| شرفات
هل حدث لك وان تأملت مواكب الطلاب الصغار وهم يدخلون الى مدارسهم، ظهورهم محنية، ويكاد الواحد منهم يلامس الارض، بل يبدو كأن الحقائب هي التي تحمل التلاميذ، كما لو كانوا معلقين بها، ، ونتساءل: لماذا ما سر هذه الكمية الكثيرة من الكتب؟هل هذا دليل على جشع في المعرفة ام ثراء ترهل في المنهج ام اضطراب في التنظيم والرغبات في تطلعات المعلمين الى تخصيص دفاتر لكل مادة بغرض الحرص على متابعة هذه المادة او تلك والميل الى مظهرية نظيفة مرتبة على حساب كيف يضيع في ارتال الدفاتر والكتب، ، ؟
هذه قضية، ، طرحناها على عدد من الأساتذة وأولياء الامور، ، احدهم «أبو سعد» قال عن أبنائه: انني حين أنظر الى كميات الكتب في شنطهم ارأف لحالهم وأسألهم : ولماذا تحملونها كلها، ، خذوا فقط ما يخص هذا اليوم، ، لكني أحاصر بالتنهدات قادمة في حين يتأففون ببراءة: يا بابا هذه هي دروس اليوم، ، وحين أغالط نفسي وأكذبهم اتوجه الى الشنط وانا اتحداهم بأسف: طيب اعطوني جدول الحصص، ، هيا، ، وما ان أبدأ في جرد مسميات المواد وهم يناولونني ما يخص كل مادة حتى اكتشف مذعورا ان الكومة التي ازحتها لمتهم على حملها عادت هي، ، هي، ، لان الكتاب له دفتر او دفتران او ثلاثة وكلها تحمل معه هذا للصف وذاك للملاحظات والآخر للواجب وهلم جرا، ، وليست محنة منهجية تثقل اكتاف الصغار كما تصيبهم بدوار الكم على حساب الكيف، او هذا ما علق به أبو عبد الله عن ابنته في السنة الخامسة وابنه في السنة الرابعة، ، واردف ابو عبد الله: احيانا يخيل لي ان ابنائي اساتذة جهابذة في معهد متخصص في البحوث والدراسات، ، أو قل اساتذة جامعة معهم أعمال تلامذتهم للتصحيح، ، قلنا لابي عبد الله: لكن أليس هذا الكم ضرورياً لكي يغطي ما تتطلبه طبيعة العصر المعلوماتية،
أبو عبد الله يضحك: من حسن حظي انني درست في أمريكا وزرت عدداً من الدول الاوروبية والآسيوية، ، وكنت اتعجب، ، هؤلاء ابناء دول متقدمة، ومع ذلك فما يحملونه من كتب ودفاتر عدد محدود معظمهم يحمله على الساعد دون حاجة لحقيبة،
ويتساءل ابو عبد الله: هذه دول المعلومات والتقدم ولو كان الامر متصلاً بالكم لكنا شاهدنا التلامذة الصغار هناك، وهم يجرون عربات بأرتال الكتب لكي يتفوقوا على حقائب العجلات التي اضطر ابناؤنا ليتخففوا من عناء حملها، ، وحين وجهنا السؤال عن ضرورة هذا الكم من الكتب والدفاتر للسيدة أم احمد، وهي موظفة ولديها ولدان وثلاث بنات قالت: أظن الحديث عن أهمية المواد المتعددة متفق عليه، الا انه لا اهمية للاطالة في كل مادة وينبغي الاختصار على الضروري لكل مرحلة وألا تستمر المواد متواصلة الحضور في كل عام بحجم يتزايد، كما ان كثرة الدفاتر يمكن معالجتها بأوراق العمل بحيث لا يحمل الطالب الا ملفا بأوراق بيضاء وتكون لديه عدة ملفات في البيت يغذيها بما يعطى له بالمدرسة من تلاخيص او واجبات ولما سألنا الاستاذ محمد وهو احد المعلمين في المرحلة الابتدائية عن هذا الاقتراح قال: صدقني انتم أولياء الامور تنسون اننا نحن المعلمين في المقام الاول أولياء أمور نعاني ما تعانونه لكن المشكلة اننا مطالبون باكمال المنهج والاخلاص في توصيله قدر الامكان الى اذهان الطلاب، والتأكد من ذلك من خلال آلية التلخيص ودفتر الواجب فضلا عن اننا نأمل من الطالب ان يقوم بنفسه بوضع الملاحظات التي تهمه خلال عملية الشرح في الفصل، ، وهذا معناه ان يكون له دفتر خاص لهذا، لكل مادة، مع ان بعض الطلاب يلجأ الى ما يسمى بالكشكول يضع فيه ملاحظاته لكل المواد وهكذا ترى اننا مهما حاولنا الفكاك من تراكم الكتب والدفاتر تجدنا مواجهين بها من حيث لا نقصد ، ، قلنا للأستاذ محمد: ما الحل؟ قال قد يتطلب الامر اعادة النظر في بعض المواد من حيث الكم ومن حيث ضرورة تخصيص كتاب خاص بها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى اتفق مع ان اللجوء الى ملف بأوراق بيضاء يحد من الكم العديد للدفاتر، لكن هذا أيضا له سلبيته فنحن المعلمون نخشى ان يهمل الطلبة عملية الانتظام في تزويد ملفاتهم المنزلية بما يأخذونه من تلاخيص أو واجبات ، ، إن الامر حقيقة يتطلب وقفة مع المنهج هذا واضح، ، وقد نقلنا هذا التصور للمعلم عبد الرحمن في احدى المدارس الثانوية، وسألناه اذا ما كان يتفق مع زميله المعلم محمد فقال: اعتقد انك لو سألت كل المعلمين والتلاميذ واولياء الامور عن اهمية النظر الى المنهج واعادة الاقتصاد في حجم المواد وتركيزها فسوف لن تجد احدا يعترض على ذلك، لكن هذا شيء وتحديد الاولويات وترتيب الاهميات شيء آخر، ، ان بعض المواد النظرية خصوصا في المراحل المتقدمة كالثانوية يمكن ان يكتفى منها بالاقل مع تركيزه وتكثيفه، ما بالنسبة للمراحل الاولى كالابتدائية فيمكن التعامل مع المادة وفقا لمنطق الجوهري الذي يدخل اساسا في عملية التعلم والمرتبطة بالحاجة الدينية والاجتماعية والعملية دون توسع او شروح وانما بما يتواءم مع المرحلة العمرية ومع ثقافة الامة وتقاليدها وتطلعاتها كذلك،
بمعنى ان على المنهج وهو يقدم المرتكزات الاساسية في التكوين المعرفي للطالب ان يكون كذلك حاملا لبواعث الابداع والابتكار حتى وهو يقدم ما لابد من حفظه وتلقنه،
هذه بعض الآراء في موضوع كم الكتب وحجم المادة استقيناها من أفواه اولياء الامور ومن بعض المعلمين ، ، لكن ماذا عن اولئك الطلاب؟ لقد سألنا في اكثر من مكان واكثر من موقع للدراسة، وفي مختلف المراحل العمرية والدراسية، ، وكان السؤال بمثابة استفزاز متعمد ، ، لأن جميع الطلاب كانوا قبل ان يجيبوا يزخرون او يتأففون وبعضهم يهز الرأس او يلقي بتبرم بالحقيبة الى جانبه، ، وكلهم يصرخون بسؤال التمني ونفاد الحيلة، ، بس كيف، ، ياليت ومع هذه «الكيف» وهذه ال«ليت» يبقى السؤال معلقا بين الحرقة والامل،
|
|
|
|
|