| مقـالات
لم أصدق، وأنا أتصفح إحدى المطبوعات الصادرة يوم الخميس الماضي، والتي نشر فيها أسماء المعلمين، والموظفين المحالين إلى التقاعد بادارة تعليم بيشة.. بأن الإسم القابع.. باستكانة وخجل في مؤخرة الركب هو نفسه الرجل الذي كان يقود بكل همة واخلاص الحركة الشبابية والرياضية والثقافية في محافظة بيشة قبل أكثر من ربع قرن.. حين كان رئيساً لقسم النشاط الطلابي يدعى وقتها قسم رعاية الشباب ونائباً لرئيس نادي النخيل الرياضي، ومحركاً لكل الأنشطة والفعاليات التي أقيمت آنذاك.. لم أشأ أن أصدق أو هكذا بدا لي أن الرجل الذي أستكثر عليه حتى كلمة «الأستاذ» هو نفسه الأستاذ والمربي والشاعر والمثقف «عبد الرحمن محمد عويد» والذي نذر نفسه وقلمه وفكره لخدمة هذه المدينة العزيزة على امتداد «40» عاماً. لقد كان الرجل من أوائل المعلمين الذين تتلمذنا على أيديهم في المدرسة السعودية قبل أكثر من ثلاثين عاماً والتي كان يديرها الأستاذ خالد بن كدسه شفاه الله فعلمنا الخلق الرفيع، والمثابرة على طلب العلم وغرس في أنفسنا حب القراءة والمطالعة واقتناء الكتب المفيدة. وفي يقيني أن الرجل وهو ينسحب من ميدان العمل كما هي سنة الحياة كان في حاجة هو وأمثاله من رواد التعليم في بيشة والذين انتهت خدماتهم أو أنهوا خدماتهم بأنفسهم إلى تكريم خاص، تكريم يليق بريادتهم وبما قدموه خلال مسيرتهم العملية الطويلة من خدمات.. أين منها ما نراه اليوم؟.. بدلاً من تكريم يضمهم مع غيرهم من الموظفين والمستخدمين من عديمي المواهب والقدرات والذين كانت أقصى انجازاتهم تقطيب الجبين، واستلام الراتب آخر كل شهر هجري لا غير!
* «عبد الرحمن محمد عويد» والذي استكثرت عليه وزارتنا الجليلة أن تضعه في المكان اللائق به وبأمثاله من الرواد الذين خدموا الوطن، وتفانوا في تأصيل القيم الروحية والتربوية في ناشئة هذا الجيل «الغلبان» ليس اسماً عادياً، ولا هو من أصحاب المؤهلات الورقية العالية التي تفقد «هيلمانها» وسطوتها حين تتحول الى فعل وعمل يفرز الغث من السمين.. بل هو قيمة علمية وتربوية مهمة.. يكفي الرجل أنه قاد في مرحلة من مراحل حياة هذه المدينة العزيزة «بيشة» حركة تثقيف، وتنوير الشباب، وغرس الكثير من القيم الإسلامية.. من خلال مكتبته العامرة، والملأى بأنفس الكتب والمراجع والمطبوعات.. ومن خلال لقاءاته، ومحاضراته، وندواته المختلفة.. وفي وقت كان الناس فيه يجهلون قيمة الكتاب والثقافة والمعرفة.. ولا يفرقون بين كتاب «إحياء علوم الدين» للغزالي، وبين «المقفزي» و«الصفريü» وكلاهما لذيذ! وفي زعمي أنه أول من كتب بحثاً تاريخياً عن بيشة تحدث فيه عن قبائلها، وأوديتها، ورجالها وهو بحث قيم سطا عليه بعض الأكاديميين من عديمي الموهبة والثقافة ولم يذكروه حين ألفوا كتباً عن بيشة، أو حتى يشيروا إليه.. لا لشيء إلا لأنه انسان بسيط، لم يشتهر ولم ينشر عبر الصحف!
