| الاقتصادية
من المنطقي القول بأنه لكل قرار أوامر في شأن معين أبعاد وتمددات وتداخلات مع مجالات وتخصصات أخرى، بل ان هناك أمثلة في غاية الغرابة توضح تأثير وتفاعل «إنجاز» ما في علم معين على احداث تطورات وتقلبات مذهلة في علم أو تخصص آخر. مثلا اكتشاف رأس الرجاء الصالح كان إنجازاً ملاحياً وجغرافياً معتبراً ولكن تأثيره الكبير على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية في ذلك الوقت لا يمكن التقليل منه حيث قضى هذا الاكتشاف على أهمية طريق الحرير وأفغانستان التي عادت اليوم إلى بؤرة الاهتمام العالمي لسببين.. صلابة وإيمان شعبها وطريق حرير آخر هو خط أنابيب لنقل ثروة بحر قزوين النفطية إضافة إلى أسباب استراتيجية وعسكرية ودينية أخرى، ولم ينسنا المؤرخون من ربط هذا الاكتشاف الجغرافي المثير بتفوق عسكري للحضارة الغربية على المسلمين جاء تحت تعبير شهير ورد على لسان ماجلان عندما قال: (اليوم أحطنا بأمة الإسلام من كل الاتجاهات)!! وقد اتضح تشابك وترابط هذا الحدث الجغرافي مع ميزان القوى والتحركات السياسية والعسكرية عندما ارتفعت بيارق الأسطول البحري البرتغالي على سواحل دول الخليج العربي المتصالح بعيد الاكتشاف الملاحي بقليل!!
في الإدارة خاصة الإدارة الاستراتيجية، تأتي مسألة التشابك والتداخل بين المتغيرات والقرارات والعوامل أو عناصر البيئة الخارجية على رأس مسببات الصداع الاستراتيجي وهي الحالة التي يشعر فيها المدير الاستراتيجي بنوع من الدوار ولا يعرف أين يضع قدمه. عوامل السياسة والاقتصاد تتداخل مع بعضها بشكل يلزم المفكر الاستراتيجي بدراسة مدى ونوعية التداخل السياقتصادي (التأثير والتأثير المضاد) لقراراته وتصرفاته، ومع ذلك لن يضيق الإطار أمام هذا المفكر بل سيتسع لأنه كذلك يريد ان يتعرف على التداخلات المتبادلة المفترضة لقرار معين مع العلوم الطبيعية والثقافات وأحوال المجتمع والتكنولوجيا وربما الفلك ومطالع النجوم الخ مع العلم أننا لم نعرج على متغيرات المنافسة والسوق وبيئة الموردين والمشترين وغيرهم.. انها شبكة معقدة من الارتباطات والتشابكات يضيق بها عقل إنسان واحد مهما أوتي من العلم والقدرات التحليلية.
انها دوامة معقدة وعندما يلجأ المفكر إلى الكمال أو السطحية فقد غرق وليس له منجد ولا قشة، الخطر الأول يأتي من السعي نحو الكمال (Perfectionism) وتصور المدير المخطط انه يستطيع الاحاطة بكافة أطراف ومتغيرات الموضوع، هذا مدير حملة ثقيل وهو غارق لا محالة في التفاصيل.
الأسلوب الثاني يتبلور عندما يكتفي المحلل بما يظهر على السطح(Superficiality) ولا يدس أنفه في العمق ليتعرف على التفاصيل والغايات والآثار والتأثيرات الحقيقية لآمر أو قرار معين.
هذا ما فعله ابن ماجد (غفر الله له) فقد قدم للمستكشف الصليبي خدمة تدخل من باب العلم المحض ولكنها تخرج من نافذة التآمر على الأمة الإسلامية واستكمال الطوق حول عنقها الغض.
من أجل ذلك كانت مهارة الاختصار الاستراتيجي من أهم مقومات المفكر الاستراتيجي الناجح وهي مهارة تتبنى منهجا وسطا بين ما سبق ذكره حول الكمال والسطحية يبدأ الاختصار باختيار عدد محدد جداً من المتغيرات والتفاعلات (وهي تلك العوامل الحاسمة التي تشكل صورة كاملة ومكتملة عن الوضع القائم) ومن ثم دراستها وتحليلها بعمق وتفصيل ممل بهدف الوصول إلى قرار استراتيجي سليم، ونرى هنا أن وضع عين وعقل المخطط على عدد قليل من المتغيرات والعوامل يعالج هفوة الكمال في التفكير الاستراتيجي وان الدراسة المتعمقة التفصيلية لهذه المتغيرات المختصرة والمحددة بذكاء تساهم في تفادي مخاطر التفكير السطحي الذي لا يتناسب مع وضع استراتيجي معقد تتشابك وتتداخل فيه المتغيرات كمثل الكلمات المتقاطعة!!
sunotaibi@yahoo.com
|
|
|
|
|