| أفاق اسلامية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
في خضم أمواج متلاطمة من الفتن وفي ظل أزمات كبيرة وعظيمة تعيشها أمتنا تكون الكتابة ملحة والبحث عن المخرج من الفتنة ضرورة ومحاولة استثمار الأزمة لصالح الأمة سبيل ذوي الرأي والديانة واحسب أن أعداءنا لم يضربونا بسلاح أمضى من سلاح الفرقة والشتات خاصة في هذه الأزمة التي كثرت فيها الأزمات والنكبات على أمتنا فكلما تماثلت الأمة للشفاء واستعادت شيئا من عافيتها نزلت بها مصيبة جديدة وحلت بها كارثة، فيا ترى ما هو سبيل خلاص أمتنا وكيف وكيف نخرج من مآسينا؟
إن السبيل كما نعرفه جميعا وبين أيدينا كتاب ربنا فهو المخرج من الفتن والاعتصام به سبب النجاة والفوز في الدارين وفي كتاب ربنا توجيهات كثيرة وأصول عظيمة ومنها الأمر بوحدة الصف والتحذير من الاختلاف والفرقة وعندما يتأمل المؤمن قوله تعالى:« إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص» يلاحظ التعبير القرآني شبه المقاتلين الذين يحبهم الله بالبنيان الذي اعتمد بعضه على بعض والتحم بعضه ببعض وأصبح متماسكا متراصا ويتخيل الإنسان كيف ينهار ذلك البناء وذلك الذي كان شاهقا متراصا عندما ينفصل بعضه عن بعض عنه فيبدأ الانهيار رويدا رويدا تشبيه واضح ويسير لكنه عند التأمل يعطي دلالات كبيرة وليس أقلها فشل الأعمال الفردية والاجتهادات المعتمدة على رأي الواحد، ووحدة الأمة ليست من المسائل الفرعية بل قرر علماؤنا رحمهم الله أن ذلك من أصول الشريعة ومقاصدها تفوت من أجله ما دونه من المصالح بل قد ترتكب لأجل تحقيقه مفاسد يكون ارتكابه أقل ضررا من عدم تحقيق مقصد وحدة الأمة، وليعلم أن تحقيق هذا الأصل يحتاج إلى صبر ومصابرة وقوة تحمل وسعة خلق يقول تبارك وتعالى:« ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين» فالتنازع يؤول بالأمة إلى الفشل وذهاب الريح لكن تحمل الأخوان والسعي لجمع الكلمة وتوحيد الصف لا يتم إلا بصبر وترفع عن حظوظ النفس والشريعة الإسلامية حذرت جدا من الاختلاف والفرقة في كل اجتماع يجمع بين اثنين فأكثر فإمام الصلاة لا تجوز مخالفته وأمير السفر تجب طاعته بالمعروف والإمام الأعظم لا يجوز الخروج عليه ليس ذلك لأن هؤلاء انحدروا من عرق خاص أو لأنهم يأتيهم وحي من السماء لا يشاركهم فيه غيرهم ولكن لأن الاختلاف عليهم والشقاق معهم يحول دون تحقيق مصالح شرعية كثيرة، وعندما نتحدث عن الوحدة وعدم الفرقة لا نطالب بأن تتحد الأمة في فهومها واجتهاداتها وتصوراتها فهذا أمر لا سبيل إليه في كل شيء بل لا إنكار في مسائل الاجتهاد كما هو مقرر لكن الذي نريده ونطمح إليه أن تكون هناك آلية للتعامل بين أفراد الأمة ومجتمعاتها فمسائل الإجماع تكون هي ملتقى الأمة ومنطلق صلاتها وأما المسائل المختلف فيها فتسعى الأمة إلى إيجاد أرضية واقعية للحوار والنقاش وألا نمل من كثرة المحاورة ليظهر على الأمة في حوارها البحث عن الحق والترفع عن التهم والدخول في النوايا والترفع كذلك الأساليب الساقطة والعبارات النابية، ومما ابتلي المسلمون في هذه الأزمنة كثرة النوازل ومن ثم نتج عن ذلك تباين المواقف واختلاف الأحكام وهذا أمر لا بأس به ان لم يصل إلى تضليل الآخر وتجهيله والحط من قدره فالجيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفت اجتهاداتهم ولكن لم يتهم أحدهم أخاه ولم يقدح في دينه بل أطلقها ابن مسعود رضي الله عنه مدوية«ان الخلاف والفرقة شر» إن الذي نؤمله أن يسعى أهل الإسلام إلى وضع آلية تجمع شتات علماء المسلمين وتوحد موقفهم في مسائل العصر فإذا نجح العلماء في التعامل فيما بينهم فبقية الأمة تبع لهم وإن بلاد الحرمين بما وهبها الله من منزلة في قلوب المسلمين وما يتحلى به علماؤها من وسطية المنهج وما لمؤسستها الشرعية من قدرات وإمكانات بلاد الحرمين هي المؤهلة لأن تضع تلك الآليات المؤملة،،
نسأل الله أن يوفق أمتنا إلى ما فيه عزها وصلاحها ونصرتها وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* عضو الدعوة والإرشاد وإمام وخطيب جامع الراجحي ببريدة
|
|
|
|
|