* إن من حق رجل هذا شأنه.. أن يكرم بما يليق، وقد طوى سنواته الستين المليئة بالمعاناة والألم والتنكر.. هل أقول وبالجحود من أقرب الناس إليه؟ أنا لا أكتب مدحاً في الرجل وهو به حقيق ولكنني أكتب كلاماً أقرب إلى الرثاء، وأحسب أن من حقه علينا: وزارة المعارف أولاً ثم ادارة التعليم في بيشة ممثلة في أخينا الفاضل سعادة الأستاذ سعيد بن فرحة آل عثمان» والذي جاء تعيينه كمدير للتعليم في المحافظة، موافقاً لما كنا نتمناه ونطمع إليه.. ان يُكرّم بإقامة حفل خاص، وليكن ذلك في أروقة «المكتبة العامة»، والتي أحبها، ورأسها سنوات طوال، يدعى إليه كل تلامذة ومحبي الرجل.. يتحدث من خلاله عن رحلته الطويلة.. وأن يتاح لكل من أراد أن يعبر عن مشاعره تجاهه، وهذا بالطبع يسري على الرواد الآخرين الذين احيلوا إلى التقاعد يوم الأربعاء الماضي ومن أبرزهم الأساتذة:
1 عايض محمد الحوطي.. والذي كان أول مدير لمدرسة «شرا» في بداية الثمانينيات الهجرية، وكان أحد معلميها آنذاك الأستاذ سياف آل خشيل مدير التعليم بعسير.
2 حسن علي عكان.. أول مدير مدرسة في خيبر الجنوب في منتصف الثمانينيات وأول مدير لمدرسة عبد الله بن عباس.
3 سعد حسن شديد.. من أوائل المعلمين في بلاد شمران وبلقرن في منتصف الثمانينيات الهجرية.
انني أطالب أخي سعادة الأستاذ سعيد بن فرحه مدير التعليم بالكتابة الى مدارسهم باقامة حفلات توديعية مناسبة.. بدلاً من هذا التكريم الجماعي.. والذي يستوي فيه الذين سهروا الليالي على أنوار «الفوانيس» لتعليم النشء، وبين الذين سهروا الليالي لايذاء عباد الله، وقبض النصيب آخر الشهر.. وأرجو أن أكون قد أنصفت الكثير من رواد التعليم في بيشة في كتابي «التعليم في بيشة.. ماضياً وحاضراً» والذي انتهيت منه مؤخراً.
* أتوق إلى رؤية روادنا الأوائل في حقل التربية والتعليم وقد كرموا وبالقدر الذي يستحقونه ولعل أقل ما يمكن أن نعمله لهم، وقد جرفتهم السنون أن يجدوا تقديراً.. يلقون فيه بعض العزاء فيما تبقى من أعمارهم.. والله المستعان!
يستاهل «أبو خالد»!
** جاء تعيين سعادة الأستاذ سعيد بن فرحه آل عثمان.. كمدير للتعليم بمحافظة بيشة خطوة موفقة وقراراً صائباً من قبل وزارة المعارف.. كما انها جاءت تتويجاً لمشواره في ميدان التربية والتعليم.. منذ أن بدأ حياته العملية قبل أكثر من ربع قرن مدرساً ثم مديراً فرئيساً للإشراف التربوي بادارة التعليم والذين يعرفون الرجل باخلاصه، وتفانيه، ومعرفته الدقيقة بأسرار العمل التعليمي لم يستغربوا هذا التكريم، والذي أعطى الدليل على وعي الوزارة وحرصها على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
لقد عرفت «أبا خالد» منذ سنوات بعيدة فعرفت فيه دماثة الخلق، وطيب المعشر ومحبة الناس والالتزام بكل القيم الحميدة..
ان من حقه علينا أن نقول أننا قد سعدنا بهذا التعيين لمعرفتنا الأكيدة بالمخزون الكبير الذي يملكه من الخبرات التربوية، ومشاركته السابقة في الكثير من الخطوات التطويرية لادارة تعليم بيشة.. والتي ستساهم بدورها في استمرارية العطاء والتفوق لهذه الادارة الفتية!!
من تمور بيشة الشهيرة
|
|
|
|
|