم تكن هذه لقطة من أحد أفلام هوليود، بل هذا فعلاً ما حدث في صباح 18/10/2001م خلال اقتحام قوات الاحتلال المنطقة الشمالية الغربية لمدينة البيرة «منطقة البالوع».
محمد زياد أبو راس (16 عاماً) كان البطل الشهيد وعلاء كان صديقه الذي أبى الموت إلا أن يأخذ أعز صديق له، أمام عينيه، وبذات الرصاصة التي اخترقت قدمه.
ورغم إصابة علاء في قدمه إلا أنه صمم أن يخرج من المستشفى بعض الوقت يوم تشييع جثمان محمد ليلقي نظرة الوداع الأخيرة على صديق طفولته ورفيق شبابه.
وكانت تربط محمد بعلاء علاقة أخوية بريئة، وتمنيا أن يستشهدا سويا، إلا أن روح محمد صعدت إلى بارئها تاركة خلفها روح علاء تدافع عن الوطن لوحدها.
والدة محمد منور أبو خليل (36) عاماً كانت تتوشح السواد وعيناها تذرفان الدموع كالشلال لا تتوقفان وبريق يشع منهما معلنا التحدي على كل شيء.
لم تحتمل أبو خليل فراق بكرها بعد أن كانت ودعت قبل عدة سنوات زوجها وأبا عيالها، حيث استشهد في الانتفاضة الأولى عام 1987م وأغمى عليها بمجرد أن ووري جثمانه الثرى. وقالت: كان محمد ذاهبا من أجل أن يدافع عن قضية عادلة وأضافت: لو طلب الوطن مني الواجب الوطني سأقدم نفسي وأبنائي الخمسة المتبقين له. وأخذت تستذكر أمنياته وطموحاته وهي تنظر إلى صورته المعلقة على الجدار وخرجت من فيها عدة كلمات بعض لحظات من الصمت «كان حلمه أن تصبح لنا دولة مستقلة، وأن نجد الاستقلال على أرضنا».
واستقبلت أبو خليل الخبر وهي في عملها حيث تعمل مسؤولة الأمن الداخلي في الإذاعة والتلفزيون الفلسطينيين وأكدت أنها علمت بداية أن ولدها قد أصيب، ولكن سرعان ما عرفت أنه غدا شهيداً.
وكان محمد مسؤولا عن الإنفاق على شقيقتين من شقيقاته الأربع، بعد أن تزوجت أثنتان منهن وشقيق واحد لم يتجاوز السبع سنوات وترك المدرسة ليعمل وينفق عليهم ويساعد والدته.
نفين شقيقته الكبرى (20) عاماً لم تستطع أن تلقي النظرة الأخيرة على شقيقها إلا على شاشات التلفاز وذلك بعد أن كان جنود الاحتلال منعوها من القدوم من نابلس إلى رام الله، رغم أنها أرادت المجيء في سيارة الاسعاف ولكن دون فائدة.
فبقيت نفين في نابلس تبكي أخاها الكبير عن بعد، رغم أن شوقا عارما كانت تحمله له، ولكن الحواجز العسكرية كانت أقسى من أن تشعر بحرارة الحب الذي تحمله أخت لأخيها.
أما شيرين (19 عاماً)، كانت أكثر حظاً، حيث استطاعت أن تأتي من قرية أبو شخديم شمال رام الله بسيارة الإسعاف وتودع شقيقها وللمرة الأخيرة.
وقالت: كان محمد حبوبا، يحب جميع الناس، كنت أنا ومحمد أصدقاء ورفاقا أكثر من أشقاء.
ولم تكن شيرين تدري أن أمنية شقيقها لم تتحقق، حيث قال لها قبل عدة أيام أحب طعامك كثيراً لذلك سأفطر جميع رمضان في بيتك. ولكن الموت كان أسرع من أي شيء آخر وأخذ روح محمد دون أن يستأذن أحدا.
وذكرت شيرين أنها رأت صباح يوم الخميس غيمة سوداء في السماء وكانت والدتها تتشاءم من هذه الغيمة فقالت يومها اللهم اجعله خيرا.
وقدمت عائلة محمد من قبياطية جنين قبل حوالي العامين ونصف العام وسكنوا في مدينة رام الله.
كانت هواياته الكتابة ولعبة كرة القدم ولعبة الحديد، كما قالت لنا شيرين عندما سألناها عما كان يحب محمد وقالت لنا شيرين: بأنه كان ينوي أن يخطب ويتزوج بعد عدة سنوات ولكن..
أيام (8 سنوات) لم تستطع إلا أن تقول انها استنشقت رائحة كالمسك والعنبر والريحان والأقحوان عندما زارت قبر أخيها بعد يوم من تشييع جثمانه.
|
|
|
|
|